«كورونا»... وزوجتي!

نشر في 21-07-2020
آخر تحديث 21-07-2020 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم حالت أزمة كورونا دون لجوئي إلى الحلاق، لإخفاء شعر رأسي الأبيض، فلم يعد هناك بدٌّ من التعايش مع الشيب، الذي كسا رأسي، مما دفع زوجتي أن تقول لي:

- ليتك لا تصبغ شعرك مستقبلاً، فالشعر الأبيض يُكسبك المزيد من المهابة.

قادتني كلمات زوجتي هذه إلى القيام برحلة في التاريخ، لأبحث عن أثر بياض الشعر على الأدباء والشعراء، وما قالوه فيه. فصادفتُ أول ما صادفتُ الأصمعي، باعتباره جامعاً ومؤرخاً لأحوال الأدباء وشعر الشعراء، فوجدته يقول:

"أحسن أنماط الشعر في المراثي والبكاء هو ما نُظم على فقدان الشباب"...

فقوله هذا دفع بي إلى جولة للاطلاع على حقيقة هذا الموضوع. وأول ما صادفني أبوالفضل النيسابوري، الذي يعاتب الشيب بهذين البيتين:

تنفس صبح الشيب في ليل عارضي ... فقلت عساه يكتفي بعذاري

فلما فشا عاتبته فأجابني ... أيا هل ترى صُبحاً بغير نهارِ

وإذا بالفرزدق هو الآخر يصف الشعر الأبيض بالنهار، ويصف الشعر الأسود بالليل، حيث يقول:

والشيب ينهض بالشباب كأنه ... ليلٌ يصيح بجانبيه نهارُ

ولم يكتفِ الشاعر السراج الوراق بوصف الشيب، بل جعل من اسمه علامة يُستدل بها على شعره، إذ يرد على حبيبته بقوله:

فقلتُ لها: نهارٌ بعد ليل ... فما يدعوكِ أنت إلى النفارِ

فقالت قد صدقت وما سمعنا ... بأضيع من سراجٍ في نهارِ

***

• ومعظم الشعراء والأدباء في هذا المجال لم يخرجوا من دائرة وصف الشيب بالنهار والشعر الأسود بالليل... فهذا بهاء الدين بن النحاس يعبِّر عن هذا المعنى، فيقول:

قالوا حبيبك قد تبدَّى شيبه ... فإلام قلبك في هواه يهيمُ

قلت اقصروا فالآن تم جماله ... وبدا شقاء فتىً عليه يلومُ

الصبح غرته وشعر عذاره ... ليلٌ ونبت الشيب فيه نجوم

لكن دعبل الخزاعي أكثر صدقاً مع نفسه عندما يخاطب حبيبته بقصيدة طويلة، ويختمها بقوله:

لا تعجبي يا سلمَ من رجلٍ ... ضحك المشيب برأسه فبكى

ويكاد مسلم بن الوليد أن يقترب مما قاله الخزاعي، فيقول:

مستعبرٌ يبكي على دمنةٍ ... ورأسه يضحك فيه المشيب

أما ابن الرومي، فله أبيات رثائية على الشباب، بعد بروز الشيب في الرأس، فيقول:

كفى حزناً أن الشباب معجلٌ ... قصر الليالي والمشيب مخلدُ

وعزاك عن ليل الشباب معاشرٌ ... فقالوا: نهار الشيب أهدى وأرشدُ

فقلت: نهار المرء أهدى لسعيه ... ولكن ظل الليل أندى وأبردُ

مصير الفتى شيخوخة أو منيّةٌ ... ومرجوع وهّاج المصابيح رمددُ

وهناك من الشعراء مَنْ اقتبس من القرآن الكريم (واشتعل الرأس شيباً)، فقال:

لقد لبست لهذا الدهر أعصره ... حتى تجلل رأسي الشيبُ واشتعلا

فبان مني شبابي بعد لذته ... كأنما كان ضيفاً نازلاً رحلا

***

• وقال أبوعمرو بن العلاء: ما كتب العرب شيئاً أكثر من بكائهم على الشباب... فكما قال الأخطل:

لن يرجع الشيب شباناً ولن يجدوا ... عِدْل الشباب لهم ما أورق العودُ

وقال الكميت أيضاً:

أتصرم الحبل حبل البيض أو تصلُ ... وكيف والشيب في فوديك مشتعلُ

***

• فسامح الله زوجتي و"كورونا" اللذين قاداني لكتابة موضوع قد لا يجد ترحيباً عند الكثير من أبناء جيلي.

back to top