معركة تفاح مع إلياس في «الراعي الصالح» انتهت ببراءتي

نشر في 06-07-2020
آخر تحديث 06-07-2020 | 00:05
د. عادل عبدالمغني
د. عادل عبدالمغني
الحديث عن لبنان به ذكريات لا تنتهي، وسوف تكون حلقة اليوم قصة عجيبة حدثت لي عام ١٩٦٢. ففي ذلك العام ألحقني والدي بدير الراعي الصالح للراهبات في حمانا، ويُعدّ هذا الدير بمنزلة مدرسة لتعليم مختلف أنواع العلوم، وكذلك اللغتين الإنكليزية والفرنسية، ويمنح الدير شهادات معترفاً بها لدى العديد من جامعات العالم. وفي الدير حديقة كبيرة جداً بمنزلة مقاطعة مزروعة بشتى أنواع الفاكهة. وفي يوم من الأيام أخذونا - نحن الطلاب والطالبات - لقطف الفاكهة، وتعبئتها بالصناديق، لتعويدنا على العمل الجماعي. وفي هذه الأثناء شاهدت تفاحة تسقط على رأس طالب اسمه إلياس، فضحكت وظنّ أنني الذي رميته بالتفاحة، وأخذ تفاحة أخرى وقذفها بقوة أصابت كتفي بألم شديد، وبادلته الشيء نفسه (واحدة بواحدة). وخلال هذه اللحظة شاهدتني راهبة اسمها جيرمان عيسى، وأنا أحذف التفاحة على إلياس، فلم تتمالك نفسها، وصرخت في وجهي: يا قليل الأدب، اطلع بره!

وأجبت: أنا لستُ قليل الأدب، وإلياس هو الذي ضربني!

قالت: عم تكذب، أنا شفتك بعيني، يلا روح اطلع بره!

ورجعت البيت مكسور الخاطر، وكانت العائلة موجودة في لبنان وقت الصيف. شرحت لوالدي ما حصل، وعن الظلم الذي وقع عليَّ، لكنّ الوالد أشار بالذهاب إلى مديرة الدير، للتحقق في الموضوع، ليعوِّدني على المواجهة دون الاعتماد عليه.

وفي اليوم التالي وقفت عند باب حجرة المديرة، وطرقت الباب بيدي، وإذ بصوت من الداخل: تفضَّل.

دخلتُ بخطى ثابتة، وقلت: أنا اسمي عادل من الكويت، وحصلت أمس مشكلة، وأنا بريء منها.

مديرة الدير الراهبة جورج ميري: كيف تكذب يا عادل؟!

عادل: أقسم بالله العظيم لم أكذب، وديني الإسلام يحرِّم الكذب.

قاطعتني الراهبة ميري: لقد شاهدوك تضرب إلياس بالتفاحة، فكيف تبرّر موقفك؟!

ألهمني الله قوة البيان والتعبير، وشرحت ما حصل بكل التفاصيل.

وقبل أن أنهي كلامي ضغطت ميري على الجرس بقوة، لاستدعاء إلياس، فحضر.

ووقفنا أمامها أنا وهو للمحاكمة.

ميري: أين أصابتك التفاحة يا إلياس؟

أشار إلياس بيده ناحيه رأسه، وقال: هنا.

ميري: حدِّد المكان الذي أصابتك به التفاحة.

أشار إلياس إلى رأسه، واضعاً يده بأعلى قمة الرأس.

ميري: يا إلياس، التفاحة سقطت على رأسك من فوق الشجرة، فلماذا تتهم عادل؟

حمَّر إلياس وجهه، ولم ينطق بكلمة واحدة.

ميري: اعتذر لعادل، وصافِحه.

أكتفي بهذا القدر، وفي المقال المقبل أستكمل بقية القصة. أما الصورة، فهي لدير الراعي الصالح، وتبدو الراهبة جيرمان عيسى، التي طردتني في ذلك الوقت، وأصبحت فيما بعد مديرة للدير، وحظيت بأروع استقبال بعد مرور نصف قرن.

back to top