لماذا يخشى رجب طيب أردوغان الخبز المجاني؟

أبرز حزب معارض في تركيا نجح في تحويل الوباء إلى فرصة إيجابية عبر بناء حركة شعبية حيوية في وجه الحكم القائم

نشر في 05-06-2020
آخر تحديث 05-06-2020 | 00:00
يبدو أن أنقرة مصمِّمة على تغيير النظام الانتخابي للحد من خسائر «حزب العدالة والتنمية»، فخلال الأشهر المقبلة، من المتوقع أن تعمل أوساط الحزب الحاكم على تدمير صورة «حزب الشعب الجمهوري» الجديدة، ومطاردة المنظمين الشباب فيه.
صعّب وباء "كوفيد-19" حياة جميع الناس، لا سيما من يحاربون الفقر أصلاً، ففي عام 2019، كشفت الأرقام الرسمية أن 18 مليون شخص، الذين يمثلون 22% من سكان تركيا، يعيشون تحت خط الفقر، وارتفعت تلك النسبة على الأرجح خلال هذه السنة في ظل تفاقم مشاكل البطالة والتضخم بسبب فيروس كورونا في المقام الأول.

رجّحت الانتخابات البلدية التركية في عام 2019 كفة المعارضة في الحكومات المحلية، حيث تحكم البلديات برئاسة "حزب الشعب الجمهوري" المعارض 48.4% من السكان، صحيح أن "حزب العدالة والتنمية" برئاسة رجب طيب أردوغان استولى على السلطة من "حزب الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد في بلديات كثيرة، لكن تبقى سيطرته على الحكومات المحلية في المرتبة الثانية وراء "حزب الشعب الجمهوري".

ولمواجهة الوباء بدأت البلديات تجمع التبرعات لمساعدة المحتاجين، لكن توقفت هذه الحملات، وحتى تلك التي ينظمها "حزب العدالة والتنمية"، حين قررت الحكومة المركزية اعتبارها غير شرعية، لكن حاجات الناس لم تختفِ عندما فضّلت أنقرة أن تسيطر الحكومة المركزية على جمع المساعدات وتوزيعها وحدها، ولمساعدة الناخبين عمدت الحكومات المحلية بكل هدوء إلى الجمع بين المتبرعين والمحتاجين، إنه نظام عملي وسهل التطبيق، يقدّم المحتاجون فواتيرهم إلى البلدية، ثم يدخل المتبرعون إلى الموقع الإلكتروني ويدفعون فاتورة أو أكثر ويتلقون إيصالاً، لكن تبقى أسماء المستفيدين سرية، ففي إسطنبول وحدها، تلقّت البلدية أكثر من مليون طلب لنيل المساعدات.

صرّح رئيس بلدية إزمير، تونج سوير، لموقع "المونيتور": "أنا فخور لأننا قدمنا الخدمات الاعتيادية إلى جانب الخدمات المرتبطة بالوباء في هذه الظروف الصعبة، كما أننا رسّخنا التضامن الاجتماعي والتعاون بين الناس، وفي ظل حظر التجول، حرصنا على توزيع الخبز والطعام والمياه النظيفة على الجميع، وفي شهر رمضان، سلّمنا وجبات طعام إلى كل أسرة كانت مهددة بالجوع".

كذلك، صرّح رئيس بلدية "بوردور"، علي أوركون إرجينغيز، للموقع نفسه: "تماشياً مع سياسات التضامن الاجتماعي التي نعتمدها، تواصلنا مع جميع السكان وحاولنا إيجاد الحلول لتلبية حاجاتهم... بدأنا بإنتاج الأقنعة الطبية لكبح انتشار "كوفيد-19" في المنطقة، لكن أطلقت أنقرة تحقيقاً حول ما سنفعله بالأقنعة وسبب إنتاجها"، وعبّر إرجينغيز، الصيدلاني، عن ذهوله لما حصل وتساءل: "كيف يمكن اعتبار إنتاج الأقنعة وتوزيعها مجاناً للناس جريمة يجب التحقيق بها"؟ هو يظن أن جزءاً من الرأي العام يتابع لعبة شد الحبال السياسية هذه بحذر لأن نتائجها ستؤثر عليهم مباشرةً.

أعلن رئيس بلدية محافظة "تشيغلي" في إزمير، أوتكو غومروكشو، أنه تأثر بحماسة المتبرعين وارتفاع أعدادهم: "لقد تواصلنا مع الجميع من دون تمييز، وإذا قال أحدهم إنه يحتاج إلى المساعدة، كنا نصدّق كلامه".

تواصل موقع "المونيتور" مع عدد من المسؤولين في "حزب الشعب الجمهوري"، فقالوا إن المتبرعين كانوا يتوقون إلى مساعدة البلديات التابعة لهم كلما حاول "حزب العدالة والتنمية" إعاقة تلك المساعدات، حتى أن أعضاءً معروفين في "حزب العدالة والتنمية" تواصلوا معهم للتبرع لتلك البلديات لأنهم عاشوا هناك وكانوا واثقين من أن المساعدات ستصل إلى المحتاجين، ونظراً إلى تنامي مظاهر الفساد في تركيا، يُعتبر هذا النوع من الثقة لافتاً، فلا يقتصر غياب شفافية "حزب العدالة والتنمية" على الإنفاق الحكومي. على سبيل المثال، لم يُوزَّع مبلغ 338 مليون ليرة (50 مليون دولار) الذي تبرّع به الناس لضحايا الانقلاب في 15 يوليو 2016 حتى الآن.

يقول رئيس بلدية "طرسوس"، هالوك بوزدوغان من "حزب الشعب الجمهوري": "لم نشأ خوض أي صراعات مريرة مع أنقرة، بل أردنا أن نجد الحلول للمشاكل في زمن الوباء، وساهمنا في مساعدة المزراعين في منطقتنا ووزعنا المحصول في طرسوس، فحاجات سكاننا هي التي توجّه سياساتنا".

تظن سيرين سيلفين كوركماز، المديرة التنفيذية لمعهد "إستان بول" وإحدى مؤسسيه، أن نجاح بلديات "حزب الشعب الجمهوري" في إدارة الوباء سيترافق مع نتيجتَين فوريتَين على الأقل: "أولاً، انهارت الفكرة القائلة إن "حزب الشعب الجمهوري" يعجز عن فعل أي شيء"، ويستعمل "حزب العدالة والتنمية" منذ عشر سنوات شعار "الآخرون يتكلمون وحزب العدالة والتنمية يفعل"، لكن خسر هذا الحزب الآن حقه الحصري بالتفاخر بإنجاز المهام، أما النتيجة الثانية برأي كوركماز، فتتعلق بتنشيط صفوف "حزب الشعب الجمهوري" كحزب سياسي فعلي.

يقول العالِم السياسي باسكين أوران الذي علّم العلاقات الدولية في جامعة أنقرة لفترة طويلة: "تُعتبر أفعال بلديات المعارضة من أوائل وأقوى مظاهر مقاومة "حزب العدالة والتنمية" ونظام الحاكم الواحد، كانت تحركات البلديات قوية لدرجة أن تساوي انقلاباً شاملاً، لطالما أحكم أردوغان قبضته على السلطة بسبب تراخي المعارضة".

كان "حزب الشعب الجمهوري" يُعتبر غير كفؤ وبالياً وحالماً، واليوم يمكن اعتبار نهج البلديات التابعة له في زمن الوباء إنجازاً بسيطاً لكن حاسماً... قد تكون حركات التضامن الشعبية التي تتمحور حول تلبية حاجات المجتمع الأساسية، على غرار الرعاية الصحية أو التعليم أو الخبز، شكلاً فاعلاً من المقاومة ضد النزعة الاستبدادية المتوسّعة، ففي تركيا أثبتت الإدارات البلدية التابعة للمعارضة فاعلية أربع خطوات لمحاربة حكم الرجل الواحد:

1- عدم استثناء أحد: توزعت المساعدات بطريقة منصفة ومتساوية ومن دون التمييز بين الناس (على أساس الانتماء الحزبي أو العرقي أو المعتقدات الدينية...)، وتم احتضان أعضاء "حزب العدالة والتنمية" بدل تهديدهم.

2- ترسيخ التضامن الاجتماعي: كانت المساعدات مبنية على حاجات الناس وتمت تلبيتها من جانب متبرعين متفانين، فبقيت هوية المستفيدين والمتبرعين سرية منعاً لإحراج المحتاجين وحفاظاً على خصوصية من أرادوا المساعدة.

3- خدمة الناس بطريقة شفافة: تابعت بلديات "حزب الشعب الجمهوري" تقديم الخدمات على جبهتَين: الواجبات الاعتيادية والخدمات العاجلة التي ترتبط بالوباء، فتصرّف الجميع بالطريقة نفسها: حين يُمنَع توزيع الخبز مجاناً، كانوا يبيعون الرغيف مقابل فلس واحد.

4- التصميم على النجاح: تجددت حركة الشباب داخل "حزب الشعب الجمهوري"، فبدأ دعم الناخبين الشباب لحزب العدالة والتنمية يتراجع بوتيرة متسارعة منذ عام 2016، لكن ثمة خيار بديل اليوم، فساهم تغيّر نظرة الناس إلى "حزب الشعب الجمهوري" في تجديد الأمل بمحاربة الحكم الاستبدادي الشعبوي.

لكن يبدو أن أنقرة مصمِّمة على تغيير النظام الانتخابي للحد من خسائر "حزب العدالة والتنمية"، فخلال الأشهر المقبلة، من المتوقع أن تعمل أوساط الحزب الحاكم على تدمير صورة "حزب الشعب الجمهوري" الجديدة، ومطاردة المنظمين الشباب فيه، وتكثيف دعمها الضمني لمرشّحي المعارضة الإسلاميين أو اليمينيين وتسليط الضوء عليهم، فأردوغان معروف بقدرته على التكيّف مع المعارضين اليمينيين وضمّهم إلى تحالفاته.

لهذا السبب، يبقى التواصل مع القاعدة الشعبية أفضل طريقة كي تضمن المعارضة تضامناً واسعاً في وجه سطوة الشعبويين المتزايدة على مقاليد السلطة.

• بينار ترامبلي

التواصل مع القاعدة الشعبية أفضل طريقة كي تضمن المعارضة تضامناً واسعاً في وجه سطوة الشعبويين المتزايدة على مقاليد السلطة
back to top