البقاء في أفغانستان أخطر من الانسحاب!

نشر في 10-06-2020
آخر تحديث 10-06-2020 | 00:00
 ذا هيل قبل أيام أعلن ترامب أن الوقت حان "لإعادة الجنود إلى ديارهم"، بعد 19 سنة على انتشارهم في أفغانستان، ثم أضاف الرئيس أن نطاق الجيش الأميركي انحسر هناك وأصبح "أشبه بقوة تابعة للشرطة"، حيث أثار موقف ترامب قلق الكثيرين، لكن الوقائع الميدانية تؤكد صوابية كلامه.

سارع السيناتور ليندسي غراهام (جمهوري عن ولاية كارولاينا الجنوبية)، وهو مدافع بارز عن تمديد بقاء الجيش الأميركي في أفغانستان، إلى معارضة نيّة ترامب سحب القوات من هناك، فوجّه غراهام رسالة إلى وزيرَي الخارجية والدفاع وطلب منهما أن يحرصا على أن ينصّ أي اتفاق مع حركة "طالبان" على تحقيق الأهداف التي تضمن إلحاق هزيمة كبرى بتنظيم "القاعدة" و"داعش" على المدى الطويل، فكتب أن "الانسحاب بلا شروط" من أفغانستان سينعكس "بطريقة مريعة على مصالح الأمن القومي الأميركي".

لو تمكن السيناتور وكل من يؤيد موقفه من تنفيذ ما يريدونه، لجعلوا المصالح الأميركية رهينة لنزوات "طالبان"، بعبارة أخرى، لن ينسحب الجنود ما لم تتصرف "طالبان" بالشكل الذي يريده الأميركيون.

لكن يجب أن تتوقف واشنطن عن ربط مصالحها الوطنية بالجهات أو الأحداث الخارجية التي تتماشى مع أجندتها ولا تهتم فعلياً بمساعدتها.

يدرك أبسط المراقبين، بعد عشرين سنة تقريباً من الفشل الاستراتيجي المريع في أفغانستان، أن الولايات المتحدة لن تجبر "طالبان" يوماً على الرضوخ لرغباتها باستعمال القوة العسكرية، وذلك بغض النظر عن عدد القوات التي تنشرها أو مدة المعارك التي تتابع خوضها، والأهم من ذلك هو أن الأميركيين لا يحتاجون إلى هزم "طالبان" لضمان أمنهم عسكرياً.

وفق تقرير مفصّل على موقع Defense Priorities، كانت الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة تعرّضت للهجوم في سبتمبر 2001 لمجرّد أن "طالبان" احتضنت "القاعدة" خاطئة بالكامل، يجب أن يفهم الجميع هذه الحقيقة، فحين ندرك أن أرض أفغانستان لم تكن أساسية لشن الاعتداءات الأصلية، سنفهم سريعاً أن اضطرار الأميركيين للقتال حتى تطهير أفغانستان من جميع المتمردين أو الإرهابيين فكرة خاطئة أيضاً.

غالباً ما يزعم مؤيدو البقاء في أفغانستان حتى تحقيق أهداف عسكرية غير معلنة أن الانسحاب يحمل مجازفة كبرى، لكن نادراً ما يفكر هؤلاء بتقييم المخاطر المرافقة للبقاء هناك.

بعد الإشراف على جولتين من الانتشار العسكري في أفغانستان بين العامين 2005 و2006، ثم 2010 و2011، ومراقبة ظروف الخطوط الأمامية تزامناً مع زيادة القوات العسكرية في عهد أوباما، يسهل أن نستنتج أن استعمال القوات التقليدية لهزم جماعة متمردة مستحيل من الناحية العسكرية، لذا يبقى الانسحاب خياراً أفضل بكثير، ويحمل الكثيرون هذا الرأي.

في استطلاع أجرته منظمة "قدامى المحاربين المعنيين بأميركا" في الشهر الماضي، أعلن 73% من المحاربين القدامى أنهم يفضلون الانسحاب الكامل من أفغانستان، فيقول مدير المنظمة التنفيذي، نايت أندرسون، إن تفضيل المحاربين القدامى الانسحاب الكامل من أفغانستان ليس مفاجئاً بأي شكل لأنهم "تحمّلوا أعباء" خوض حروب لامتناهية.

برأي أندرسون، يُفترض أن تعطي نتائج الاستطلاع ثقة إضافية إلى ترامب "كي ينفذ وعوده بإرجاع الجنود الأميركيين إلى ديارهم من أماكن مثل أفغانستان ويطبّق سياسة خارجية أكثر انضباطاً بما يخدم المصالح الأميركية". هذه العبارة الأخيرة أساسية: إذا كانت الحروب لا تخدم المصالح الأميركية، يجب أن تنتهي حتماً.

كان واضحاً منذ بداية 2012 أن الأميركيين يتجهون إلى خسارة الحرب الأفغانية، مما يعني ضرورة إنهائها، وبعد مرور ثماني سنوات، تضاعفت الظروف التي تؤكد فشلهم العسكري، ولا يمكن تحقيق أي انتصار في أفغانستان، لذا من المبرر أن ينتهي التدخل الأميركي هناك وينسحب الجنود الأميركيون أخيراً، وسيؤدي رفض هذه الخطوة المنطقية إلى نتيجة معاكسة للهدف الأصلي: لا مفر من أن تتضرر المصالح الأميركية في هذه الحالة!

* دانيال ل. ديفيس

back to top