بعض ما استفدناه من كورونا

نشر في 22-05-2020
آخر تحديث 22-05-2020 | 00:04
 د. نبيلة شهاب توقفت الدراسة ولم تكن الشيء الوحيد الذي توقف، بل توقفت الأعمال في جميع مرافق ومؤسسات الدولة مما رسم خططاً جديدة وتقسيما يوميا مختلفا لكل فرد ولكل أسرة، وتساوى الجميع في حجم الفراغ، فنجد أن الأم العاملة على الرغم من شعور التوتر والخوف والترقب والقلق من هذا الوباء المستشري والذي يشاركها الجميع فيه، بدأت تشعر بالارتياح لانخفاض المسؤوليات الملقاة على عاتقها، فإلى جانب توقف مسؤولياتها في العمل، انتهت أو تأجلت مسؤولية تدريس الأبناء أو الإشراف على ذلك ومتابعتهم دراسياً.

فجلوس الأم مع طفلها في المنزل دون قيود أو مسؤوليات ودون أن تفزعها عقارب الساعة وتذكرها بمهام عليها أن تترك طفلها وتقوم لإنجازها، شعور مريح ومفيد للجميع، فتلك اللحظات والدقائق التي كانت تسرقها من عمر الزمن أصبحت ساعات وأياما تتشارك فيها مع طفلها أجمل الأنشطة، والتي في يوم وربما قريباً قد تصبح ذكريات.

التصاق أو اقتراب الأبناء جميعاً لا الأطفال فقط من الوالدين خلال أزمة كورونا له نتائج في الأغلب جميلة وإيجابية ومفيدة، ومشاركة جميع أفراد الأسرة في الوجبات والجلسات الخاصة الجميلة التي يتبادلون فيها الضحك والكلام والألعاب كما يتشاركون الخبرات والأحداث، سلوكيات مهمة فعالة بناءة في توطيد الأواصر الأسرية، مما ينعكس إيجاباً على شخصية الأبناء وعاداتهم المكتسبة، وقد يعدل ويقوِّم بعض السلوكيات السلبية وقد يقضي عليها.

أهم من كل ذلك، أن اقتراب الوالدين من أبنائهما ومشاركتهم مشاكلهم وهمومهم وحتى أسرارهم التي كانوا يتشاركونها مع أصدقائهم أخذت منحى آخر، ففرق العمر والخبرة ومعرفة شخصية الابن أو الابنه سيجعلان حلول بعض المشاكل أكثر واقعية وأكثر مصداقية.

كما قلت الهوة التي بين المراهق وأبيه، وبدآ يتشاركان أعمالاً وأنشطة كان يتشاركها مع رفاقه، ولا عجب في ذلك فقلة المسؤوليات على الوالدين جعلتهما أكثر تفهماً وأكثر استعداداً للمشاركة وأكثر هدوءا وتقبلاً لمشاكل الأبناء وأكثر رغبة في إشباع رغباتهم النفسية والاجتماعية، حيث هي من المرات النادرة التي يتفرغ الوالدان بالكامل ويوجدان دائماً في المنزل مع الطفل، وهي تجربة مثيرة ومفيدة لأقصى درجة، حيث تقسم الأدوار بينهما، وحتى إن لم تكن بالتساوي، إلا أن مشاركة الأب ووجوده باستمرار في المنزل له تأثير كبير على الطفل وعلى الأب في الوقت حاضرا ومستقبلاً، وإشباع الحاجة الى الشعور بالأمن والسند يتأتي من رعاية الوالدين للطفل الرعاية الكاملة، وعلى وجه الخصوص الأب الذي يعتبر سند كل أفراد الأسرة.

وعلى ذلك فمن المتوقع أن يلقي ذلك الاقتراب النفسي والاجتماعي للوالدين بظلاله على نمو شخصية الطفل وكيفية تشكيلها، فالشعور بالأمان والانتماء الى جانب توفير الحب للطفل والاهتمام به واحترام ذاته وإشباع حاجاته النفسية يخلق شخصية متزنة هادئة متعاونة مستقيمة إيجابية شخصية انبساطية واثقة من نفسها.

back to top