صقر الغانم (1845- 1918) الحلقة (3)

وشاية خزعل به الباعث الحقيقي لخلافه مع الشيخ مبارك

نشر في 17-07-2020
آخر تحديث 17-07-2020 | 00:04
أكثر الشخصيات التي تحظى بتوثيق تاريخها عادة هي الشخصيات السياسية من قادة الدول والجيوش العسكرية، ورغم أننا أمام شخصية عسكرية فذة لديها الكثير من المؤهلات القيادية، فإنها لم تنل حظها من التوثيق الجيد.

صقر الغانم قائد عسكري يمتلك من الصفات، حسب ما ورد في الوثائق التاريخية والكتب المؤلفة عن تاريخ الكويت، ما لا يتوافر في شخصية أخرى، ذلك لأنه عاش في حقبة مليئة بالأحداث والمعارك المصيرية في تاريخ الكويت، إبان حكم الشيخ مبارك الصباح.

وفي كتابه الذي نعرضه على حلقات، حرص المؤلف فيصل الزامل على تتبع كثير من المصادر التي تناولت الأحداث المتعلقة بصقر الغانم، سواء كانت عربية أو أجنبية.

يذكر الزامل أننا أمام شخصية عسكرية يندر تكرارها في تاريخ الكويت الحديث، لما تتمتع به من شجاعة وإقدام وذكاء ودهاء في الحرب وحسن تصرف في المواقف الصعبة.

ويؤكد المؤلف أن صقر الغانم لم ينل حظه من التكريم الذي يستحقه، لا سيما إذا قورن ذلك بمنجزاته وانتصاراته العسكرية وما قدمه من تضحيات لأجل الكويت، بل إنه تعرض لمعاملة قاسية لم يكن أحد يتوقعها، بسبب وشاية ثبتت براءته منها، كما سيتبين خلال الحلقات... وفيما يلي تفاصيل الحلقة الثالثة:

كان صقر الغانم يمارس نفوذاً عسكرياً في مناطق الفاو، بتعليمات من الشيخ مبارك الصباح لحماية ممتلكات الكويتيين بالنظر لكثرة مزارعهم هناك، وما يقع بين المزارعين من خصام حول مجاري المياه وحجم تخزين السدود، وكان صقر يتولى فضّ تلك الخلافات، بل امتدت تلك الحماية إلى السفن التي تحمل التمور من العراق إلى السواحل الإفريقية والموانئ الهندية، حيث يتعرض بعضها إلى أعمال القرصنة في منطقة شمال الخليج، ما تطلب تكليف سفن حراسة تجوب تلك المنطقة البحرية للحد من مخاطر تلك العصابات التي تسمى باللهجة المحلية «شلايتية».

يقول المرحوم خالد محمد الشاهين: «وردت إلى صقر الغانم معلومات عن قيام بعض رجال الشيخ خزعل بأعمال تكدر الأمن في منطقة الفاو وتتسبب بالضرر لتلك الممتلكات، حيث كانوا يأخذون من المزارعين ما يشاؤون من ماشية وأكياس قمح وغيره بلا ثمن، فأصدر أوامره إلى رجاله بمنع رجال الشيخ خزعل من النزول في الساحل الغربي لشط العرب، وبالطبع تم نقل هذه التعليمات إلى الشيخ خزعل بشيء من التحريض وبغير توضيح الأسباب الموجبة لهذا القرار، فأثار ذلك حفيظة الشيخ خزعل على صقر الغانم، وبعد مرور فترة من الزمن جاء إلى صقر الغانم ممثل الشيخ خزعل يخبره بدعوة الشيخ له إلى وليمة كبيرة، فقال له صقر مبتسماً: «هذي ما هي عزيمة، ولا تطوف علي»!، وهكذا، تولدت خصومة بين الرجلين سببها بالنسبة لصقر هي مصلحة الكويت، وبهذا السبب انتظر الشيخ خزعل الفرصة المناسبة للانتقام من صقر الغانم».

وتناول هذه المسألة العقيد الركن المتقاعد علي عبداللطيف خليفوه في كتابه (موسوعة المعارك الكويتية) فجاء في (ص18-19) من الكتاب: «كان الشيخ مبارك يتمتع بمجموعة من الصفات المتناقضة، فهو رحيم وشديد في الوقت نفسه، كريم وحريص، قوي الحجة وماكر بذكاء في ردّه على خصومه، كثير من أعماله سر لا يدركها إلا هو، وخدعه لا يفهمها إلا هو، كان طموحاً للسلطة والسيطرة، وأدق دليل على ذلك هو تصرفه مع قائده العسكري الفارس الشجاع صقر الغانم الذي لم يخض معركة إلا وهو في مقدمة الفرسان المشاركين معه، فلقد اتهم هذا الفارس بالخيانة نظراً لأن رجال الشيخ مبارك أمسكوا رجلاً قادماً من الزبير عام 1910 يحمل رسالة إلى صقر الغانم يطلب فيها مرسلها إلى صقر قتل الشيخ مبارك، وتسليم الحكم لواحد من آل الصباح».

برقيات المقيم البريطاني المعاصر لتلك الأحداث

حدثت واقعة اعتقال صقر الغانم في 14/1/1910، حسبما جاء في برقية الكولونيل شكسبير فيما نصه: «ثارت ضجة بتاريخ الرابع عشر من يناير بسبب اعتقال صقر بن غانم وبعض أتباعه بتهمة التآمر على حياة الشيخ، وقد كان هذا الرجل أحد القادة الموثوقين في حملته ضد سعدون، ولا يبدو أنه بلغ من الغباء إلى درجة يرمي فيها بنفسه نحو أمل شبه يائس في القضاء على حياة الشيخ بدفع من أبناء أخيه، وهو لا يزال حالياً في السجن، أما الشيخ فإنه أضحى لا يتحرك إلى أي مكان دون حرس قوي من خاصة رجاله ولم تسنح فرصة للوكيل السياسي لفتح الموضوع معه حتى الآن».

يتابع شكسبير: «وصل يوسف بن سالم البدر وهو شقيق لأمين سر الشيخ مبارك من البصرة في اليوم العاشر من فبراير حاملاً مهمة إقناع الشيخ أن صقر لم يشارك أي واحد من أبناء شقيقه في مؤامرة ضده، هذا، ومع ذلك لا يزال صقر بن غانم وأتباعه في السجن».

ويضيف: «في 29 فبراير وردتنا أنباء تفيد أن صقر بن غانم الذي لا يزال في السجن منذ يناير بسبب المؤامرة المزعومة على حياة الشيخ يتعرض إلى معاملة وتعذيب».

وأشارت البرقية إلى أنه تم اعتقال صقر الغانم وبعض أتباعه، ومن أبرزهم يعقوب الغنيم الذي كان الساعد الأيمن لصقر والذي لا تعرف عنه عائلته شيئاً منذ تلك الحادثة، فإذا كان الاعتقال قد شمل أعوان صقر حسبما تقول البرقية فمن المرجح أن يكون الغنيم أحد هؤلاء المعتقلين، وفي ضوء تلك المعاملة القاسية التي لقيها صقر فليس من المستبعد أن يلقى أتباعه معاملة أشد قسوة وأنه تم الإجهاز عليهم في السجن بالنظر إلى أن أخبارهم قد انقطعت نهائياً عن أسرهم منذ ذلك الوقت.

رواية حسين خزعل

وقد ذكر حسين خزعل هذه الحادثة في كتابه (تاريخ الكويت السياسي) تحت عنوان «مؤامرة صقر الغانم»، ما يؤكد علاقة الشيخ خزعل بتأجيج الخلاف أو افتعاله، وملخصها حسبما جاء في الكتاب المذكور، أن معلومات مجهولة المصدر قد وصلت إلى مسامع الشيخ مبارك الصباح مفادها أن صقر الغانم يتخابر مع يوسف الإبراهيم، الذي هو ألد أعداء مبارك الصباح من أجل الانقلاب عليه.

وجاء في الصفحة 290 من الكتاب: «في عام 1329 هجري 1910 ميلادي كان الشيخ مبارك قد خرج من الكويت إلى الجهرة فجاءه شخص يدعى سعد الدخيمي وأخبره بأن هناك مؤامرة تحاك بين صقر الغانم (قائد جيوشه البرية) وبين أولاد أخويه الذين في البصرة، وذلك لقتله، وقتل ابنيه جابر وسالم، وسيقدم إلى الكويت شخص من قبيلة مطير يحمل معه رسالة سرية إلى صقر الغانم تتضمن الإشارة إلى تدبير تلك المؤامرة.

فأصدر الشيخ مبارك أمراً إلى أتباعه بأن يحضروا أمامه كل قادم من البصرة عن طريق البر للقيام بتفتيشه بين يديه تفتيشاً دقيقاً، فورد شخص من البدو فاشتبه في أمره، وجرى تفتيشه أمام الشيخ مبارك بأدق ما يمكن فلم يعثر معه على شيء وبالرغم من ذلك التفتيش الدقيق جزم الشيخ مبارك بأن هذا الشخص هو الشخص المرسل إلى صقر الغانم، فأمر بإعادة تفتيشه، ثم أمر بخلع نعله وعند فتحها عثر فيها على رسالة تبين منها بعض الإشارات الغامضة التي تؤدي إلى وجود مؤامرة فاحتفظ بها، وأمر بسجن ذلك الرجل، وعاد مسرعاً إلى الكويت ليتعرف الأمر بنفسه، وأصدر أوامره بالبحث الشامل والتفتيش الدقيق لجميع السفن والزوارق المتنقلة بين الكويت وشط العرب.

ثم وردت أخبار سرية من مدينة الزبير تفيد بأن رجالاً سيقدمون الكويت من الزبير بصفة تجار أغنام يحملون معهم كتاباً إلى صقر الغانم يتضمن رموزاً حول تلك المؤامرة، كما يجد معهم أسلحة وعتاداً فترقبهم الشيخ مبارك وعند وصولهم إلى الكويت وجد معهم سلاحهم الشخصي فقط، فزجهم في السجن، ثم أصدر أمره إلى علي الخليفة بالذهاب إلى دار صقر الغانم وإلقاء القبض عليه.

فذهب علي الخليفة مسرعاً إلى دار صقر الغانم ووجده جالساً في وسط الدار بغير أي إجراءات غير عادية لحمايته، وكان ولده غانم في حجره وهو يومئذ صبي صغير، فأخبره بوجوب حضوره أمام الشيخ مبارك بصورة مستعجلة فاستمهله حتى يسلم الصبي إلى أمه فلم يمهله، وقدم به إلى الشيخ مبارك، فعاتبه الشيخ مبارك عتاباً شديداً ثم أمر بزجه في السجن».

تأثير الشيخ خزعل على الشيخ مبارك في قضية الغانم

هذه الرواية من جانب الكاتب حسين خزعل غير مكتملة، فعبارة «إشارات غامضة» كما جاء في كتابه لا تثبت شيئاً، بل إن الشيخ مبارك نفسه لم يقرر تلك العقوبة بهذه السرعة، حيث قام بتكليف يوسف، شقيق عبدالعزيز السالم البدر، وكيل أعماله في البصرة بإجراء تحرياته عما بلغه عن صقر الغانم، ولو أن الشيخ مبارك كان واثقاً من أن تلك «العبارات الغامضة» ذات الإشارات غير المفهومة، تصلح دليلاً لوحدها لما أرسل السيد البدر، وبعد شهرين رجع البدر إلى الشيخ مبارك قائلاً: «الكلام اللي وصلك عن صقر لا أساس له»، نقل الشيخ مبارك هذه النتيجة إلى الشيخ خزعل الذي قال: «يا شيخ مبارك، هذا ذيب وجرحته، إذا تركته راح يرجع عليك».

قال له الشيخ مبارك: «لازم أتركه، جماعته راحوا البحرين وطلبوا من الشيخ عيسى بن علي الخليفة شيخ البحرين أن يتوسط، وأرسل لي الشيخ عيسى يخبرني انه راح يجي الكويت علشان صقر».

وكان الشيخ خزعل ذا تأثير كبير على الشيخ مبارك، وهو أمر وثقه الكابتن (س.ج. نوكس) في برقية أرسلها إلى المندوب السياسي في أبوشهر الكابتن (ب. ز . كوكس) في 6/10/1908 ضمن المراسلات، صفحة 94، قال: «... والرجل الوحيد الذي وصل إلى علمي أن له تأثيراً على الشيخ مبارك إنما هو الشيخ خزعل، شيخ المحمرة، ولا أعتقد أن تأثيره هذا ليس لمصالحه هو (خزعل) فإنه قد علم مباركاً عدداً من الطرق الجديدة للسيطرة على شعبه، وهو يتملقه لزيادة خيلائه ويرفعه إلى السماء، والاثنان مستعدان لدعم بعضهما بعضاً في السراء والضراء، وفي كل خطوة يعزمان على اتخاذها، وهذا التأثير قد لا يدخل في نطاق ما نحسب حسابه».

نهاية مؤلمة

هذه النهاية الأليمة في حق صقر الغانم الذي دافع عن الكويت في معارك كثيرة، أخطرها ما كانت بعد حرب الصريف، فيما يسمى عسكرياً بالحرب الوقائية لتجنب معركة كان وقوعها يعني خراب الكويت بشكل كامل، ومع ذلك نجحت دسيسة الشيخ خزعل عبر الرجل الذي أرسله، سعد الدخيمي، في الإيقاع بين الشيخ مبارك والقائد صقر الغانم، فانتقم خزعل لنفسه على يد الشيخ مبارك.

وكان الشيخ أحمد الجابر قد قال لغانم، ابن صقر الغانم، رئيس الشرطة في عهده عام 1939 عندما عبر الأخير عن رغبته في الاستقالة من عمله على خلفية التجاذب السياسي الحاد في فترة المجلس التشريعي، فرفض الشيخ استقالته، قائلاً: «وإذا كان في شيء بالنفس عما جرى لوالدك صقر فو الله، ثم الله، ثم والله، إنه ما طبخنا في بيوتنا ثلاثة أيام يوم صار اللي صار لأبوك صقر، حزنا عليه»، وقد أعقب تلك الحادثة حدوث زيجات بين البيتين فتزوج الشيخ سالم بزة بنت صقر الغانم، وتزوج الشيخ ناصر المبارك لطيفة بنت صقر، ومن يقول، إن هناك تراكمات نفسية بين العائلتين بعد الحادثة يصادم الواقع المتمثل في تكليف غانم بن صقر الغانم بمسؤولية جهاز أمني حساس وهي رئاسة الشرطة، الأمر الذي يجب ألا يحول دون تسطير ما حدث من قبيل التأريخ الدقيق لدور رجل أسهم في حماية الكويت في فترة بالغة الاضطراب كادت في بعض أحيانها أن تزيح كيان هذه الدولة من الوجود .

براءة صقر الغانم من تهمة التآمر

بعد إلقاء القبض على صقر الغانم، قام الشيخ مبارك بإيفاد يوسف بن سالم البدر وهو شقيق عبدالعزيز البدر وكيله على المزارع في الفاو، للتحقق من المعلومات التي وردته عن وجود مؤامرة يديرها صقر الغانم ضده، وبعد شهرين من البحث المكثف رجع يوسف البدر بنتيجة الى الشيخ مبارك، قال له:» طويل العمر، صقر ما عليه شيء، سألت وبحثت في كل مكان، صقر ما عليه شيء».

ومن خلال قراءة شهادة المقيم السياسي البريطاني الكابتن شكسبير، وإمعان النظر في خلاف الشيخ خزعل مع صقر الغانم، وعلاقة خزعل الحميمة مع الشيخ مبارك وقدرته الكبيرة في التأثير عليه حسبما قررت البرقيات البريطانية، فإنه من الواضح أن الدسيسة التي تعرض لها الشيخ مبارك كانت مسمومة، وكان هو نفسه ضحية لها، إذ بموجبها فقد أحد أهم قادته العسكريين بغير مبرر ولا أي خلاف يستحق معه ذلك القائد المخلص التعذيب والتشويه البدني، فضلاً عن قتل أعوانه الذين ساعدوه في حشد الجيش في العديد من المعارك التي خاضها مبارك، وحتى المعارك التي تمت بأسلوب الحرب الوقائية.

ختاماً

نعم، لقد اعتقل صقر الغانم على «شبهة»، ومن مهام المؤرخ الأمين في مواجهة مثل هذه الظروف التي تشبه التحقيق في واقعة جنائية أن يجمع المعلومات بتأنٍ وأن يستدعي الشهود، وفي حالتنا، قمنا بفحص أقوال المعاصرين، من برقيات الإنكليز إلى شهادة أشخاص من أمثال الشيخ عبد الله الجابر، والشيخ عبدالعزيز الرشيد، حتى تكتمل الصورة، وينكشف الفاعل الذي دس الوشاية على الشيخ مبارك، بل نثبت في هذا التسلسل أن التحقيق الذي أشرف عليه الشيخ بنفسه قد أظهر براءة صقر، ولكن لم تشفع لصقر لا نتيجة ذلك التحقيق ولا بطولاته وإخلاصه لبلده، وإنقاذه له من هجوم ما بعد الصريف، وسائر المعارك التي خاضها، والتي أسهمت في اتساع نطاق نفوذ الكويت جنوباً وشمالاً وشرقاً، كل ذلك لم يشفع للرجل، وبقي إلى زماننا الحاضر دونما رد اعتبار وتقدير مثلما تفعل الأمم مع الذين قدموا أرواحهم فداءً لها، ليكونوا مثالاً يعرف معه كل من يبذل روحه رخيصة لبلاده وشعبه أن هذا الوطن لن يتجاهله.

هذا العرفان سيوقف قلق المظلوم سواء كان حياً يمشي بين الناس أم راقداً في قبره.

حادثة تجار اللؤلؤ مثال لتأثير الوشاة
يمكن التعرف على هذه الصفة من بعض الحوادث، منها ما تسبب في هجرة تجار اللؤلؤ، إذ جرت هذه المسألة على خلفية سعي الشيخ مبارك إلى مضاعفة الإنفاق الحربي، سنة 1910 ولم يتردد التجار في تلبية طلبه الذي شمل تزويده بالمال والرجال، وحسبما يروي السيد شملان بن علي، وهو أحد ثلاثة من أبرز تجار الذين هاجروا، وهم (شملان بن علي، هلال المطيري، إبراهيم المضف)... وهناك غيرهم شاركوا في تلك الهجرة، حيث يقول شملان حسبما ينقل عنه مباشرة عبدالعزيز الرشيد في الصفحة 191 من كتابه ما معناه: «لفق علينا أحد المقربين من الشيخ مبارك كلاماً غير صحيح بأننا لم نرسل من الرجال إلا الضعفاء»، ويضيف الكاتب: «ساء هذا الكلام مباركاً وأجج نار الغضب في قلبه حتى أضمر لهم الإهانة»، وعندما قرر الثلاثة الذهاب إلى الشيخ مبارك بأنفسهم لإيضاح الأمر له سبقهم الواشي برسالة زور، وكذب فلما دخلوا عليه كان يغلي من الغضب عليهم فبدأ حديثه بالتهكم اللاذع، وما إن بدأوا في تصحيح المعلومات وأنهم على استعداد لتغيير الرجال الذين لا يرضى عنهم للجيش حتى قاطعهم الشيخ مبارك بحدة «أنتم تعلمون أن العدو أمامكم وهو على أبواب مدينتكم ونحن في حاجة أن نظهر له بمظهر القوة والنشاط»، فخرجوا من عنده وهم يتحادثون في كيفية التصرف، إلا أن الواشي لم يهدأ فاستمر في تأليب الشيخ مبارك عليهم فلما ذهبوا إلى مجلسه مرة ثانية بعد أيام قلائل لم يدخل إلى المكان الذي جلسوا فيه، وأمرهم أن ينتظروه، فأحس شملان بن علي بالخطر، ونظراً إلى مكانته الراسخة في المجتمع لم يخش على نفسه بقدر خشيته على صاحبيه فطلب منهما الانصراف وأن يتركاه وحده مع مبارك، فرفضا، ولما جاء مبارك انهمر عليهم بكلام بالغ الشدة، وكانت نهاية الطريق بالنسبة إليهم فخرجوا وقد تمالأوا على الهجرة من الكويت، لكنهم أظهروا أنهم خارجو ن إلى الغوص فلما ابتعدوا عن سلطان مبارك اتجه هلال وإبراهيم المضف إلى البحرين، واتجه شملان بن علي إلى جزيرة «جنة».

هذه الحادثة تبين ترتيب وأولويات مبارك الصباح لشؤون الحكم، والتي تتصدرها المسألة الحربية دون سواها، وقد اعتبرها الأولوية القصوى منذ بداياته الأولى، حتى قبل أن يتسلم زمام الحكم.

الشيخ عبدالله الجابر: صقر انظلم

في عام 1995 زار الشيخ عبدالله الجابر الصباح ديوان البحر، وكان من عادته أن يستفسر عن الجالسين الذين لا يعرفهم، ومن بين هؤلاء الجلوس كل من صقر غانم صقر الغانم، ويعقوب الجوعان، فلما عرفهما وجه كلامه إلى صقر، قائلاً: «جدك صقر، رجال ظفر، وما عمل شيء يستوجب اللي صار له، ولو إنه يريد يعمل شيء ما قعد ينتظر، عنده الرجال والخيل، ولكنه انظلم الله يرحمه».

وهذه شهادة من رجل معاصر للحدث بل مشارك في العديد من المعارك ومن بينها معركة الأحساء زمن الشيخ مبارك، بقيادة الشيخ سالم، أي أنه كان حاضراً لواقعة اتهام صقر الغانم، ومطلعاً على تفاصيلها، وكلامه ليس كغيره من الدارسين، ما يجعل شهادته ببراءة صقر الغانم عام 1995 إعلاناً شبه رسمي بوجوب رد الاعتبار إليه.

حماية أملاك الكويتيين امتدت إلى جنوب العراق التركي وتولى تنفيذها صقر الغانم فكانت سبباً للاحتكاك مع الشيخ خزعل بن مرداو

الغانم أصدر أوامره بمنع رجال الشيخ خزعل من النزول في الساحل الغربي لشط العرب فقرر الانتقام منه

الكابتن نوكس أكد في برقية أرسلها للمندوب السياسي في أبوشهر أن «الرجل الوحيد الذي وصل إلى علمي أن له تأثيراً على الشيخ مبارك إنما هو الشيخ خزعل»

في كتابه «تاريخ الكويت السياسي» يؤكد حسين خزعل علاقة الشيخ خزعل بتأجيج الخلاف أو افتعاله بين صقر ومبارك

الكولونيل شكسبير أوضح أن يوسف بن سالم البدر حاول إقناع الشيخ مبارك أن صقر لم يشارك أحداً في مؤامرة ضده

برقية الكولونيل شكسبير تؤكد اعتقال بن غانم وبعض أتباعه بتهمة التآمر على حياة الشيخ مبارك في 14/1/1910

الشيخ مبارك أوفد يوسف بن سالم البدر للتحقق من وجود مؤامرة يديرها صقر الغانم ضده فكانت النتيجة: «صقر ما عليه شي»
back to top