تعطيل تربوي

نشر في 17-07-2020
آخر تحديث 17-07-2020 | 00:07
 خالد اسنافي الفالح كل تلميذ عاصر طُرز التعليم في الكويت بعد الغزو، يتفق على أن الأسلوب المتّبع لتلقّي المعرفة هو "الصم والتلقين"، كما يسمّيه حكيم علم الاجتماع الكويتي خلدون النقيب، رحمه الله، في دراسته عن "المشكل التربوي"، وبحسب هذه الدراسة يستهدف هذا الأسلوب إنتاج كوادر تخدم النخب المهيمنة، عبر تعليم التلميذ الطاعة المطلقة، جاعلاً من كل مرحلة دراسية حلقة في سلسلة إنتاج مصنعية، غرضها توفير عمالة تتلقى الأوامر من مرؤوسيها وتنفّذها بلا تشكيك.

هذه العسكرتارية المدنية أنتجت لنا أجيالاً من المعلّمين مروا على السلسلة ذاتها مرتّين: الأولى كمهيَّئين، والثانية كمهيِّئين، مما حوّل المعلّم إلى آلة في هذا المصنع، لا يستطيع القيام بدوره على أكمل وجه، إلّا بالطريقة التي بُرمِج بها، فالتّعليم الملتزم بالضّبط والرّبط سيفشل حتماً، إذا لم توجد أضلاع العملية التعليمية (التلميذ والكتاب والمعلّم) في مكانها المحدد (الفصل الدراسي)! لذلك أكمل العالم كله العام الدراسي رغماً عن أنف الجائحة، إلا هنا، فالجائحة هي التي لا تزال ترغم أنوفنا!

ليس الإشكال في القصور التكنولوجي، ولا في الشح المالي أيضاً، إنّما هو في (البعد) الذي سينسف آلية السيطرة، التي من خلالها وحدها، ينجح أسلوب التلقين في غرس قيمة الطاعة المطلقة، هذا الهدف الذي قضى تعليمنا النظامي زمنه كله لتحقيقه عبر مراحل التعليم الثلاث، وإذا كان تجاوز سنة أخيرة من السيطرة مما لا بأس به، فالبأس كله في أن يبتدئ التلميذ حياته الدراسية "عن بعد" منها!

ليست المعرفة إذاً سوى دعاية تسوّق من خلالها النخب المهيمنة نظام سيطرتها عبر منهجها الخفي المبثوث في اللوائح المنظّمة للسلوك، لتنتج في النهاية مواطنين صالحين متكيّفين مع النّظم والمحدّدات المحيطة مهما بلغت من الرداءة والسوء، مواطنين صالحين يسهل التحكّم فيهم ليكوّنوا حائط صد أمام كل محاولات اختراق تلك النّظم والمحدّدات وتحسينها!

تعمّد القيادات التربوية تعطيل التعليم وتسويقهم لإنهاء العام الدراسي الخديج يعنيان أنهم يفهمون التلقين لا بمعنى تلقيم ذهن التلميذ بمحتويات الدروس، الذي بالإمكان تحقيقه فعلاً في حضور التلميذ افتراضياً أيضاً لا مكانياً فقط، كما هي الحال قبل الوباء، وإنما يعني أن تلك المحددّات التربوية المتكررة سنوياً المسمّاة "نظام السيطرة"، لا يمكن معايشتها خارج هذا المصنع الذي يسمّونه تجاوزاً مدرسة.

back to top