اختراق بمفاوضات سد النهضة ... ومصر تخشى «المراوغة»

القاهرة والخرطوم تعلنان وقف الإجراءات الأحادية... وأديس أبابا تتمسك بالملء في يوليو

نشر في 28-06-2020
آخر تحديث 28-06-2020 | 00:05
عامل في مسجد صلاح الدين بالقاهرة يفتح البوابات لدخول المصلين لأداء صلاة الفجر في أول أيام إعادة فتح المساجد 	(رويترز)
عامل في مسجد صلاح الدين بالقاهرة يفتح البوابات لدخول المصلين لأداء صلاة الفجر في أول أيام إعادة فتح المساجد (رويترز)
نجح الاتحاد الإفريقي في جمع مصر والسودان وإثيوبيا على طاولة التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق ملزم ونهائي بين الأطراف الثلاثة خلال أسبوعين بشأن سد النهضة، فيما تخشى القاهرة من «مراوغات إثيوبية» لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع مع تمسك رئيس وزرائها آبي أحمد ببدء ملء بحيرة السد خلال أسبوعين.
لاح بصيص من الأمل لحل أزمة سد النهضة الإثيوبي، بعدما نجح الاتحاد الإفريقي، في إقناع مصر والسودان وإثيوبيا بالعودة إلى طاولة التفاوض والتوصل إلى اتفاق ملزم ونهائي بين الأطراف الثلاثة، خلال أسبوعين، لكن المخاوف لا تزال قائمة من إمكانية تراجع أديس أبابا عن التزاماتها، بعد خروج تصريحات من كبار المسؤولين تلوح بالاستمرار في الإجراءات الأحادية والبدء بملء بحيرة السد الضخم.

وبينما يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة غداً لمناقشة ملف السد، شارك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزراء السودان عبدالله حمدوك، ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، مساء أمس الأول، في قمة مصغرة لرؤساء الدول الأعضاء بهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الإفريقي عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، لمناقشة قضية «النهضة»، برئاسة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا سيرسل رامافوزا، الرئيس الحالي للاتحاد، ومشاركة رؤساء كينيا ومالي والكونغو الديمقراطية.

وقالت مصر والسودان، في بيانين منفصلين عقب الاجتماع، إنه تم التوافق على تشكيل لجنة حكومية من الخبراء القانونيين والفنيين من الدول الثلاث، إلى جانب الدول الإفريقية الأعضاء بهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الإفريقي، وممثلي الجهات الدولية المراقبة للعملية التفاوضية، بهدف الانتهاء من بلورة اتفاق قانوني نهائي ملزم لجميع الأطراف بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد.

الرئاسة المصرية شددت على أنه تم التوافق على «الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية، بما في ذلك ملء بحيرة السد، قبل التوصل إلى هذا الاتفاق، وإرسال خطاب بهذا المضمون إلى مجلس الأمن باعتباره جهة الاختصاص لأخذه في الاعتبار عند انعقاد جلسته لمناقشة قضية سد النهضة».

وأكد السيسي، في كلمته خلال القمة، أن «مصر منفتحة برغبة صادقة في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن، على نحو يمكن إثيوبيا من تحقيق التنمية الاقتصادية، أخذاً في الاعتبار مصالح دولتي المصب مصر والسودان، وعدم إحداث ضرر لحقوقهما المائية، ومن ثم يتعين بكل عزيمة مشتركة التوصل إلى اتفاق بشأن المسائل العالقة وأهمها القواعد الحاكمة لملء وتشغيل السد».

في موازاة ذلك، أعلن رئيس وزراء السودان عبدالله حمدوك، التوصل إلى اتفاق خلال القمة الإفريقية المصغرة على ضرورة الوصول إلى اتفاق يحفظ مصالح الدول الثلاث، ولتحقيق ذلك تم الاتفاق على بدء مفاوضات السد على مستوى اللجان الفنية فوراً بهدف الوصول إلى اتفاق في غضون أسبوعين. وشدد على أنه «تم الاتفاق على أن يتم تأجيل ملء خزان النهضة إلى ما بعد التوقيع على الاتفاق».

موقف مغاير

الجانب الإثيوبي كان أكثر حذراً، إذ اكتفى رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، بالقول عبر «تويتر» إن الاجتماع كان مثمراً، وقال إن «المنظومة القارية التي تشمل كل قارة إفريقيا، هي المساحة المناسبة للحوار، حول القضايا ذات الأهمية»، بينما قال وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي، عبر «تويتر»: «تم التوصل إلى توافق لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سد النهضة الإثيوبي الكبير في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع».

حديث كبار المسؤولين الإثيوبيين لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى مسألة وقف ملء بحيرة السد المعلن لحين التوصل إلى اتفاق، بل ان تصريحات الإثيوبيين العائمة، مساء أمس الأول، بدت أكثر وضوحاً أمس، إذ أعلنت رئاسة الوزراء الإثيوبية تمسكها ببدء ملء بحيرة السد خلال أسبوعين، في الفترة التي سيتم خلالها استكمال أعمال البناء، بما يعد مخالفة صريحة لما أعلنته كل من القاهرة والخرطوم.

وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية أكدت على المعنى نفسه، بعدما كشفت أمس، بدء أديس أبابا في تطهير الغابات في منطقة السد، «كجزء من الجهود المبذولة لبدء الملء».

فشل سابق

وسبق أن أدى التعنت الإثيوبي إلى فشل المفاوضات المستمرة على مدار ما يقارب عقد كامل، إذ فشلت جولات التفاوض المختلفة بسبب المراوغة الإثيوبية، إذ انسحبت من مفاوضات رعتها الولايات المتحدة ورفضت التوقيع على اتفاقية نهائية في فبراير الماضي، كما رفضت كل المطالب المصرية والسودانية في جولة التفاوض الأخيرة التي أجريت مطلع الشهر، وطالبت بالتوقيع على اتفاقية غير ملزمة تمكنها من تحديد مصير النيل الأزرق بصفة منفردة.

استهلاك محلي

في هذه الأثناء، رأى خبراء مياه مصريون أن أديس أبابا تراوغ، وقال خبير الدراسات الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية هاني رسلان، إن الحكومة الإثيوبية تتجمل أمام الشعب الإثيوبي، إذ قدمت صيغة من الاتفاق تبدو من حيث الشكل وكأنها لم تقدم أي تنازلات أو تراجعت فعليا أمام الموقف المصري السوداني.

بدوره قال خبير المياه الدولي عباس شراقي لـ«الجريدة»: «من الواضح أن حكومة آبي أحمد تواصل انتهاج سياسة ترويج خطابين، الأول للخارج والثاني للداخل الإثيوبي، وهي تتلاعب بالألفاظ، فالحديث عن الملء بعد أسبوعين، يعني أنها تتوقع انتهاء الاتفاق النهائي خلال الأسبوعين».

وتابع شراقي: «علينا متابعة الجانب الإثيوبي بدقة ومتابعة تحركاته، فأديس أبابا أدمنت المراوغة والتراجع عن تعهداتها السابقة في جميع مراحل التفاوض على مدار السنوات الماضية، وللأسف حولت الحكومة الإثيوبية ملف سد النهضة إلى ورقة انتخابية واعتمدت فيه لهجة شعبوية لحشد الإثيوبيين خلفها في مواجهة مصر التي تم تشويهها وتشويه مطالبها العادلة».

وشدد شراقي على أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في بيان حقيقة الموقف الإثيوبي، وتابع: «لا أعتقد أنها ستخالف ما تم الاتفاق عليه وأعلنه الجانب المصري والسوداني بشكل رسمي، فالأفضل للجميع أن يتم الاتفاق خلال الأسابيع المقبلة، وسيكون لدى إثيوبيا الفرصة لملء خمسة مليارات متر مكعب في أي وقت حتى انتهاء موسم الأمطار في أكتوبر المقبل، دون تعريض المنطقة لأزمة لا لزوم لها».

مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة لمناقشة أزمة ملف السد الإثيوبي غداً
back to top