تطورات داخلية ترسم صورة الرئيس الأميركي المقبل

نشر في 26-06-2020
آخر تحديث 26-06-2020 | 00:00
جو بايدن - دونالد ترامب - مايك بومبيو
جو بايدن - دونالد ترامب - مايك بومبيو
تبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية خمسة أشهر فقط لكنها تبدو فترة طويلة جداً في منظور السياسة الداخلية هناك، حيث يمكن حدوث أي شيء من دون مقدمات، ولكن استطلاعات الرأي تشير بازدياد الى أن رئاسة دونالد ترامب التي بدت أبدية بالنسبة الى الكثيرين قد تكون في طريقها الى نهاية مهينة ومؤلمة.

وإذا خسر ترامب فرصته في سباق الرئاسة فإن الرئيس الأميركي الجديد سيواجه هدفاً صعباً ومروعاً، وستكون الولايات المتحدة في حاجة الى العودة الى التقيد بقيمها وبحكم القانون وبدورها الحيوي الذي أدته في الماضي على المسرح الدولي كمنارة للأمل والأمن والقيادة.

وسيكون ذلك الطريق طويلاً وصعباً، وعندما يغادر ترامب البيت الأبيض سيكون قد حرم بلاده من الأصدقاء والمعجبين في الخارج مع انتشار الشوائب والندبات والهفوات في كل الجبهات الداخلية والخارجية، وقد تمزقت مؤسسات الحوكمة داخل الولايات المتحدة كما تم تسريح الكثير من العمال الأكفاء الذين يؤكدون عدم رغبتهم في العودة الى وظائف حكومية، وإذا فاز المرشح المنافس جو بايدن فسيتعين عليه إلهام جيل جديد من المواطنين الأميركيين للتوجه نحو مهمة جديدة تتمثل باستعادة حكم القانون والدفاع عن الفكرة القائلة إن الحكومة تعمل لمصلحة الشعب.

وبعيداً عن تلك الدعوات الواضحة ستواجه الإدارة الأميركية الجديدة هدفاً شاقاً يتمثل بإعادة الثقة في الخدمات العامة انطلاقاً من عمل المفتشين العامين ووصولاً الى أولئك الذين تكمن مساءلتهم عبر الدستور وللقسم الذي قاموا بتأديته، لا الى شخص الرئيس إضافة الى استعادة ثقة الدول الخارجية بدور الولايات المتحدة على الصعيد الخارجي وهي المنقسمة في الداخل بمنتهى الجلاء.

إنهاء رحلة التردي

كانت رئاسة ترامب مدمرة الى حد كبير بالنسبة الى مقاييس التميز والخبرة في الخدمات الحكومية، وخصوصاً في ما يتعلق بتعيين الموالين للرئيس بأعداد تفوق المعتاد، وفي السنوات الأخيرة برزت تلك الظاهرة بجلاء تام ولم تكن مفاجئة من جانب إدارة رئيس يشير الى خدمات المهن باسم "الدولة العميقة".

ويتضح هذا المسار بشكل خاص في تعيين السفراء حيث يتعين ألا يكون امتحان الخدمة الخارجية المؤهل الوحيد للمنصب، وقد تتحقق مصالح البلاد من جانب أشخاص في ميادين أخرى غير السلك الدبلوماسي، ولكن الميل المتزايد لربط تعيين السفراء بمساهماتهم في الحملات الانتخابية أو بالنفوذ السياسي يبدد قيمة تلك المناصب والسفراء معاً، ولا توجد دولة أخرى في العالم تعمل على تعيين سفراء اعتماداً على مساهماتهم في الحملات كما هي الحال في الولايات المتحدة في الوقت الراهن، ويمكن للمرء أن يتخيل الوصول الى يوم يتم فيه الإعلان عن وظيفة سفير في الصحف لقاء ثمن محدد، ومن هذا المنطلق يتعين على الإدارة المقبلة أن تستعرض بدقة تامة السجلات المتعلقة بالمرشحين لمنصب سفير يقوم بدور عين الولايات المتحدة وأذنها في الخارج، مع التركيز على الجانب المتعلق بالمؤهلات.

المسار العملي الصحيح

ألحقت إدارة الرئيس ترامب الضرر بالسياسة الخارجية الأميركية ليس في طريقة تعيينها في ذلك الحقل فقط، بل من خلال العمل أيضاً حول دور الولايات المتحدة في العالم الذي كان يعرف بالتشدد، ومن أجل تصحيح ذلك المسار يتعين على الإدارة الأميركية الجديدة العودة الى االمسائل الأساسية المتعلقة بالاستراتيجية الأميركية الواسعة قبل أن تعالج مثل تلك الأمور المرتبطة بأولوياتها في مناطق معينة، أو قضايا خارجية، وتجدر الإشارة الى أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب تجوب العالم بمفردها ومن دون بوصلة أخلاقية ولا حلفاء يرافقونها في رحلتها نحو مصير مجهول.

ومن هذا المنطلق يتعين على الإدارة الأميركية الجديدة السعي الى تحسين ازدهار الولايات المتحدة وأمنها، وذلك من خلال العمل مع أصدقاء من ذوي العقلية المماثلة والشركاء وحتى شريحة المنافسين الذين يحترمون النظام العالمي الذي ساعدت الولايات المتحدة في بنائه.

السياسة الأحادية

مشكلة الأحادية الأميركية كانت موجودة قبل وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، وقد أسهم انهيار الاتحاد السوفياتي وبروز الولايات المتحدة في صورة القوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم في خلق الشعور بالانتصار والميل نحو المضي بعيداً في جهود قيام عالم ضمن التصور الأميركي. وأعقب ذلك تبديد الولايات المتحدة بشكل سريع لاحتياطيها من حسن النية حول العالم عبر تحديد مواقفها المتباينة من الحوكمة الديمقراطية متجاهلة الى حد كبير التاريخ المحلي، ومضت واشنطن الى حد إصدار تقارير حول دول أخرى مع تحديد درجات الإذعان كما لو أنها في مدرسة ابتدائية، ومما لا شك فيه أن الضغط لفرض تلك الأولويات ساعد الولايات المتحدة في تعزيز الاحترام الدولي لميثاق حقوق الانسان وجوانب أخرى من القانون الإنساني، ولكنها دفعت ثمن ذلك التطور عبر علاقاتها مع دول كانت تعتبر الأسلوب الأميركي عملية ترهيب واضحة.

واليوم يوجد عدد متزايد من الدول التي يتراجع دعمها للقوانين الدولية، وهو جانب يتعين على واشنطن معالجته من خلال العمل مع الآخرين أو بمفردها اذا دعت الضرورة، وسيتسم ذلك العمل بالتعقيد الناجم عن اعتبار الولايات المتحدة لنفسها مثل واحدة من الدول الرئيسة التي يجب أن تتعرض لاصلاح. ويتعين على الولايات المتحدة أن تعزز مؤسساتها الداخلية إذا أرادت أن تقدم نموذجاً إيجابياً الى الدول الأخرى المتطلعة الى قوانين ديمقراطية، والأكثر من ذلك هو أن على الإدارة الأميركية الجديدة معالجة الأضرار التي ألحقتها إدارة ترامب بسبب تحسين علاقاتها مع الأنظمة الدكتاتورية بدلاً من الأنظمة الديمقراطية، وتبدو علاقات واشنطن اليوم مع كوريا الشمالية أفضل من علاقاتها مع كوريا الجنوبية، كما أن الولايات المتحدة لا تستطيع تفادي الاشتراك مع دول لا تتشاطر القيم الأميركية، ولكن يجب ألا يكون هناك مجال للشك في تحديد من تعتبرهم واشنطن أصدقاء وحلفاء.

استعادة الثقة

وتتحدث إدارة الرئيس ترامب عن أنها ورثت مجتمعاً يتهيب الحرب وقد تملكه التعب من السياسة الخارجية القائمة على التسلح، وتبدو وكأنها تفرض على الولايات المتحدة طرح التزامات لا نهاية لها، وتتسم بالغموض العسير على التفسير، وقد حرص الرئيس ترامب على الابتعاد عن نشر قوات عسكرية أميركية نتيجة هذه المواقف، ولكنه أظهر عجزاً دائماً في الاختيار الحكيم بين أدوت الضغط العسكرية والدبلوماسية، وكان يهدد في أغلب الأحيان باللجوء الى سلاح القوة فيما يقلص المسار الدبلوماسي بحيث يقتصر على المقابلات التلفزيونية- كما هي الحال مع كوريا الشمالية- أو عدم القيام بأي عمل كما كان تصرفه مع إيران، ومن المعروف أن العمل الحربي والدبلوماسي هما ضمن الوسائل الخطرة التي تهدف الى تحقيق غايات خطرة ومن ثم يتعين توضيح تلك الوسائل بحذر الى الشعب الأميركي، وألا يتم ذلك عن طريق تغريدات فقط.

ولعل أكثر ما يثير القلق هو أن الرئيس وبمساعدة من وزير خارجيته مايك بومبيو جعل الولايات المتحدة غير مؤهلة الى حد كبير لتقرير المناخ الدولي لدعم مصالحها، وقام بذلك عن طريق الانسحاب من الاتفاقيات الدولية والجهود المتعددة الأطراف الرامية الى تحقيق تلك الغاية من دون توضيح كيف يمكن لتلك الخطوات أن تجعل الولايات المتحدة أكثر أمناً، وقد أسفر تقليص المساعدات الخارجية بصورة جذرية الى بعض الدول في بعض الحالات عن خروج الولايات المتحدة من الصورة بشكل تام، وخلال الأزمة الليبية في عام 2013 طرح المتحدث باسم الرئيس باراك أوباما جملة تتحدث عن "القيادة من الخلف" واليوم يعرب ترامب وبومبيو عن اعتراضهما على أي اشارة الى "القيادة".

الرأي العام

وتجدر الإشارة الى أن الرأي العام الأميركي كان يشعر بقدر من الشك إزاء الحوكمة العالمية والوكالات المتعددة الجنسيات التي ساعدت الولايات المتحدة في تأسيسها، وعلى الرغم من ذلك يتعين على واشنطن إذا أرادت استعادة النفوذ الأميركي العالمي أن يتبنى الرئيس الجديد تلك المؤسسات، وأن يشرح بجلاء الى الرأي العام في بلاده كيف تخدم تلك المؤسسات المصالح الأميركية، وبمجرد أن يطرح الرئيس الجديد رؤيته الشاملة لدور الولايات المتحدة في العالم يتعين على السفراء الأميركيين أن يوضحوا الى الأصدقاء والأعداء معاً رسالته، وما الذي يمكن توقعه من واشنطن بعد الآن.

وكما قال جو بايدن في أكثر من مناسبة فإن الولايات المتحدة دولة مرنة ويعتبر الوقت الراهن الفترة الأجدر باختبار ذلك الوصف، ولكن ونستون تشرشل قال ذات مرة إن الولايات المتحدة تفعل الشيء الصحيح دائماً بعد أن تستهلك كل الإمكانات الأخرى.

• كريستوفر هيل

إذا خسر ترامب فرصته في سباق الرئاسة فسيواجه الرئيس الجديد هدفاً صعباً ومروعاً
back to top