مروى عليّ الدين: الفن والحب ليسا إلّا أعمالاً إبداعية

نشر في 09-07-2020
آخر تحديث 09-07-2020 | 00:01
تقدّم الكاتبة المصرية مروى عليّ الدين الكثير من النقاط حول مفهوم الفن، إذ تقول: وما كان الفن والحب إلا أعمالًا إبداعية خالدة في ذهن الطالب والسائل، الساقي والشارب، في أوقات يحتاج الجميع إلى من يُمسك بمقاليد السُلطة، ويكشف عن طبائع وحقائق الأشياء، حتى وإن كانت البداية نظرة مُفردة ويُظهرها ويُثمّنها، ويُسمي الأشياء التي لم تكن قبلًا ذات اسم، ويدفع الناس إلى تحديد موقف منها.

في تاريخ الكتابة وحاضرها، بين الكُتاب والقُراء استجابة يحكمها المعنى، فيخرج الكلام وسيطًا كما البحر يحمل السُفُن، وعلى قدر اجتهاد صاحب الكلام وإشارة حديثه، يكون الكلام حيًا، أو وثنا!

المجال الأدبي

وتضيف: "الوظيفة التي اكتسبها المجال الأدبي؛ كانت وليدة الدراسات العديدة التي اتخذت من الإبداعات الأدبية أداة لرصد القيم المجتمعية، مع أن الكاتب يتكبد عناءً شديدًا إثر محاولاته بتغيير طبيعة التفاعلات الاجتماعية وتنميطها، كي يجعل من أدبياته، واقعًا مشتركًا"!

وتشير إلى أن علماء النفس والاجتماع يفترضون أن الأعمال الأدبية تمتص القارئ وقت التلقي، مع أنها اكتملت بوجوده في مرحلة الكتابة، وهذا الأخير، الذي هو البطل وموضوع التناول في كل مرة، لولاه لما جاوز الكاتب دائرة نفسه نحو المجتمع الذي يحيطه، لكن على الرغم من أن هذا جزء من الحقيقة، فإن الأديب ليس دوره أن يكون مُصلحًا اجتماعيًا أو هاديًا، أو اعتباره صاحب رسالة، والتعامل مع الفن كأداة تُعدِّل الحياة فتقيم صُلبها!

وتابعت: "الفن ينهض من الكمون ويُحلّق في فضاءات غريبة عن الواقع، قد تكون من وحيه، لكنّها تظل إبداعات جائلة غريبة، في سماوات تقذفها فترتد إلينا شُهبًا، وكثرة التحليل وردّ كل عمل إبداعي بالبحث والتدقيق إلى ملفات مُصنفة، ينزع عنه السحر".

وتستطرد في الحديث عن سطاء الفنون، فتقول: "من هنا قد يذهب بنا التفكير إلى "وسطاء الفنون" وتأمّل "قراءاتهم الإبداعية، "ونحترم وجهة النظر، والضوابط التي قد ترفع من قيمة النص الإبداعي، وتُجيز ضمّه إلى قائمة الأعمال التي تستقر في الذاكرة، ويفخر بها التاريخ كنوع من المد الحضاري، نوع من العبقرية الخالدة".

وقد تُغرقنا بعض النصوص في الحيرة، ولغرابة الفكرة، تدفعنا حاجة ردها إلى الواقع بأدوات المنطق، وتطبيق النظريات النقدية وإخضاع غير المفهوم إلى الفهم، وردّ الغامض إلى شجرة المعرفة، لكن قد تذهب هذه الجهود بالنص العبقري إلى مدرسة الجاهزية الإبداعية، وكأنما الذي يخضع لتحيزات التلقي والتقديم قد علا فوق الضبابية، ويسعى بفنه نحو الجدارة والقبول، ولكن كيف تكون الجدارة، وكيف يكون الإبداع القابل للوزن والقياس؟!

يقع وسطاء الفن في خطأ جعل الأديب مجرد انعكاس، وفي هذا إهدار كبير لمكانته الفنية الحقيقية، التي قد تتجاوز المعنى الموضوع وتسير به نحو المعنى الحقيقي! فليس الفن في هذه الحالة أكثر من وسيط، حتى وإن كان الفن هو نفسه؛ المُنزه عن الغرض، سوى الإعلان عن ذاته بوصفه فنًا، لأن الأدب في الحقيقة ليس مساويًا سوى لنفسه.

بيير بورديو

"هل من المشروع أن يُجيز المرء لنفسه عبر تجربة ما لا يُوصف، التي هي بلا شك مُتحدة في طبيعة واحدة بتجربة الحب، أن يجعل من الحب باعتباره استسلامًا، بأن يكون مأخوذا منبهرًا بشكل يُعجزه في التعبير عنه"! هكذا يُرى الفن في نظر بيير بورديو في كتابه قواعد الفن Pierre Bourdiew Les Regles De L'Art فهل من المشروع أن يُرى في التحليل العلمي للفن، ولحب الفن، الشكل الفائق في غطرسة التناول، وتحت غطاء التفسير لن تتردد في تهديد حرية "المُبدع" و"القارئ" وتقييد حريتهما؟

الانصياع والالتزام

في كل مجال توجد القواعد، التي قد تظل غير مرئية، لكنها مُفعّلة، وبقاؤها نوع من الخضوع، خاصة القواعد التي تطلب من المنضمين حديثًا الالتزام بالولاء، وإذا ما راوغوا في القبول والانصياع والالتزام، يُلاحقون بالعار، "ويجد الفنان نفسه في مواجهة عصّية الفهم مع ضوابط المُجتمع، التي تطلب تفهُّم طبيعة القيود، وليس أمام الكاتب إلّا أن يقبل دونما انفصال بين الفن والمجتمع أن يدخل إلى المضمار، ويحافظ على بقائه، حتى اللحظة التي تشمله، وتشمل التحويل الحقيقي الذي دفع به إلى المجال الأدبي.

المجال الأدبي

لن نذهب كثيرًا بالحديث عن الفِرق، وأصحاب السيادة، وكيف ينشأ الصراع بين الذين يحاولون الدخول من أبواب المجال الأدبي، والمتسيدون الذين يحاولون أن يدافعوا عن رأسمالهم الأدبي، بالاحتكار، واستبعاد المنافسة، لأن المنافسة هنا تحمل خطر بذل مجهود أكبر بانضمام عدد إضافي من المنافسين، وبالتالي تصعُب فرص النجاح. وإذا ما حدث نوع من التوافق الظاهري، فإنّ الجانب الآخر من الصراع يكون المؤُسسة الثقافية بالكامل.

لكن دعونا نجعل الغرض من الحديث "القارئ" و"الكاتب" و"الوسيط" و"ورطة تحقيق العدالة"، وإعطاء الساقي حقه، والشارب حقه، والقاضي الذي يفصل بينهما لا بدّ أن يُؤتى حقه بالمثل، طالما تيسر للفن أن يستمر وجدانيا، ويتسرب كما يحلو له ويطرح التساؤلات، التي قد تبدو في أول وهلة غامضة جدًا، أو كثيرة الورود، لكنّها حُمّى الجمال، وهذيان المتلقي، لا يقل في قوته وتدفقه، عن هذيان واسترسال السارد.

شخصية الفن

وفي حديث عن الرقابة، تقول: "تخيل الرقابة التي تلف عنق القارئ قبل الكاتب في استقبال النص، واستعباد أفكاره بالتحيز للجمال المقنن.. الجمال المُقترح، فالجمال المُشكل حسب رغبة طرف ثالث لم يشترك في الفعل أبدًا، لكنه يقف موقف الحارس، والضابط، والمتحيز لوظيفة مُقحمة على شخصية الفن، الذي لم يأت إلى هذا العالم كي يُفسد شأنا، أو يُصلح شأنا، بل جاء الفن كمرأة تعكس ما حولها، وهي في ذاتها تُعرف بالتألق واللمعان!

back to top