سُبل عملية لمنع نشوب حرب في آسيا

نشر في 26-06-2020
آخر تحديث 26-06-2020 | 00:00
دور محوري للقوات الأميركية في ضمان أمن آسيا
دور محوري للقوات الأميركية في ضمان أمن آسيا
وسط الشك في وضع عالم ما بعد انتشار وباء كورونا المستجد ثمة حقيقة واحدة شبه مؤكدة، وهي أن التوترات بين الولايات المتحدة والصين ستكون أكثر حدة مما كانت عليه قبل تفشي الوباء، وتشكل المنافسة الجديدة بين الولايات المتحدة والصين طائفة من التحديات بالنسبة الى صناع السياسة- وهي تتصل بالتجارة والجوانب الاقتصادية والتقنية والنفوذ العالمي وغير ذلك الكثير- ولكن لا شيء يضاهي قضية خفض خطر اندلاع حرب بين الدولتين، ولسوء الحظ ونتيجة للمزيج الفريد الخطر من تعاظم القوة العسكرية الصينية وتراجع قوة الردع الأميركية أصبح ذلك الخطر أشد قوة مما كان عليه قبل عقود من الزمن وهو يزداد مع مرور الوقت.

ومن المؤكد عدم وجود رغبة لدى واشنطن وبكين للدخول في نزاع عسكري بينهما، كما أن الرئيس الصيني شي جين بينغ والأميركي دونالد ترامب يفهم من دون شك أن الحرب ستكون كارثية ومدمرة، وعلى الرغم من ذلك يمكن انجراف البلدين بسهولة الى حرب تنجم عن سوء تقدير من جانب الصين لرغبة أو قدرة الولايات المتحدة على الرد على الاستفزازات في مناطق نزاع مثل بحر الصين الجنوبي أو الاعتداء السافر على تايوان أو على شركاء آخرين للولايات المتحدة في ذلك الجزء من العالم.

وتجدر الإشارة إلى أن الجيش الصيني كان يزداد قوة وقدرة وثقة خلال العقدين الماضيين، كما أن الصين برزت أيضاً على شكل منافس حقيقي في عدد من ميادين التقنية التي ستفضي في نهاية المطاف الى تقدم عسكري، وفي الوقت نفسه، شهدت الثقة في قوة الردع الأميركية تراجعاً وقد وفرت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 صورة لتراجع القدرات الأميركية وتفوقاً للصين تعزز بقوة من خلال الاعتقاد بتراجع دور الولايات المتحدة على المسرح الدولي إضافة الى ضعف إدارتها لأزمة وباء كورونا والغليان الذي تشهده المدن الأميركية المختلفة بسبب العنصرية المنهجية.

التراجع الأميركي

والأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة لم تلتزم بوعدها حول ضمان الصفة "المحورية" لآسيا، وتظل مستويات القوة العسكرية الأميركية في تلك المنطقة من دون تغيير عما كانت عليه قبل عقد من الزمن، وقد انسحبت الإدارة الأميركية الحالية من اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ، والتي أجرت الإدارة السابقة مفاوضات حولها، وتظل المناصب الدبلوماسية الرفيعة في تلك المنطقة شاغرة، كما أن تمثيل الولايات المتحدة في المنتديات الدبلوماسية الرئيسة كان ضعيفاً أو غائباً بصورة تامة، ولم يصدر رد أميركي على مبادرة الحزام والطريق التي طرحتها بكين إضافة إلى أن الأنشطة الصينية في "المنطقة الرمادية" في بحر الصين الجنوبي ظلت أيضاً من دون رد أميركي باستثناء التطرق الى حرية الملاحة هناك.

ويطرح ذلك كله مشكلة بالنسبة الى الردع، كما يعبر قادة الصين عن ازدياد الثقة في قدراتهم والشك في قدرات وعزيمة الولايات المتحدة، وهو ما يثير درجة أكبر من سوء الحسابات الذي قد يفضي الى نزاع مباشر بين الدولتين النوويتين، ومع ازدياد التوتر ومظاهر ثقة قادة الصين في قواتهم في المنطقة ستتطلب استعادة الثقة بقوة الردع الأميركية تنسيقاً محدداً من أجل تقليص خطر حرب لا تريدها الدولتان.

تطورات خطيرة

وتتمثل صورة الخطر اليوم في عدم قدرة الولايات المتحدة على احتواء الخطوات والتحركات الصينية التي قد تسفر عن قرار بالمغامرة من جانب قادة بكين، وربما ينهار الردع نتيجة سوء تقدير استراتيجي أو تكتيكي وقد ينطوي سوء التقدير الاستراتيجي على اختيار قادة الصين لقرار بحصار أو مهاجمة تايوان في ضوء الاعتقاد القوي بتراجع القوة الأميركية.

استعادة إمكانية الردع

ستتطلب استعادة إمكانية الردع من جانب الولايات المتحدة قدرة على منع الجيش الصيني من تحقيق أي نجاح عسكري أو تعريضه لخسائر فادحة تشعر قادة بكين بأن مثل تلك الخطوة ليست في مصلحتهم، وأن يقتنع الرئيس الصيني وفريقه بأن الولايات المتحدة تملك القدرة والعزيمة على مواجهة أي تهديد من جانبهم.

وفي وسع الولايات المتحدة تطوير مثل تلك الأساليب في الردع عن طريق استخدام القدرات الحالية بطرق جديدة، وعلى الرغم من ذلك فإن قدرات وإمكانات جديدة تعتبر ضرورية أيضاً وخصوصا مع تراجع الجهود الراهنة لوزارة الدفاع الأميركية.

من جهة أخرى سيكون الجيش الأميركي في حاجة الى تكييف وضعه في الخارج، في حين يعمل على دعم قدرات الشركاء والحلفاء، ويتعين في الوقت نفسه توقع قيام الصين بمحاولة لعرقلة وتشتيت قدرة الولايات المتحدة على تعزيز القوات الأمامية في بداية النزاع وفي كل الميادين الجوية والبحرية والفضائية والسبرانية، ويتعين على القوات والقواعد والشبكات اللوجيستية الأميركية من هذا المنطلق أن تكون أكثر مرونة وقدرة على الصمود والبقاء، وسيتطلب تحقيق هذه الغاية استثمارات أوسع في الدفاعات السبرانية والصاروخية والمزيد من انتشار القواعد والقوات والشبكات المرنة التي تستطيع الاستمرار في العمل خلال التعرض للهجوم.

تعزيز قدرات البنتاغون

ستكون وزارة الدفاع الأميركية في حاجة الى تنفيذ سلسلة من عمليات الاستحواذ والاستثمار واصلاحات تطوير قوة العمل، ويتعين على مسؤولي الاستحواذ التدرب على أفضل الممارسات من أجل الحصول على البرامج والتقنيات الجديدة، كما يجب توفير مزيد من التمويل من أجل تحويل النماذج الأولية الناجحة الى برامج ناجحة. وبغية تعزيز قوتها الفنية العاملة يتعين على البنتاغون العمل مع الكونغرس لتوسيع البرامج التي تعرض بعثات أو تخفيف ديون على الطلاب في طائفة واسعة من الحقول الفنية، وذلك في مقابل الخدمات الحكومية، إضافة الى توظيف المواهب المتوسطة والعالية.

وأخيراً، يتعين على مسؤولي وزارة الدفاع تسريع الجهود الرامية الى تطوير أفكار عملياتية جديدة وطرق حديثة للقتال بغية توضيح النوعية الأفضل لهذه الغاية، وتوجد جهود الآن لتطوير واختبار عمليات "مشتركة" قابلة للتطبيق في مختلف صنوف القوات العسكرية والأفكار العملياتية التي تهدف إلى إحباط خطط العدو في طرق متعددة، وتحديد التقنيات اللازمة لتحقيق هذا الهدف سيكون أساسياً، إضافة الى ضرورة ضمان التمويل من الكونغرس.

عندما تتوافر الإرادة

لا يعتمد الردع الفعال على اعتقاد قادة الصين فقط في أن لدى الولايات المتحدة القدرات لدحر أي عمل عدواني، إذ يتعين عليهم أن يعتقدوا أيضاً بوجود الإرادة لدى واشنطن لعمل ذلك، واليوم تشعر بكين بشكوك إزاء هذين الجانبين.

وبناء على ذلك، ومع الاستثمارات في القدرات العسكرية ستكون واشنطن في حاجة الى توضيح التزاماتها نحو منطقة الهند-المحيط الهادئ، وإظهار ذلك بصورة مستمرة. وذلك يعني نشر مزيد من كبار المسؤولين والقوات العسكرية الإضافية في تلك المنطقة وتأكيد حضورها الدائم وتقوية علاقاتها ومواجهة نفوذ الصين وإجراء مزيد من المناورات العسكرية مع الحلفاء والشركاء.

وتجدر الإشارة إلى أن المنافسة مع الصين ستتجاوز في نهاية المطاف الميادين العسكرية، حيث لا يمكن تجاهل تقدمها في الحقول الاقتصادية والتقنية والسياسية والعقائدية، ولعل الشيء الأكثر أهمية والذي تستطيع الولايات المتحدة القيام به يتمثل في الاستثمارات التنافسية الداخلية، وخصوصا بعد خروجها من تداعيات الأزمة الراهنة، وقد حان الوقت للاستثمار في كل شيء من التعليم العالي وحتى التقنية الرفيعة وميادين البنية التحتية في القرن الحادي والعشرين مثل 5 جي، إضافة الى استعادة سياسة هجرة بارعة والترحيب بالمواهب الخارجية التي لا تشكل أي خطر على الأمن القومي وتشجيعها على البقاء وبناء مشاريع مبتكرة في الولايات المتحدة.

ويتعين على واشنطن استخدام ميزتها الفريدة في وجود شبكة لا مثيل لها من الحلفاء والشركاء حول العالم، والطريقة الأفضل من أجل مواجهة التحديات التي تطرحها الصين تكمن في خلق قضية مشتركة مع الحلفاء والشركاء والتصدي للانتهاكات التي تستهدف النظام العالمي، ومن ثم طرح تقييم واضح حول ما تستطيع كل دولة القيام به من أجل ضمان استقرار المنطقة وردع السلوك العدواني المتزايد، وهذا يتطلب أيضاً تطمين الحلفاء عبر الأقوال والأفعال بأن في وسعهم الاعتماد على الولايات المتحدة في نزاعهم مع بكين والدفاع عنهم عند الضرورة ضد أي إكراه أو هجوم علني.

توضيح الموقف الأميركي

ويتعين على الولايات المتحدة أن توضح لدول المنطقة التباين الصارخ بين ما تطرحه بكين من قوانين دولية وبين ما تتمتع به تلك الدول حتى الآن من قوانين وخصوصا ما يتعلق منها بحرية الملاحة والحلول السلمية للنزاعات.

وفي الختام وحتى مع تعزيز الولايات المتحدة لقدراتها على التصدي للصين يتعين على واشنطن أيضاً إعادة فتح حوار استراتيجي مع بكين على غرار ما قام به ريتشارد نيكسون وإقامة منتدى صيني– أميركي لمناقشة القضايا المتعلقة بالتعاون المشترك.

• ميشيل فلورنوي

من المؤكد عدم وجود رغبة لدى واشنطن وبكين في دخول نزاع عسكري بينهما
back to top