اهتمامات دونالد ترامب تبعده عن مكافحة وباء كورونا

نشر في 29-05-2020
آخر تحديث 29-05-2020 | 00:02
أظهرت استطلاعات الرأي أن أكثرية الأميركيين يحملون ترامب مسؤولية عدم اتخاذ خطوات لمنع انتشار الوباء وأبرزت أنباء من جامعة كولومبيا أنه كان بالإمكان إنقاذ حياة الآلاف من الأميركيين لو أن المدن الرئيسة أغلقت قبل أسبوع واحد فقط في شهر مارس.
قبل حوالي شهرين وفي الأيام الأولى لفترة الحجر الشامل اشتكى أعضاء في الحزب الجمهوري من أن جهود الديمقراطيين لإدانة الرئيس دونالد ترامب أبعدته عن العمل من أجل القيام بخطوات أكثر تأثيراً لمواجهة انتشار وباء كورونا في الولايات المتحدة.

وأشار الجمهوريون إلى أن محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ بدأت في شهر يناير الماضي مع انتشار الوباء خارج الصين وكان الرئيس يتلقى أول أنباء موجزة عن تطور ذلك الوباء، وفي أواخر شهر مارس قال زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماك كونيل في مقابلة مع محطة إذاعية «أنا أعتقد أن الوباء صرف اهتمام الحكومة لأن كل شيء كان يدور حول قضية الإدانة»، وقد نفى ترامب في تعليقه على تصريح ماك كونيل أن يكون انصرف عن الاهتمام بقضايا أخرى غير مجريات الإدانة ولكنه عاد وأقر بأن محاكمة مجلس الشيوخ قد «شغلته» وقال إنه كرس وقتاً لمتابعتها.

وقد أظهرت استطلاعات الرأي منذ ذلك الوقت أن أكثرية الأميركيين يحملون ترامب مسؤولية عدم اتخاذ خطوات لمنع انتشار الوباء وأبرزت أنباء من جامعة كولومبيا أنه كان بالإمكان إنقاذ حياة الآلاف من الأميركيين لو أن المدن الرئيسة أغلقت قبل أسبوع واحد فقط في شهر مارس.

ولا عجب أن يعمد ترامب والحزب الجمهوري الى استخدام الإدانة من أجل صرف الانتباه الآن، وفي الأيام القليلة الماضية لم يتطرق مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري الى أي تشريعات رئيسة تتعلق بوباء كورونا والتداعيات التاريخية المدمرة التي ألحقها بالصحة العامة والاقتصاد في الولايات المتحدة، وليست لديه أي خطط للقيام بمثل ذلك العمل في الوقت الراهن.

وفي غضون ذلك، صوتت اللجنة الفرعية القضائية في مجلس الشيوخ على مذكرة حول عزمه مساءلة أوكرانيا بشأن التحقيق في مزاعم تتعلق بمنافسه جو بايدن عندما كان ابنه هنتر عضواً في مجلس ادارة شركة بوريزما للطاقة في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه استمر ترامب في خطته الرامية الى تسريح خصومه في الحكومة الاتحادية، وكان قرار إقالة المفتش العام في وزارة الخارجية في الأسبوع الماضي الخامس من نوعه منذ نهاية محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ في مطلع شهر فبراير الماضي، وقد حمل ترامب بشدة على ميت رومني وهو الجمهوري الوحيد في مجلس الشيوخ الذي أيد ادانة ترامب.

أنصار ترامب ودراما الانتقام

قد يجد أنصار ترامب في العودة الى رواية إدانة أوكرانيا دراما انتقامية لا نهاية لها، وهو يهدد الآن بحجب التمويل عن الولايات المؤيدة للحزب الديمقراطي، كما أن ترامب أصبح يوصف في الوقت الراهن ببطل صرف الانتباه في الولايات المتحدة، وهي طريقة ممتازة من أجل جعل المرء ينسى، ولو لفترة قصيرة من الزمن، الدمار الاقتصادي الذي لحق بالبلاد.

ويضاف الى ذلك كله- من وجهة نظر الرئيس- أن تلك التطورات تسهم بشكل دائم في صرف انتباه العدد الكبير من خصوم ترامب الذي يوفر عبر سلوكه الغبي وشجاره العلني ذخيرة لا نهاية لها من مصادر الاستياء والغضب، ولننظر، على سبيل المثال، الى موجة الغضب المتوقعة التي أعقبت إعلان ترامب عن تناوله عقار هايدروكسيكلوروكين وهو عقار ضد الملاريا وكان يروج له على أنه علاج لوباء كورونا على الرغم من الدراسات التي أظهرت أن ذلك العقار قد يكون ضاراً.

وعندما قالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إن شخصاً مثل ترامب يجب ألا يتناول مثل ذلك الدواء وألا يعرض نفسه الى خطر مجهول العواقب رد ترامب عليها بوصفها بالانسانة «المريضة»، ويتعين الملاحظة أن الاثنين لم يتبادلا الحديث منذ قيام بيلوسي بتمزيق خطاب ترامب عن حالة الاتحاد في حركة مسرحية لافتة جداً وقبل يوم من حصوله على البراءة في المحاكمة التي جرت في مجلس الشيوخ.

من جهة أخرى يحاول ترامب صرف انتباه الرأي العام عن قضاياه، ومن المؤكد أن السياسات الجديدة المتعلقة بانتشار وباء كورونا ليست في صالحه، وقد طرحت انتخابات الرئاسة في الخريف المقبل في صورة استفتاء على قدرة ترامب على القيادة في حالات الأزمات. وتجدر الإشارة الى أن ريتشارد نيكسون كان قبل فترة انتشار وباء كورونا نقطة المقارنة التاريخية مع رئاسة ترامب المشحونة بالفساد، أما الآن فهو هربرت هوفر الذي ترشح لإعادة الانتخاب بعد انهيار أسواق الأسهم في عام 1929 وثلاثة أعوام من محاولات فاشلة لوقف الكساد الكبير في الولايات المتحدة، وكان هوفر وعد الأميركيين بتحقيق الرخاء في وقت قريب ولكنه عجز عن ذلك وتعرض الى فشل ساحق، وتؤكد أحداث الماضي أن الترشح لإعادة الانتخاب في حين تزرح البلاد تحت وطأة بطالة واسعة هي غاية لا يمكن لأي رئيس أن ينجح في الانتصار فيها، وفي حقيقة الأمر فإن المرة الوحيدة التي تحققت فيها تلك الغاية كانت في فترة كساد اجتاح البلاد في عام 1924.

شعارات حملة هوفر

ومن جديد تبدو شعارات هوفر في حملاته الانتخابية ناجحة اليوم مقارنة مع محاولات ترامب المربكة في الآونة الأخيرة، وقال ترامب في مؤتمر في البيت الأبيض في السابع من شهر مايو إنه يتوقع انتقال الاقتصاد الأميركي الى «العظمة والنمو» في خريف هذا العام وأن يتبع ذلك عام متميز ناجح مضيفاً «أنا أظن أننا سنشهد سنة لافتة في 2021».

وفي اليوم التالي قال ترامب في اجتماع مع أعضاء الكونغرس الجمهوريين إنه طرح تلك الجملة ضمن منظور حملته الانتخابية الجديدة مشيراً الى أنها أكثر نجاحاً بالنسبة الى هدفه في حملة الانتخاب، ومؤكداً أنها وردت الى ذهنه في تلك اللحظة على الرغم من أنه أطلقها قبل يوم واحد فقط مما أثار دهشة واستغراب الصحافيين.

وأنا أفترض أن ذلك التصريح ليس مفاجئاً لأنه بعد ثلاث سنوات من دخوله البيت الأبيض، فإن ترامب سيكذب عند طرح أي شيء حتى إذا كان يتعلق بشعارات حملته الانتخابية، لكن الواضح أن هذه الحصيلة تثبت فشله لأنه لم يسبق أن تمت اعادة انتخاب رئيس أميركي على أساس الوعد بتحقيق «انتقال».

والمعروف أن رجال السياسة يفوزون عن طريق مهاجمة الفريق الآخر كما فعل ترامب قبل أربع سنوات وحقق نجاحاً مدوياً عبر تبديد الوعد الذي أطلقه رونالد ريغان في عام 1980 الذي تمثل في «جعل أميركا عظيمة من جديد». لكن من الأصعب تحقيق ذلك وأنت رئيس عامل، والأكثر صعوبة هو السعي الى نيل تلك الغاية في وقت يزخر بحصيلة وفيات عالية ومعاناة اقتصادية، واذا كان سجلك يؤكد سوء رصيدك وأنك ستقدم حصيلة أفضل في المرة المقبلة فسيصعب عليك بلوغ النجاح، لكن ذلك هو على وجه التحديد ما يهدف ترامب الى تسويقه.

وعاد ترامب في الأسبوع الماضي الى ترديد نغمة «الانتقال الى العظمة» وإطلاق الوعود بأن يكون العام المقبل «فترة رائعة ومتميزة» وأن تخرج الولايات المتحدة بصورة ما من هذه الفوضى.

أوراق ترامب الانتخابية

وإذا لم تكن العودة الى الوضع الطبيعي في متناول اليد فإن ترامب يستطيع على الأقل أن يعرض نظرية صرف الأهتمام والانكار، وتحويل الأنظار هو الهدف في نهاية المطاف، كما لو أن وباء كورونا لم يحدث وكما لو أن الولايات المتحدة لا تشهد وفاة أكثر من ألف مواطن يومياً بسبب فيروس لم يتم التوصل الى علاج له، وكان الرئيس يتحدث قبل أسابيع قليلة فقط عن أن الولايات المتحدة ربما تفقد 50 ألفاً أو 60 ألفاً فقط بسبب الوباء، لكنه عاد في العاشر من شهر أبريل الى القول إن الأرقام ستقل كثيراً عن مئة ألف وفاة بين الأميركيين لكننا الآن في عطلة نهاية أسبوع «يوم الذكرى» وهو اليوم الذي تحتفل الولايات المتحدة فيه بذكرى الجنود الذين سقطوا في ساحة القتال ويوشك «العدو الخفي» لترامب أن يسجل في هذه المناسبة سقوط أكثر من مئة ألف أميركي، ومن المؤكد أن الرمزية المؤلمة لعطلة هذا العام لن تنسى بسهولة مهما حاول الرئيس القيام به لتحقيق تلك الغاية.

============================

كوتات ///

* ترامب يحاول صرف انتباه الرأي العام عن قضاياه ومن المؤكد أن السياسات الجديدة المتعلقة بانتشار وباء كورونا ليست في مصلحته

* مجلس الشيوخ لم يتطرق إلى أي تشريعات تتعلق بوباء كورونا والتداعيات التاريخية المدمرة التي ألحقها بالصحة العامة والاقتصاد في الولايات المتحدة

===================================

الصور///

دونالد ترامب

* سوزان بي غلاسر

الجمهوريون أكدوا أن محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ بدأت في يناير الماضي مع انتشار وباء كورونا خارج الصين وكان الرئيس يتلقى أول أنباء موجزة عن تطور الوباء

الأكثر صعوبة للفوز بانتخابات جديدة هو السعي إلى نيل تلك الغاية في وقت يزخر بحصيلة وفيات عالية ومعاناة اقتصادية
back to top