كشف أسرار التحالف الأميركي - الكوري الجنوبي

نشر في 17-07-2020
آخر تحديث 17-07-2020 | 00:02
الضغوط المتزايدة على العلاقات الأميركية– الكورية الجنوبية قد تعرض الرئيس مون إلى مزيد من الضغط كي يعمل على تحسين العلاقات الداخلية الكورية، مع أن مثل تلك الخطوة ستبعده عن واشنطن، وربما يمكنه إعادة فتح مكتب الاتصال في بادرة حسن نية قد تسفر عن خلافات أعمق مع واشنطن.
عقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ثلاثة اجتماعات قمة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون خلال السنوات الثلاث الماضية ولكنه لم يتمكن من تحقيق اتفاقية لنزع السلاح النووي مع بيونغ يانغ، ويكشف مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون في كتابه الجديد عن أن الرئيس ترامب كان مهتماً بقدر أكبر بكيفية ظهور جهوده في صنع السلام في وسائل الاعلام وتصويرها على شكل "نجاح هائل" بدلاً من محاولة إزالة أسلحة الدمار الشامل في كوريا الشمالية، فلم يحاول فهم الأسباب التي حالت دون نجاح جهود ثلاثة رؤساء أميركيين سابقين في تحقيق تفاهم مع بيونغ يانغ، وبدلاً من ذلك اعتمد الرئيس ترامب على غريزته وهو يسعى الى دفع كيم جونغ أون الى توقيع اتفاق غير واقعي على الإطلاق.

جدير بالذكر أن الكشف عن فشل دبلوماسية ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي حظي باهتمام خاص، ولكن الجانب الأكثر إثارة للقلق جاء في رواية جون بولتون عن تراجع التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أمام نظر ترامب الذي تسبب في إلحاق الضرر بالعلاقات مع كوريا الجنوبية، وقد أشار بولتون في كتابه بوضوح الى أن التحالف الأميركي– الكوري الجنوبي الذي يعتبر حجر الزاوية في استراتيجية الدفاع الأميركية في آسيا قد ينتهي إذا فاز ترامب بولاية رئاسية ثانية.

نضوج التحالف الثنائي

شهد التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية الذي بدأ في الحرب الكورية قبل سبعين عاماً تطوراً متعدد الوجوه في العلاقات بين دولتين تتشاطران التزاماً بسياسة السوق الحرة والديمقراطية كما ضمن وجود قوات أميركية في كوريا الجنوبية لحفظ أمنها اضافة الى تطويرها لأسلحة نووية تعتمد على الترسانة الأميركية لمواجهة عدوان كوري شمالي، وفي مقابل ذلك، شاركت كوريا الجنوبية في كل حرب خاضتها الولايات المتحدة منذ النزاع الكوري، وأرسلت أكثر من 300 ألف جندي للقتال في الحرب الفيتنامية.

ولكن أهمية كوريا الجنوبية بالنسبة الى الولايات المتحدة تمضي الى ما هو أبعد من سياسة الدفاع، فهي سابع أكبر شريك تجاري مع واشنطن وحليف رئيسي لها في ميادين مكافحة القرصنة والطاقة النظيفة والأمن السبراني ومساعدات التنمية، كما أرسلت سيئول 700 ألف حقيبة اختبار الى الولايات المتحدة خلال انتشار وباء كورونا، ولكن كما أوضح كتاب جون بولتون فإن الرئيس ترامب لا يعير اهتماماً بالتحالف الكوري الجنوبي، وشعب كوريا الجنوبية بدأ يسأل بازدياد ما اذا كانت فوائد العلاقات مع الولايات المتحدة تستحق الثمن المطلوب.

شكوك ترامب

يقول بولتون في كتابه إن الرئيس ترامب يشكك بشدة في وضع كوريا الجنوبية، وهو لم يفهم لماذا خاضت بلاده الحرب الكورية الجنوبية أو وضعت قوة عسكرية فيها بعد ذلك، ويعتقد أن القوة الأميركية تعمل على حماية كوريا الجنوبية، ويتعين عليها دفع المزيد من الأموال في مقابل تلك الحماية.

وفي عام 2018 طلبت ادارة ترامب من حكومة كوريا الجنوبية زيادة مساهمتها السنوية في تكلفة وجود قوات أميركية على أراضيها وقد وافقت كوريا الجنوبية على زيادة مساهمتها من 800 مليون دولار الى مليار دولار تقريباً، ولكن تلك الزيادة لم تكن مرضية بالنسبة الى ترامب، وقد طلب في عام 2019 رفع الزيادة الى 5 مليارات، وهو ما رفضته كوريا الجنوبية وقبلت برفع المبلغ الى 1.3 مليار دولار فقط.

وبحسب ما جاء في كتاب جون بولتون فقد تقبل وزيرا الخارجية مايك بومبيو والدفاع مارك إسبر العرض الكوري الجنوبي ولكن الرئيس ترامب رفضه، وقال إن السبيل الأفضل لتحقيق الاتفاق المنشود "يتمثل في التهديد بسحب كل القوات الأميركية من كوريا الجنوبية"، ويعقد النظام الكوري الجنوبي الأمل الآن على خسارة الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر وقد شدد على رفض توقيع أي اتفاق مع الولايات المتحدة وفقاً لشروط البيت الأبيض.

وبدلاً من ذلك قررت حكومة سيئول دفع 200 مليون دولار على شكل رواتب الى الموظفين الكوريين الجنوبيين العاملين في القواعد الأميركية (ويفترض أن تعوض الولايات المتحدة هذا المبلغ الى كوريا الجنوبية بعد التوصل الى اتفاقية جديدة)، ولكن إذا فاز ترامب في انتخابات شهر نوفمبر قد يجدد بسهولة مطالبته بدفع كوريا الجنوبية خمسة مليارات دولار أو سحب عدد من القوات الأميركية في كوريا الجنوبية، تماماً كما فعل في الآونة الأخيرة وأصدر أوامره بسحب ثلث عدد القوات الأميركية الموجودة في ألمانيا.

مستقبل الأمن الكوري

تشير التطورات المتسارعة الى أن الرئيس ترامب ألحق ضرراً بأمن كوريا الجنوبية، وفي أول قمة له مع الزعيم الكوري الشمالي في سنغافورة في شهر يونيو من عام 2018 وافق على التوقف عن إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين القوات الأميركية والكورية الجنوبية وذلك من دون استشارة حكومة سيئول أو حتى مساعديه السياسيين والعسكريين. وبحسب جون بولتون فقد ضغط كيم جونغ اون على الرئيس ترامب من أجل التوقف عن المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية وأجابه ترامب "هذا على وجه التحديد ما كنت أتوقعه"، لأنه كان يعتبر تلك المناورات استفزازية ومضيعة للوقت والمال، وتمثلت ردة فعل الزعيم الكوري الشمالي بابتسامة عريضة على وجهه.

وقد أغضب قرار الرئيس ترامب الكف عن المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية المسؤولين في سيئول الذين فوجئوا بذلك الموقف من البيت الأبيض كما أن القرار أغضب جناح المحافظين وقادة الجيش في كوريا الجنوبية، وبدأت أوساط محددة في سيئول تتساءل عما اذا كان بالإمكان الآن الاعتماد على واشنطن من أجل ضمان أمن كوريا الجنوبية، وإضافة الى ذلك برزت أصوات بين المتشددين تدعو الى تطوير ترسانة نووية كورية جنوبية، وهكذا فقد أسهم ترامب في تحقيق هدف كوريا الشمالية في ابتعاد كوريا الجنوبية عن الولايات المتحدة، وبحسب ما قال بولتون في كتابه فإن خفض مستوى المناورات العسكرية بين كوريا الجنوبية وأميركا كان محاولة أخرى من جانب كوريا الشمالية تهدف الى دق إسفين بين البلدين.

تداعيات كتاب بولتون

وقد أسهم كتاب بولتون في دق ذلك الاسفين بشدة حيث كشف عن استخفاف ادارة ترامب بمصالح كوريا الجنوبية وسعي الرئيس ترامب الى ظهور صورته في الصحف فقط.

جدير بالذكر أن مستشار الأمن القومي للرئيس الكوري الجنوبي تشانغ ايو يونغ انضم الى ترامب والمتحدثين باسمه في شجب كتاب جون بولتون واتهامه بعدم قول الحقيقة كاملة.

من جهة اخرى أعطى كتاب جون بولتون كوريا الجنوبية سبباً للشك في جدوى تحالفها مع الولايات المتحدة في وقت اقتربت فيه علاقات سيئول مع بيونغ يانغ من حدود الأزمة مرة اخرى، جدير بالذكر أنه وبعد ثلاثة اجتماعات قمة فاشلة لم تخفف واشنطن أو سيئول العقوبات على كوريا الشمالية على الرغم من أن الرئيس ترامب أشار بصورة غامضة الى كيم في قمة سنغافورة الى أنه قد يفكر في القيام بمثل تلك الخطوة.

وفي تطور لافت عمدت كوريا الشمالية في الآونة الأخيرة الى نسف مكتب الاتصال بين الكوريتين والذي يرمز الى المصالحة بين الشمال والجنوب وهددت بيونغ يانغ بارسال مزيد من الوحدات العسكرية الى منطقة مكتب الاتصال والى ماونت كامغانغ، وهو مركز اداري خاص لكوريا الشمالية ورمز آخر من رموز المصالحة بين شطري البلاد، وذلك بغية اعادة احتلال مواقع حرس الحدود في المنطقة المنزوعة السلاح وعودة المناورات العسكرية في البحر الأصفر، كما يبدو أن كيم قد أوقف حملات الاستفزاز في الأسابيع الأخيرة من أجل معرفة ما اذا كان في وسعه استخلاص تنازلات من كوريا الجنوبية، ولكن جهوده هدفت الى الضغط على الرئيس مون بغية ابعاده عن الولايات المتحدة وتقديم اعفاءات من العقوبات.

ويرى مراقبون أن استمرار كوريا الشمالية في التصعيد على هذا النحو سيضع سيئول وواشنطن في موقف يصعب معه الحفاظ على سياسة تحالف نحو الشمال، وكانت الاختلافات من جانب واشنطن وسيئول شملت قضية تطبيع العلاقات بين الكوريتين وما اذا كان ذلك يجب أن يتم قبل نزع الأسلحة النووية، كما تعتقد سيئول، أو بعد ذلك بحسب رؤية واشنطن.

ولكن الضغوط المتزايدة على العلاقات الأميركية– الكورية الجنوبية قد تعرض الرئيس مون الى مزيد من الضغط كي يعمل على تحسين العلاقات الداخلية الكورية، حتى مع أن مثل تلك الخطوة ستبعده عن واشنطن، وربما يمكنه على سبيل المثال إعادة فتح مكتب الاتصال في بادرة حسن نية قد تسفر عن خلافات أعمق مع واشنطن.

*سو مي تيري

كوريا الشمالية عمدت في الآونة الأخيرة إلى نسف مكتب الاتصال بين الكوريتين الذي يرمز إلى المصالحة مع الجنوب

إذا فاز ترامب في نوفمبر فقد يجدد مطالبته بدفع كوريا الجنوبية ٥ مليارات دولار أو سحب جزء من القوات الأميركية هناك
back to top