المستشار عادل الطبطبائي: أؤيد «مخاصمة القضاء»... وأصبت بصدمة من القانون المقّر وبه شبهتان بعدم الدستورية

• لجنة الدستور للمراجعة لا لتعديله وقلنا اجعلونا ندرس وسبق أن رفضت 23 تعديلاً للدستور عام 1981
• هل توقع أحد أن يعفي المجلس أمير الكويت؟ والكل لجأ إلى الشرعية الدستورية

نشر في 26-06-2020
آخر تحديث 26-06-2020 | 00:09
فاجأنا الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد أنا وعثمان عبدالملك بقوله «أنا وين أروح من ربي يوم القيامة إذا سألني عن فلان أعدمته وهو بريء؟»

• أبلغت سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد فور تعييني مستشاراً بالديوان الأميري بالقواعد التي وضعها الشيخ جابر للتصديق على أحكام الإعدام فوافق

• المادة الرابعة من الدستور تثير سؤالين الأول في حال رفض المجلس أياً من المرشحين الثلاثة لولاية العهد والثاني إذا لم يحصل أحدهم على أغلبية المجلس فماذا سنفعل إلا تعديل الدستور وعندئذ تكون الكلفة عالية وقد يحصل انشقاق في المجتمع والأسرة

أكد الخبير الدستوري عميد كلية الحقوق السابق المستشار القانوني في الديوان الأميري د. عادل الطبطبائي، تأييده لصدور قانون لمخاصمة القضاء لكنه أعلن في المقابل أن القانون الذي أصدره مجلس الأمة الأربعاء الماضي يتضمن شبهتين دستوريتين، وأن المواد الثماني الواردة في القانون عليها ملاحظات قانونية، لافتاً إلى أنه يوجد بالقانون مشاكل عملية، ويشل عمل النيابة العامة. وأضاف المستشار الطبطبائي لمنصة أركان الالكترونية: «تأخرنا في تكويت القضاء، ولكن علينا تهيئة خطواته العلمية والعملية»، لافتاً إلى أنه يؤيد مراجعة أحكام الدستور، خصوصاً أن هناك مواد تثير تساؤلات مهمة جداً عند ترشيح منصب ولاية العهد. وأوضح أن كلفة التعديل في الأوضاع العادية أفضل من التعديل عند مواجهة الحل والذي قد يكون لمصلحة طرف، وقد يحدث انشقاقاً في المجتمع والأسرة، لافتاً إلى أنه لم يتوقع أحد أن يعفي المجلس أميراً للكويت، وتم اللجوء إلى الشرعية الدستورية. وفيما يلي نص اللقاء:

* ما قصة تنفيذ أحكام عقوبة الإعدام مع سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد؟

- فوجئت باتصال ما بين عامَي 1983 و1984 من مدير إدارة الدراسات والبحوث في الديوان الأميري بذلك الوقت، د. سالم الطحيح، وأبلغني بأن سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد يرغب في مقابلتي الآن بقصر بيان، وأثناء الخروج وردني اتصال آخر من زميلي وأخي د. عثمان عبدالملك، رحمة الله عليه، حيث سألني؛ هل ورد لك اتصال من أحد؟ فكان ردّي أن د. سالم الطحيح اتصل بي، وأبلغني بأن سمو الأمير يرغب في مقابلتي، وأخبرني د. عثمان بأنه هو الآخر تلقى اتصالا من د. سالم الطحيح، وطلب مقابلة الأمير، فسألني د. عثمان عبدالملك عن رأيي، فقلت له لابد أن نذهب، الأمير يطلبنا، فطلب مني أن نذهب معاً.

وبالفعل ذهبتُ ود. عثمان إلى قصر بيان، وكان في استقبالنا د. سالم الطحيح، ودخلنا على الأمير، ولم يكن كعادته، ولاحظت صوته متجهما، وليس بالوجه المعروف عن الشيخ جابر، لم يكن جالسا على مكتبه، وسحب كرسيا وجلس بجانبنا، وسادت فترة صمت تجاوزت 7 دقائق، ثم تكلم وقال: "شايفين الملفات اللي على مكتبي؟"، فقلنا له: "طويل العُمر، كثيرة الملفات"، فقال: "لا الملفات الحمراء. هذه ملفات التصديق على أحكام الإعدام"، وقال: "راح أتكلم معاكم بمنتهى الصراحة. أنا وين أروح من ربي يوم القيامة إذا سألني فلان أعدمته وهو بريء، شيلوا عني هذا الاختصاص مابيه مابيه مابيه".

حقيقة كانت صدمة، واستوعبنا الموقف بصعوبة، وقال بصوت متهدج: "أنا كلفت الفتوى والتشريع وما عطوني حل، واستدعيت خبراء من مصر وما عطوني حل، أرجوكم خلصوني من هذه المصيبة، وخلوني أقابل ربي وأنا مرتاح".

الموقف كان صعبا، وقال: "لكم أسبوع فقط". شكرناه على الثقة، واستأذناه، وخرجنا، ونحن لا نعرف، فرئيس الدولة وأميرك يكلفك بمهمة وأنت تعرف أنها مغلقة الأبواب وقضية دستورية ونص وارد بالدستور، ولا يمكنك أن تتجاوز الدستور.

جلستُ ود. عثمان عبدالملك في الكُلية، وقال لي لنراجع دساتير العالم، وأخذ هو مجموعة من الدساتير، وأنا مجموعة أخرى، وراجعنا 80 دستورا، وجميع هذه الدساتير تعطي حق الإعدام إلى رئيس الدولة، عدا دستورين، هما: دستور فرنسا عام 1946، ويجعل الإعدام بناءً على اقتراح من مجلس القضاء، ودستور الاتحاد السوفيتي عام 1917، وله حق التصديق، ومرَّ الأسبوع الأول، واتصل بنا د. سالم، لكننا لم نكن قد فعلنا شيئا، وكذلك الأسبوع الثاني، لأننا في مرحلة البحث، فالأمر صعب، ولم يمر علينا موضوع صعب كهذا، فالقضية تتعلق بموضوع جديد، وخلق حالة غير موجودة.

فكرنا بطريقة أخرى، وبدأنا نبحث عن كيفية صدور أحكام الإعدام في الكويت، لنعرف الموضوع من بداية السلم، وبدأنا ندرس قانون الجزاء وقانون الإجراءات الجزائية، وإذا بنا نُصدم بالمادة 174 من قانون الإجراءات، التي تحدد طريقة إصدار الأحكام، واقترحنا ألا ينفذ حُكم الإعدام، إلا إذا صدر بإجماع جميع الهيئات القضائية الجنائية؛ أول درجة والاستئناف والتمييز، ويكون لدينا 11 قاضيا من كل الدرجات، وإذا قرروا حُكم الإعدام بالأغلبية.

بعد ذلك، انتقلنا إلى اقتراح آخر، وهو تشكيل لجنة من رجال الدين الأكفاء الكويتيين تنظر هل هذه الجريمة تدخل في نطاق القصاص أم لا، فإن كانت تدخل، فيكون الجانب القانوني مغطى والشرعي مغطى، فيعطي ذلك اطمئنانا لرئيس الدولة بالتوقيع على حُكم الإعدام، وأيضا وضعنا نصاً لذر الرماد في العيون، فهناك نص بالدستور يعطي الأمير الحق في أن يفوِّض بعض صلاحياته إلى سمو ولي العهد، واقترحنا أن يفوِّض سمو ولي العهد بالتصديق على أحكام الإعدام، وسلَّمنا الأمير مذكرة، وشكرنا وخرجنا، وبعد ثلاثة أيام استدعانا الأمير، فوجدنا وجهه مبتهجا، وقال: "ماني عارف اشلون أشكركم، انتو رفعتوا عن قلبي وصدري حمل ثقيل، والله يبارك فيكم، وما يحلها إلا عيالها"، وهذا يعطيك شخصية ثانية عن الشيخ جابر، أنه مرهف الحس، ويخاف من رب العاملين خوفا شديدا، وكان يقول: "أنا ما أنام الليل إذا عندي تصديق وأحط توقيعي على إنسان ويموت ويمكن يطلع بريء".

كان الموقف صعبا على سمو الأمير وعلينا في الموقف والمعالجة، ولم ينفذ أي حُكم إعدام أيام الشيخ جابر إلا إذا كان بإجماع كل درجات التقاضي، وأيام الله يطوِّل بعمره، ويجعله خيمة على راسنا الشيخ صباح الأحمد، وبداية حُكمه لم تطبق القاعدة، وكان يعرض عليه وزير العدل وكان يصدِّق، وبعد أن عينت مستشارا، وكُلفت مراجعة أحكام الإعدام دخلت له مع أول مجموعة، فقلت له: "طويل العُمر، في موضوع أبي أكلمك فيه، ويمكن ما عندك علم به"، وحكيت له القصة مع الشيخ جابر، واستغرب وسكت فترة، وقال لي طبِّق القاعدة.

واليوم عندما تأتينا أحكام الإعدام نطلب الدرجات الثلاث، حتى نتأكد، ونفحصها، وإذا كانت أحكام الإعدام بالدرجات الثلاث سجلناها بقائمة الإعدام، فيما إذا كانت واحدة من الدرجات ليست إعداما، كالمؤبد، والبقية إعدام، فلا يسجل ضمن قائمة الإعدام، ويبقى الشخص في السجن، وهو وحظه، بالتخفيض أو يتوفى في السجن، ولا تطبق أحكام الإعدام في الكويت إلا بهذه الطريقة.

* كيف كانت علاقتك بالدكتور عثمان عبدالملك؟

- د. عثمان عبدالملك لم يكن فقط زميلا، بل كان أخا وصديقا. صحيح نختلف في الفكر والتوجُّه والرأي والمواقف، لكن هذا الاختلاف لا يفسد للود قضية، والله يرحمه قبل أن يذهب إلى المحاضرة كان يأتي إلى مكتبي كل يوم ويشرب معي القهوة، وكنا نتحدث عن أمور الكلية والبلد ومجلس الأمة، وأذكر أنه كان دائما يصطحب معه ابنته غادة إلى الكلية، وكان عمرها 6 سنوات، والآن هي طبيبة. الدكتور عثمان أخي وصديقي، وبيننا مواقف، وكانت علاقتي به جيدة.

العمل الوزاري

* حدِّثنا عن تجربة العمل الوزاري؟

- المنصب الوزاري طارد، وليس جاذبا، لمن أراد أن يعمل، وأنا كنت مرشحا وزيرا للعدل ووزير الأوقاف في الوزارة الأولى للشيخ صباح الأحمد، بعد تولي الحكومة، لكن بعد نصف ساعة تم تغيير الحقيبة للتربية والتعليم العالي، وكنت أداوم بالوزارة إلى ساعات متأخرة جدا حتى 11 مساء، وكنت آخذ البريد إلى البيت، وقمت بتطويرات كثيرة في الوزارة، أهمها قطاع المناهج، الذي تم إنشاؤه بمرسوم أميري، ووُضعت خطة لعمله.

* ما رؤيتك لتطوير الأجهزة القانونية في الدولة؟ وهل نحن بحاجة إلى إنشاء مجلس دولة أو هيئة قضايا الدولة؟

- أنا من أشد المناصرين والداعمين والعاملين لإنشاء مجلس الدولة وإنشاء المحكمة الدستورية المستقلة، وتطوير العمل في المحاكم ككل، أنا ضد الوضع الحالي ككل، أن القاضي يوم الأحد يفصل في الجنائي، ويوم الاثنين يفصل في المدني، والثلاثاء يفصل في التجاري، والأربعاء يفصل في الأحوال الشخصية. هذا فيه إرهاق شديد لذهن القاضي، وتشتيت لفكره، وعدم تمكينه من تكوين حصيلة عملية للقضاء. أنا من أشد المناصرين لأن يكون هناك تخصص في القضاء، العمالي والأحوال الشخصية والدستوري يكون هناك تخصص. أنت تعرف أن القضاء الإداري هو قضاء إنشائي يبتدع الحلول والأفكار، وهو غير مختلف عن التجاري والمدني والجنائي، والقاضي الإداري هو قاضٍ متحرر يستطيع أن يضع الحلول، لأنه ليس مقيدا بنصوص، إلا ما هو نادر.

أما المحكمة الدستورية، فأنا من مؤيدي استقلاليتها تماما، والمشرِّع عندما أنشئت المحكمة الدستورية عام 1973 كان مُحقاً، لأنها ستسند لها قلة من القضايا، خصوصا أننا أخذنا بنظام الدفع الفرعي، وليس المباشر بنظام المحكمة، وبالتالي لا نكلف الدولة أن ننشئ محكمة تنظر طعنا واحدا في السنة أو طعنين، وأخذت فكرة الانتداب من محاكم الاستئناف والتمييز. وبالفعل، كان عدد الطعون قليلا. أما اليوم، فالمحكمة أُغرقت في الطعون الدستورية، وخاصة بعد إنشاء الطعن المباشر، وأيضا بعد نقل اختصاص الفصل بالطعون الانتخابية لمجلس الأمة والمجلس البلدي، وبالتالي ارتفعت أعداد الطعون في المحكمة، وأصبح عملها مرهقا، ومن ثم أنا من المناصرين أيضا لأن تكون المحكمة الدستورية مستقلة، وأن تكون مستقلة كذلك عن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وألا يكون أعضاء "الدستورية" أعضاء في المجلس الأعلى للقضاء، لسبب قانوني، هو أنه كثيرا ما يُطلب من مجلس القضاء الأعلى أن يبدي رأيه في بعض مشروعات القوانين، فماذا سيكون الموقف أمام "الدستورية" الذين هم أعضاء فيها، وقد سبق أن أبدوا رأياً بهذا الموضوع، فماذا سيكون الوضع؟ هل يتنحون لأنهم قالوا رأيا مسبقا؟ وإذا تنحوا، فقد لا يكفي العدد لتشكيل المحكمة. لذا أنا من المناصرين والمؤيدين لإنشاء محكمة دستورية مستقلة، وقضاء إداري متخصص، ولا أخفيك أننا عملنا أيام د. فالح العزب عندما كان وزيرا للعدل والأستاذ يعقوب الصانع، على مشروع جديد ومتكامل لمجلس الدولة، واستفدنا من التجربتين الفرنسية والمصرية، وكان المشروع متطورا جدا، لكن للأسف ضاع في دهاليز السُّلطة التشريعية بمجلس الأمة، وأنا دائما متفائل بإنجاز هذين القانونين، لكنهما بحاجة إلى دفعهما نحو المناقشة، وإقرارهما.

المذكرة التفسيرية للدستور

* ورد في المذكرة التفسيرية لنص المادة 173 من الدستور إمكانية تعيين أعضاء من خارج القضاء بعضوية المحكمة الدستورية، فما رأيك؟

- المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي هي مذكرة ملزمة، وجزء من الدستور، والهدف الحقيقي للتعيين لعضوية المحكمة من عناصر سياسية، وليس شرطا أن يكونوا سياسيين، ومن الممكن أن يكون العنصر الذي يعين محاميا أو قاضيا سابقا أو أستاذا في الجامعة من كلية الحقوق، والهدف هو إحاطة السادة القضاة بالجانب الآخر في التشريع، والتشريع ليس نصوصا جامدة، حيث إن وراءها مجتمع وتطبيق وفكر، وهؤلاء ينقلون صورة أخرى، لكن ماذا لو حكمنا بعدم دستورية قانون، وما النتائج التي من الممكن أن تترتب على ذلك؟ فالقاضي لا يفكر فيها، لكن العضو السياسي قد يفكِّر فيها، ولنا تجربة في المحكمة الاتحادية في ليبيا، وأنا درست طلابي تلك المحكمة، حيث إنه حينما فاز في الانتخابات الحزب المناهض للملك، وكانت المحكمة الاتحادية برئاسة البروفيسور منصور منصور، والملك استاء من النتيجة، لأنه لم يفز أحد من قائمته، فقد حل البرلمان قبل أن يجتمع، وحصل طعن، ولأن الأستاذ منصور منصور رجل قانون ما حسبها سياسة، وبعد أيام قليلة أصدر حكما ببطلان مرسوم الحل، وعودة المجلس، فكانت ردة الفعل هي إلغاء الدستور والبرلمان والمحكمة العليا. حين يُعين هؤلاء في المحكمة الدستورية سيسري عليهم قانون تنظيم القضاء، وسيكون لهم حقوق وعليهم واجبات.

أنا أستغرب أن يأتي البعض وينادي بالمجلس الدستوري في الكويت. ألا يعلم البعض أن المجلس الدستوري في فرنسا مشكَّل من سياسيين ورؤساء سابقين للجمهورية الفرنسية، فأنت تعارض دخول عناصر أخرى للمحكمة الدستورية من غير القضاة، وفي المقابل تقبل أن تأتي بمجلس دستوري كل أعضائه ليسوا قانونيين، فأرى أن هناك تناقضا.

أما بشأن أعضاء مجلس الدولة، فذات الأعضاء الموجودين في المحاكم الحالية سيتم نقلهم إلى مجلس الدولة، وسيكونون متخصصين فقط، ولن ينظروا في قضايا أخرى.

قانون مخاصمة القضاء

* أصدر مجلس الأمة الأسبوع الماضي قانونا لمخاصمة القضاء، فما رأيكم به؟

- أنا من المؤيدين لصدور قانون لمخاصمة القضاء، لكن بعد الاطلاع على نصوص القانون أُصبت بصدمة. لديَّ ملاحظات موضوعية على المواد الثماني التي تم إصدارها، وهناك كلام كثير يمكن أن يُقال بشأنها. أعتقد أن هناك بديلا أفضل من هذا القانون، وأن نأخذ بالتجربة الفرنسية. ففي فرنسا كان لديهم قانون مخاصمة القضاء، وأُلغي، وصدر قانون مسؤولية الدولة عن أعمال السُّلطة القضائية، بأنه في حال وقوع خطأ جسيم من أحد القضاة، فالدعوى توجَّه إلى الدولة، وليس إلى القاضي، وفي حال ثبوت الخطأ المهني الجسيم، فالدولة هي التي تعوِّض الشخص الذي تضرر، ويُحاسب القاضي عن الخطأ الجسيم، من خلال الدعوى التأديبية، وألا يمر هذا الخطأ من دون جزاء، حتى يكون الردع لغيره، كما أن الخطأ قد يقع، لأن الإنسان خطَّاء، ومَنْ لا يعمل لا يخطئ. أعتقد أن النظر إلى موضوع مخاصمة القضاة وفق التجربة الفرنسية أفضل بكثير من القانون الحالي.

* يُقال إن هناك مخالفات دستورية في القانون الصادر؟

- هناك شبهتان للدستور، ولم أجد منطقا بأنه لم يتم تحديد القاضي الذي أخطأ خطأ جسيما، فمثلا إذا كان الحكم صادرا من قاضٍ فرد فلا مشكلة، لكن إذا كان الحُكم صادرا من هيئة بها ثلاثة قضاة أو خُماسية، فلمن توجِّه الاتهام بالخطأ الجسيم؟ وأصلاً من الصعب أن تعرف مَن الذي وقع في الخطأ منهم، أو من أعدَّ المسودة للحُكم، لأن هناك سريَّة للمداولات، وبالتالي لمن توجَّه الاتهامات؟ هل توجَّه إلى رئيس الدائرة، أم إلى جميع الأعضاء؟ وهذا أمر يثير إشكالية، ولا يمكن أن يتم توجيه اتهام بالخطأ الجسيم على الشيوع. وإذا كانت المحكمة المختصة هي دائرة مختصة في محكمة الاستئناف، ففي هذه الحالة، هل مستشارو "التمييز" خاضعون أم غير خاضعين؟ وأيضا هل مستشارو "الدستورية" خاضعون أم غير خاضعين؟ وعندما توجه الطعن إلى وكيل النيابة، فهذا شيء غريب، لأن وكيل النيابة لا يتصرف لوحده، بل يأخذ تعليماته من مدير النيابة أو المحامي العام أو النائب العام، فهل سيتم توجيه الاتهام لهم جميعا؟ كما أن هناك تخصصات مسندة للنائب العام فقط، ولا يجوز الإنابة فيها أو تسند لغيره، كإحالة الشكوى إلى لجنة تحقيق الوزراء، وكذلك الطعون أمام محكمة التمييز في قضايا الأسرة، لذلك فدعوى المخاصمة هناك تعني أنك شللت عمل النيابة العامة كُلها، وعمل النائب العام.

هناك مشاكل عملية سيتسبب فيها تطبيق هذا القانون. لا يهمني أن أُصدر قانونا بهذه السرعة، وأقول إنه إنجاز تاريخي، هذا ليس إنجازا تاريخيا، الإنجاز التاريخي أنك تُصدر قانونا سليما وصحيحا، حتى لو استمر مدة أكثر. العملية ليست أن أخرج في جلسة واحدة بأربعة قوانين ثقيلة، وإقول إنه إنجاز تاريخي، والله أعلم بقانون التوثيق. أنا لم أطلع عليه حتى الآن، لكن أخشى أن تكون به مشاكل عملية. شخصيا لو تُرك لي الأمر لعدلت عن هذا القانون، وأعد قانونا آخر وفق التجربة الفرنسية، وفي مصر طُبق النظام منذ زمن، وحاولت استخراج عدد الطعون التي قبلتها محكمة النقض المصرية، فما وجدت سوى 4 إلى 5 طعون خلال هذه السنوات الطويلة، فليس بالأمر السهل أن توجه المخاصمة. الموضوع يحتاج إلى فحص وتدقيق، حتى أوجه الاتهام إلى القاضي.

* وهل تتوقع أن يمرَّ قانون مخاصمة القضاء؟

- هذا الأمر بيد صاحب السمو وحده.

تطوير منظومة التقاضي

* عن تطوير منظومة التقاضي بعد 50 عاماً، هل حان الوقت؟

- التطوير مطلوب في كل زمان ومكان، ولا يمكن أن نظل على "طمام المرحوم"، ولابد أن نطوِّر عملنا، وأن يكون لدينا إعلان إلكتروني، وأيضا رفع الدعاوى إلكترونياً، وأن نحاول الانتهاء من مشاكل الإعلان في الكويت، وأنت تعلم أنها مشاكل "عويصة"، ويدفع ثمنها المتقاضون، فتجد أحد القضاة يُوقف لك الدعوى، لأنك لم تعلن صحيفتها، رغم أنك لست مذنبا، ومَنْ أخطأ هو مندوب الإعلان.

هناك العديد من القضايا يمكن حلها بطرق أفضل من الحالية، كقضايا المرور، التي بالإمكان حلها دون محكمة مرور، وهذا الأمر مطبَّق في العديد من الدول، بحلها عن طريق شركات المرور، وكذلك قضايا الإيجارات بالإمكان حلها بجلسة واحدة، وهناك أمور كثيرة بالإمكان اختصارها.

تكويت القضاء

* هناك دعوات لتكويت القضاء والأجهزة القانونية في الدولة؟

- تكويت القضاء يجب أن نهيئ له خطوات علمية وعملية، فالأمر لا يتعلق بكاتب في الأرشيف أقوم بإنهاء عمله، وآتي بشخص يقوم مكانه، فالقاضي له تكوين خاص، ولا تتكوَّن هذه الشخصية القضائية إلا بسنوات طويلة من التجربة والتمحيص والخبرة، ونحن تأخرنا في هذا الأمر. يجب أن يكون هناك برنامج علمي وعملي، وأن أغيِّر مدخلاتي للسلك القضائي، فاليوم نحن لدينا مدخل وحيد هو النيابة العامة. من الممكن أن آخذ من "الفتوى والتشريع"، وأدخلهم دورة تدريبية لمدة 9 أشهر لصقل وظيفته كقاضٍ، وكذلك آخذ أساتذة القانون الدستوري في المحكمة الدستورية. أنا لا أقصد نفسي، ولا أرغب بالعضوية، لكن المحاكم الدستورية في العالم تعيِّن أساتذة القانون الدستوري في المحكمة الدستورية، لما لهم من خبرات، ولماذا نعتمد على النيابة فقط؟ أيضا بالإمكان التوسع في القبول بالنيابة العامة. أريد أن أضيف مسألة وقد "يزعل" الإخوة من طرحها، وهي لابد أن نكون جديين في معهد القضاء، فالدراسة بالمعهد ليست هي ما درسه المقبول في كلية الحقوق، ففي ذلك مضيعة للوقت. أريد من المعهد أن يكون هناك تدريب حقيقي عملي، وأن ألحق العضو المتخرِّج في القضاء من أول يوم، وأجعله يتعلم، ويجلس مع القضاة في غرفة المداولة، ويجب أن يكون هناك تطوير في مناهجنا بالمعهد، وأيضا لا يمكن أن يكون جميع المقبولين في الدورة ناجحين. يجب أن تكون هناك خطة لقبول الطالب في النيابة و"الفتوى"، وتأهيل شخصية الطالب، ولا يمكن التكويت في كل شيء، لأننا قد نحتاج إلى خبرات، كما نحتاج إلى خبرات في الاقتصاد والبنك الدولي، وأيضا في القانون قد نحتاج خبرات.

* هناك دعوات للمطالبة بإصدار قانون يعطي امتيازات لرجال القضاء، وينظم التقاعد، ويقرر الاستقلال الإداري والمالي، فما رأيك؟

- أنا مؤمن بأنه يجب أن يرتاح القاضي ماديا، حتى يتفرغ لوظيفته، للفصل بالقضايا. أما الاستقلال الإداري والمالي، فهل المقصود بالاستقلال المالي أن أضع ميزانيتي ورواتبي؟ فذلك لم يحدث في أي دولة بالعالم. أما الاستقلال الإداري، فمجلس القضاء هو الذي يقوم بعملية القبول للوكلاء والقضاة، ويقوم بترقيتهم، وتؤدب القضاة، وتقوم بنقلهم وإعارتهم، وهذا استقلال إداري تتمتع به، ولم يتدخل أحدٌ في عملك أو بشؤونك. لابد أن يكون هناك ارتباط بين وزارة العدل والدولة، لأنك لست بحكومة مستقلة، وتبقى مرفقا من مرافق الدولة، والدولة يجب أن يكون لها دور على الأقل، فتوفر لك ميزانية، فمن أين ستأتي بميزانيتك؟ هل من رسوم التقاضي مثلا، وهي لن تكفي. فكرة الاستقلال الإداري والمالي قولي فيها الكثير، وما المفهوم الحقيقي لفكرة الاستقلال؟ بالتأكيد، يجب أن أريح القاضي في رواتبه وامتيازاته ومكافآته.

مراجعة نصوص الدستور

* بعد تطبيق لـ 60 عاما، هل نحن بحاجة إلى مراجعة نصوص الدستور ونظامنا الدستوري؟

- أريد أن أقول لك مسألتين، وكلتاهما مرتبطة بالأخرى؛ هناك قاعدة في الفقه الإسلامي تقول إن النصوص تتناهى والحوادث لا تتناهى، أي أن المشرِّع عندما يأتي لمعالجة قضية معينة، أحاول أن أضع النصوص التي تعالج كل محاور هذه القضية، وأحلها، وأحاول أن أستشف المستقبل، وأن أرى ما يمكن أن ينتج من تطبيق هذا القانون، وأن أجد له حلولا. التشريع والنصوص تتناهى عند حد معيَّن، لكن الأحكام لا تتناهى، هذه قاعدة.

والقاعدة الثانية، والمهمة برأيي، أن أي مشكلة كلفة حلها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا في الظروف العادية أقل بكثير من حلها عندما تقع، وسأبلغك بشيء، وأرجو ألا يُفهم كلامي خطأ؛ المادة الرابعة من الدستور. من الممكن أن يستغرب الناس من كلامي، بأني أخوض في هذا الموضوع. هذه المادة تتكلم عن ترشيح ولي العهد، بأن يكون من ذرية مبارك الكبير، وهناك شروط موجودة في المادة، لكن ما يهمني أمر واحد، وهو أن سمو الأمير يرشح أو يزكي ولي العهد خلال سنة من توليه الحُكم لمجلس الأمة، الذي يبايعه بأغلبية الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس، ولاحظ أن المصطلح الذي اعتمده المشرِّع الدستوري هو يبايع، ولم يقل يصادق أو يوافق، وهو مصطلح إسلامي، وهذا للتأكيد على نهج الشريعة الإسلامية في الدستور الكويتي بتقرير البيعة بالأغلببة التي يتألف منها المجلس، فإن لم يبايعه المجلس رشح الأمير ثلاثة على الأقل من ذرية مبارك الكبير.

لاحظ أن المادة تقول ثلاثة على الأقل، ومن الممكن أن يرشح الأمير أكثر، ويبايع المجلس أحدهم، ثم يصدر قانون له صفة دستورية، وليس طبيعة دستورية، وهناك فرق شاسع بينهما، كالفرق بين السماء والأرض، والكثير يخطئ، فالأمير يزكي أحد الأشخاص من ذرية مبارك، فيبايعه مجلس الأمة بأغلبية الأعضاء، فإن لم يحصل على هذه الأغلبية، زكى الأمير ثلاثة لولاية العهد يبايع أحدهم مجلس الأمة، وهو مُجبر على أن يختار أحدهم من الثلاثة أو الأربعة. وهذا النص به مشكلتان ألخصهما بسؤالين؛ الأول الشخص الذي رشحه الأمير أو الذي زكاه الأمير أول مرة ورفضه المجلس يدخل من بين الثلاثة على الأقل، أو لا يدخل، والنص لا يتحدث عن هذه الفرضية، وممكن يكون الرد: لماذا لا يدخل حاله حال غيره؟ والسؤال الثاني والأخطر؛ إذا تم اختيار واحد من المرشحين، ولم يحصل على الأغلبية المطلوبة، خصوصا أن أصوات النواب قد تكون توزعت على باقي المرشحين الآخرين، وهو ما يعني أنه لن يحصل أحدهم على الأغلبية المطلوبة، والحل عندما تحدث مثل هذه المشكلة، ونأمل إن شاء الله ألا تحصل في المستقبل، لكنها قد تحصل، ليس أمامك إلا حل واحد، وهو تعديل الدستور، وأي تعديل يحصل في ذلك الوقت سيكون لمصلحة طرف على حساب طرف، وهنا كلفته السياسية والاجتماعية كبيرة جدا، وهي الانشقاق الذي سيحدث في المجتمع والأسرة.

لا يوجد ما يمنعني اليوم أن أناقش تلك المشكلة، وأن أضع لها حلولا، والوضع هادئ.

قد يثار سؤال، بأن هذه المسألة قد لا تحصل في المستقبل، لكن هل توقع أحد أن مجلس الأمة يعفي أمير الكويت والنص موجود؟ لولا هذا النص الذي وضع كان الله أعلم حينها ماذا كان سيحدث، لكن الكل التجأ إلى الشرعية الدستورية، والجميع ذهب إلى أن الدستور هو الحاكم، وهو الذي يحسم هذا الموضوع، وكلنا قبلنا بحكم الدستور، فدعونا نلجأ إلى حُكم الدستور في الظروف العادية، وليس في الظروف غير العادية، لأن الكلفة ستكون صعبة جدا.

أيضا لدينا مشكلة في عدد الوزارات والوزراء، فلابد أن يكون العدد ثلث أعضاء مجلس الأمة الذين يبلغ عددهم 50 عضوا، أي لابد أن يكون هناك 16 وزيرا، ضمنهم رئيس مجلس الوزراء، ونواب رئيس مجلس الوزراء، ووزراء الدولة، ويجب أن يكون المجموع 16 وزيرا. عندما كنت وزيرا كان لديَّ حقيبتان، وتتبع لي 13 جهة، فكيف لي أن أتابع عمل كل هذه الجهات؟ الطريقة الوحيدة هي زيادة عدد الأعضاء لزيادة عدد الوزراء. القضية ليست فقط بالوزراء، بل حتى بالأعضاء، وهناك مشكلة في مجلس الأمة، أن اللائحة تقول إنه لابد أن يكون العضو في لجنة واحدة دائمة على الأقل، وهناك نواب لديهم أكثر من لجنتين وثلاث، ويوجد أعضاء باللجان المؤقتة، وهذه كارثة، لأن من الأعضاء مَن يريد أن يكون رئيس لجنة، أو مقررا، لكن هذه اللجنة بواقع 70 في المئة منها لا تجتمع، وقد تجتمع مرة في الأربع سنوات. شاهدت في اللجنة التشريعية ونحن نناقش موضوعا وكنا حاضرين في اللجنة أربعة من سبعة أعضاء، أي الحد الأدنى لانعقاد الاجتماع، ثم فتح علينا أحد أعضاء اللجان الأخرى، وطلب من الرئيس استعارة اثنين من الأعضاء، لإكمال النصاب في اللجنة التي هو عضو فيها، فأبلغته إذا كنت تريد إكمال النصاب في لجنتك، فهذا سيفقد النصاب لدينا، فردَّ عليَّ رئيس اللجنة، بأننا نسير بهذه الطريقة، واللجنة تكتمل. المشكلة إذاً بعدد النواب، ويحاولون التغلب عليها بعمل لجنة فرعية داخل لجنة، ولا يوجد شيء في اللائحة أو الدستور يقرر ذلك، وهذا أمر غير شرعي، ولا يوجد نص يغطيه في اللائحة أو بالدستور، وأيضا لماذا هناك خوف من تعديل الدستور؟ وما مبررات التخوف؟ وهناك مَن يقول إن الخوف أنها قد تمس الحقوق والحريات، في حين أن الدستور قرر ضمانات، وأكد جواز التعديل بعد 5 سنوات، فيما انتظرنا الآن 60 عاما، كما أنه وضع ضمانة عند التعديل، بأن أي تعديل يجب أن يكون إلى مزيد من الحقوق والحريات. حتى الاقتراح الذي قدمته الحكومة في سنة 1981 لتعديل الدستور، لم يكن من بين التعديلات الـ23 المقدَّمة ولا نص يتعلق بمقومات المجتمع، ولا في الباب المتعلق بالحقوق والحريات، بل كان في إعادة العلاقة بين السُّلطتين، وهذه ليست حقوقا وحريات، بل توزيع اختصاصات وعمل، وكذلك الدستور وضع ضمانا ألا يعدل إلا بموافقة مجلس الأمة بأغلبية الثلثين، وسمو الأمير، وإذا لم يوافق أحدهما، فلن يصدر التعديل.

أنا من أشد المناصرين لتعديل الدستور، لأنه - كما أسلفت - النصوص تتناهى والحوادث لا تتناهى، والتطبيق العملي أثبت وجود نواقص في الدستور، وأن بعض النصوص قد تتعارض شكليا وظاهريا، فمثلا المادة 50 التي تقول إنه لا يجوز تفويض كل أو بعض اختصاصات لكل سُلطة، والمذكرة التفسيرية تشير إلى إمكانية التفويض، وهنا تعارض، لأن المذكرة التفسيرية جزء من الدستور. وفي عام 1967 عندما وقع العدوان الإسرائيلي صدر عندنا قانون التفويض، وفي ديباجة هذا القانون مكتوب وبناء على ما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور يعني القانون نفسه يعترف بالقوة الإلزامية للمذكرة التفسيرية للدستور التي يشكك فيها البعض، وهنا يوجد تناقض، وهو الأمر الذي يتطلب إزالته.

أيضا أريد أن أقترح حقوقا جديدة في الدستور، فما الذي يمنع أن أضع في الدستور نصاً يقرر أنه من حق المواطن أن يعيش في بيئة نظيفة، وقد وردت تلك العبارة في ديباجة الدستور الفرنسي عام 1946، وعندما حدثت مشكلة في المجلس الدستوري في الستينيات استند إلى هذه الفقرة الواردة في ديباجة دستور 1946، وقرر حق المواطن في أن يعيش في بيئة نظيفة، وأنا من حقي أن أعيش في بيئة نظيف، فلماذا لا أعتبره حقا دستوريا، وأيضا الحق في الخصوصية غير موجود عندنا. المحكمة الدستورية أشارت إلى النص الذي يقرر بأن الحرية الشخصية مكفولة، لكن أصبح بهذا الحكم الذي أؤيده حق دستوري ضمني، وليس حقا أصيلا، لأنه ليس لديَّ نص في الدستور، فلماذا لا أضع نصا؟ أيضا الدستور يقرر حق المراسلة البريدية والهاتفية، فيما لدينا اليوم إنترنت وتراسل إلكتروني، فلماذا لا أغيِّر المادة، حتى تشمل تلك المسائل.

أرى أنه لا يوجد ما يمنع من إعادة النظر، وعندي ضمانات أطبقها. كنت عضوا في لجنة تنقيح الدستور عام 1981، ورفضت الاقتراحات الـ 23، ومجلس الأمة رفضها، وهو ما يعني أنه ليس كل تعديل سيقبل، لكن دعونا نعالج القضية.

* وما حدود هذا التعديل؟ وهل هناك عدد للمواد؟

- الأمر يتطلب مراجعة بعض الحالات، مثلا ما يخص العلاقة بين السُّلطتين، وأيضا ما بين السُّلطات الثلاث، حتى السُّلطة القضائية لديَّ مشاكل معها. لنعيد النظر في مادة أو اثنتين أو عشر مواد، الموضوع الذي يحتاج إلى تعديل ننظر فيه، قد نصل إلى التعديل، وقد نعدل، لكن دعونا نتناقش، وعندما طرحت الفكرة مجرَّد الفكرة تم الرفض.

* هذه أثيرت بسبب اللجان التي شكلت وبعضها لمراجعة الدستور؟

- العملية هي تقرير وجود لجنة للدستور، وليس لتعديل الدستور، ولجنة اجتماعية، ولجنة اقتصادية، ولجنة الدستور، قلنا اجعلونا ندرس؛ هل نحن بحاجة إلى تعديل أم لا. البعض هاج وماج، وأنه لا نريد، وأنا أقول اسمع رأيي، ولا تحجر عليه، مثلما اسمع رأيك، لنصل إلى حل، وسبق أن رفضت، كما أسلفت، 23 تعديلا دستوريا في عام 1981، لأنها غير موفقة.

أحكام وقرارات «الدستورية»

* ما رأيك في أحكام وقرارات التفسير الصادرة من المحكمة الدستورية، وما صدر عنها في حكم البطلان الأول للمجلس عام 2012، والبطلان الثاني عام 2013؟

- المتابع لأحكام المحكمة الدستورية في الكويت يجد أن المحكمة مرَّت بمرحلتين مختلفتين جدا؛ المرحلة الأولى نشأة المحكمة من 1973 إلى 1996، وهذه الفترة الأولى التي كانت المحكمة متمسكة بالشكليات، لعدم إصدار أحكام موضوعية، كعدم وجود وكالة خاصة، وأن هذا الدفع ينطوي على طعن مباشر، وعدد الأحكام لم يتجاوز الثلاثة أو الأربعة، والتغيير حصل في سنة 2006، عندما قررت المحكمة بطلان معظم مواد قانون التجمعات، ثم أصدرت المحكمة عددا من القوانين، وفيما أصدرته صحيح ولا أتفق مع البعض، ولا أعلم كيف أصدرت البعض، لكن في الغالب اتفق معها على الأقل بالفقه الدستوري، وفي البطلان الأول لمجلس 2012 قصة عجيبة، فسمو الأمير قبل استقالة الوزارة يوم الأحد، ويوم الخميس قرر حل مجلس الأمة، فطلب رأيي، فقلت له: "طويل العُمر، ما نقدر نحل مجلس الأمة، لأن الحكومة استقالت، والحكومة المستقيلة لا يمكن أن تحل البرلمان"، وأنا متخصص في هذا المجال، ولديَّ مؤلف بعنوان "اختصاصات الحكومة المستقيلة" صادر عام 1986، ولايزال على مستوى الوطن العربي، وقدمت مذكرة بأنه لا يجوز، حتى لا ندخل في مشكلة، وكان هناك توجُّه آخر، بتأثير للأسف من بعض المستشارين غير الكويتيين، بأنه يجوز الحل، وكان في جلسة بمجلس الوزراء، وأنا حضرتها، كان بها عدد من المستشارين، واختلفت معهم، وأبلغتهم بأنه عند حل مجلس الأمة سيكون هناك بطلان، وندخل في مشكلة، وهذا ما حصل.

أما البطلان الثاني، الذي حصل في عام 2013، فأنا رأيي أنه حُكم غير موفق، لأنه نفس الموضوع، حيث كان هناك قانونان صدرا بنفس الوقت، فلماذا هذا المرسوم فيه ضرورة، وهذا المرسوم ليس فيه ضرورة؟ كان من الممكن أن يحلوها بطريقة أخرى، فإذا كنت أريد أن أبطل، فمن الممكن أن أبطل، لكن ليس بهذا السبب، بل لأسباب أخرى أكثر منطقية، وأنا أقول إن معظم أحكامها أتفق معها، لكن هناك أحكام لي وجهة نظر فيها، والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وجميعهم أحبائي وأصدقائي وطلابي وتلاميذي.

المذكرة التفسيرية للدستور ملزمة وأنا مؤيد لتعيين أعضاء في «الدستورية» من خارج القضاء

أستغرب مناداة البعض بإنشاء مجلس دستوري وهو مشكّل من غير قضاة في فرنسا ويرفض هنا تعيين عناصر سياسية في عضوية المحكمة

خطأ القاضي قد يقع لأنه إنسان ومن لا يعمل لا يخطئ

قانون المخاصمة الحالي يشل عمل النيابة وإذا رُفعت دعوى مخاصمة فإلى أي قضاة توجه؟

لا يهمني إصدار قانون بهذه السرعة والإنجاز التاريخي هو إصدار قانون سليم وصحيح ولو ترك لي الأمر لعدلت هذا القانون ويكون وفق التجربة الفرنسية

نعم تأخرنا في تكويت القضاء ولكن يجب أن نهيئ له خطوات عملية وعلمية فالأمر لا يتعلق بعمل كاتب في الأرشيف

علينا أن نغير في مدخلات القضاء من غير النيابة وأن يكون أعضاؤه من «الفتوى والتشريع» وأساتذة القانون
back to top