فلاديمير بوتين... بين القوة والضعف!

نشر في 12-07-2020
آخر تحديث 12-07-2020 | 00:00
 ماكلينز يوحي فلاديمير بوتين بأفكار كثيرة (يصفه جون ماكين في مذكراته بـ"الرجل الشرير"، ويتساءل ترامب في إحدى تغريداته: "هل سيصبح صديقي المفضّل الجديد؟")، لكن تتنافس فكرتان بارزتان حول نفوذ الرئيس الروسي ويطرح خصومه كل واحدة منهما مع أنهما متناقضتان: يظن البعض أن "بوتين ضعيف" ويقول آخرون إن "بوتين قوي".

عملياً، يمكن اعتبار بوتين ضعيفاً وقوياً في آن، فلم يسبق أن افتقر الرئيس الروسي للأمان والثقة بقدر ما يفعل اليوم على الأرجح، لقد ضمن للتو سيطرته على السلطة طوال حياته، وبسبب تراجع شعبيته، نظّم استفتاءً لإطالة ولايته الرئاسية ومتابعة حكم البلد إلى أن يصبح في الثمانينيات من عمره، لكنه حاول أن يتمسك بالحكم كزعيم مدى الحياة بسبب ضعفه.

تبدو الفكرة القائلة إن "بوتين ضعيف وغير قوي" مقنعة: خلال عهده، تواجه روسيا مشاكل حادة وواضحة، فمن جهة تكثر الاضطرابات الاقتصادية: تراجعت أسعار النفط، وانخفضت قيمة الروبل الروسي بدرجة كبيرة، وتصاعدت العقوبات المفروضة على البلد، وبدأ الشباب يغادرون، حتى أن كبار السن (قاعدته السياسية) هددوا بالتخلي عنه بسبب اقتراح فاشل لرفع سن التقاعد، ومن جهة أخرى ينفق البلد أموالاً طائلة لدعم الانفصاليين خارج حدوده، لكنه يفتقر إلى المال داخلياً لإبقاء الشعب فوق خط الفقر.

بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية، تبرز أزمات صحية أيضاً، فمن المعروف أن نصف المنشآت الطبية في روسيا يفتقر إلى المياه الساخنة وتراجعت أعداد الأَسِرّة في نصف المستشفيات بين عامي 2000 و2015 وفق صحيفة "وول ستريت جورنال"، كذلك تحتل روسيا المرتبة الثالثة عالمياً من حيث أعداد الإصابات بفيروس "كورونا" (أكثر من 650 ألفا)، وما من أعداد محددة للوفيات بسبب الفيروس وسط الشعب الروسي، لكن كان بوتين يستطيع بذل جهود إضافية لمنع انتشاره، مما يسمح في الوقت نفسه بكبح تراجع الناتج المحلي الإجمالي في روسيا.

قد لا تتّضح نقاط ضعف بوتين بسبب ضعف وسائل الإعلام الروسية، لكن لا مفر من أن يلاحظ الشعب الروسي أنه يواجه بدوره نقاط ضعف لا يمكن تحمّلها في ظل النظام الراهن، ففي السنوات القليلة الماضية، رفع عدد من حلفاء بوتين الصوت ضد سياساته الفاشلة، حتى أن أعضاءً من حزبه ترشّحوا كمستقلين، كذلك تتراجع نِسَب تأييد بوتين اليوم أكثر من أي وقت مضى منذ ثلاثة عقود.

بوتين ضعيف إذاً على مستويات عدة، لكنه قوي لأسباب كثيرة أيضاً، فداخل الحدود الروسية تخضع وسائل الإعلام والمؤسسات في معظمها لسيطرة بوتين الذي حكم روسيا لأطول فترة منذ ستالين، ورغم تراجع شعبيته في الفترة الأخيرة، تبقى نِسَب تأييده عالية مقارنةً بعدد كبير من القادة الغربيين السابقين والحاليين.

خارج الحدود الروسية، قد يبدو البلد أقوى مما هو عليه، فقد أقدمت روسيا على غزو جورجيا وأوكرانيا وتخشى دول الشمال مواجهة المصير نفسه، كذلك غيّرت روسيا مسار حرب أهلية في الشرق الأوسط لمصلحة دكتاتور قتل ملايين الناس من شعبه وعذّبهم وهجّرهم، وتدخلت في الانتخابات الأميركية الرئاسية لمصلحة متحرش جنسي اضطرت شركاته لإعلان إفلاسها في مناسبات متكررة، وأثّرت على الاستفتاء البريطاني بطريقة تضمن تدمير ذلك البلد. هذه التحركات لا تصدر عن رجل ضعيف بل قوي، وتهدف مغامرات بوتين في الخارج إلى استمالة شعبه الذي يشعر بالضعف داخلياً ولن يرغب على الأرجح في تراجع مكانة بلده في العالم أيضاً.

ومن الواضح أن التهديد الذي يطرحه بوتين يخفي الحالة الخطيرة التي يواجهها ويسلّط عليها الضوء في الوقت نفسه، فبعدما أصبح نفوذ بوتين مُهدداً اليوم، بسبب الوباء وتدهور الاقتصاد وخيبة أمل الشعب الروسي، قد تتضاعف قوته عبر خطوات تُحرّكها شجاعة هشة وصفتها الصحافية الروسية الأميركية جوليا إيوف في إحدى المرات بـ"مقاربة بوتين الكلاسيكية والأسلوب الروسي الكلاسيكي". ترتكز هذه المقاربة على إطلاق اعتداءات جريئة لإخفاء الضعف الكامن والرد على مشاعر البغض العميقة والصمود بأي ثمن!

* شانون غورملي

* «ماكلينز»

back to top