التعلم عن بُعد

نشر في 03-06-2020
آخر تحديث 03-06-2020 | 00:20
 أ.د. غانم النجار التعليم نقطة ارتكاز، منها ينطلق المجتمع للمستقبل. إنْ أهمل المجتمع التعليم ضاع وانزوى وتراجع وأصبح جزءاً من خيال فهوى.

التعليم ليس امتيازاً لنخبة أو فئة أو طبقة، بل هو حق من حقوق الإنسان، كما أكدت عليه المواثيق الدولية، من الإعلان العالمي، إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعندنا خصوصية البدون، إلى الطفل والمرأة والاحتياجات الخاصة وغير ذلك.

فجأة وبدون مقدمات هاجمنا فيروس كورونا، مما أدى إلى تعطيل مؤسسات الدولة قاطبة، بما في ذلك المؤسسات التعليمية. وفجأة أيضاً وبدون مقدمات برزت وسيلة التعلم عن بُعد كأحد الحلول المقترحة لتطبيقها على العموم.

أدخلت الجامعة الإنترنت مبكراً، لتسبق الكثير من الجامعات العريقة في العالم، على الرغم من بدائيته حينها. وعندما قمت بتطبيقه على طلبتي حينها للتواصل معهم عبر الإيميل وتسليم الواجبات، كانت المسألة صعبة لأن أغلبهم لم يكونوا قد سمعوا بالإنترنت حينها. بالطبع ذاك كان زمناً والآن زمن آخر، حيث صار الطلبة يعلموننا آخر ما جاء في تكنولوجيا التواصل، وأصبح الإيميل بالنسبة إليهم قصة قديمة.

إلا أنه ومع توفير التطبيقات عبر السنين لم تنجح الجامعة بالعموم في إدخال التعليم عن بعد في الثقافة الجامعية. وباستثناء جيوب هنا وهناك أو محاولات فردية لبعض أعضاء هيئة التدريس، ووجود إدارة للتعليم عن بعد لم تدخل الفكرة في ثقافة أعضاء هيئة التدريس.

لا يبدو أن هناك إشكالية في الجانب التقني، ولكن في الجانبين القانوني وقدرات أعضاء هيئة التدريس على التجاوب المفاجئ مع نوع جديد من التعليم. الإشكالية الأكبر في البيئة القانونية تتلخص في طبيعة العلاقة بين الأستاذ والتلميذ، من تقييم ومن حضور ومن واجبات ومن مراجعات وتظلمات، وإلزاميتها بمرجعية لائحية غير متوافرة، يضاف إلى ذلك حماية أعضاء هيئة التدريس من تغول ترسانة قوانين تمت صياغتها منذ ٢٠٠٦، وهي تقريباً سبعة قوانين. كما أن مسألة تدريب أعضاء هيئة التدريس يجب ألا يتم التعامل معها كأمور مسلم بها، فالمستويات والقدرات التكنولوجية متفاوتة. وقد عايشنا تجارب متعددة في الانتقال إلى استخدام التكنولوجيا والإنترنت، من تسجيل الطلبة وإدخال الدرجات وحتى إقرار العودة، وهي على بساطتها عانت كثيراً من تفاوت القدرات.

سألت بعض الزملاء من جامعات خاصة، الذين طبقوا التعليم عن بعد، عن تجربتهم، داخل الكويت وخارجها، فجاءت ردودهم متباينة، من الجانب الإيجابي كان تفاعل الطلبة كبيراً، مما يستدعي زيادة المساعدة الفنية للأستاذ. إلا أن النقطة السلبية المشتركة هي الاستعجال في التطبيق، دون تهيئة البيئة العامة، والتأكد من قدرات أعضاء هيئة التدريس والمنظومة القانونية للتعليم، ولذلك وقّع الأساتذة تعهداً بتحملهم المسؤولية كاملة عن أي إجراء.

الإشكالية الأكبر، التي يبدو أنه يتم تجاهلها، هي أنه ومنذ ٢٠٠٦ صدرت ترسانة من سبعة قوانين تستهدف بعمومها تقييد حرية التعبير. وحالما تتحول المحاضرة إلى "أونلاين" تصبح في مرمى تلك القوانين، أحدها أو كلها. ومن المستغرب أن هناك من بين أعضاء هيئة التدريس من يتعامل مع هذه الحكاية باستخفاف، غير مدرك لما يجري في البلد.

وبالتالي من الخطأ تطبيق التعليم عن بعد على استعجال، ولابد من إدراك تفاوت القدرات لدى أعضاء هيئة التدريس، وتوفير التدريب الكافي لهم، وإيجاد المنظومة القانونية الحاكمة لهذا النوع من التعليم، بما في ذلك حماية أعضاء هيئة التدريس من مغبة التعرض لأي أذى. وحسناً فعلت الإدارة الجامعية بتشكيل لجنة لدراسة الأمر، وجمعية أعضاء هيئة التدريس بتقديمها للمقترحات التي تؤدي إلى الانتقال بسلاسة وروية بما فيه مصلحة التعليم.

فإن صدقت النوايا فإن تنفيذ ذلك يمكن أن يتم بوقت قصير، بتضافر الجهود، بالاتفاق مع الحكومة على تعديل التشريعات المطلوبة، وإصدار مجلس الجامعة اللوائح الحاكمة التي يتم تعديلها مع الوقت.

back to top