هل تسحب موسكو دعمها للمشير خليفة حفتر؟

نشر في 22-05-2020
آخر تحديث 22-05-2020 | 00:02
بينما لا تريد موسكو أن تشهد انهياراً لجيش ليبيا الوطني التابع للمشير خليفة حفتر توجد مؤشرات على أن مصالح موسكو قد ترتبط بصورة أوثق مع شخصيات أخرى في حكومة ليبيا الشرقية، وهو ما يثير تكهنات مغايرة حول مستقبل العلاقات مع المشير خليفة حفتر.
في الوقت الذي ركزت واشنطن فيه على اتهام موسكو بإذكاء النزاع في ليبيا التي مزقتها الحرب عن طريق إرسال مرتزقة من أجل القتال نيابة عن قوات رجل البلاد القوي المشير خليفة حفتر ظهرت مؤشرات على أن روسيا تعمل على زيادة الاتصالات مع البرلمان الشرقي المتحالف مع حفتر على حساب الأخير في أكثر من صورة.

وفي حين لا تريد موسكو، على أي حال، أن تشهد انهياراً لجيش ليبيا الوطني التابع للمشير حفتر توجد مؤشرات على أن مصالح موسكو قد ترتبط بصورة أوثق مع شخصيات أخرى في حكومة ليبيا الشرقية، وهو ما يثير تكهنات مغايرة حول مستقبل العلاقات مع المشير حفتر.

وفي السابع من مايو الجاري قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية كريس روبنسون إن الدعم الذي تقدمه الحكومة الروسية إلى المشير خليفة حفتر قد أفضى إلى ما وصفه بـ»التصعيد البارز للنزاع والتفاقم الجلي للوضع الإنساني في ليبيا».

في غضون ذلك، قال رئيس برلمان ليبيا في المنطقة الشرقية في الشهر الماضي في طرحه لخريطة الطريق السياسية لديه التي قدمها الى البرلمان في شهر أبريل إنها وضعت من قبل خبراء روس يعملون مع أعضاء برلمان في ليبيا.

وخلال اجتماع مع قبائل ليبيا الشرقية في السابع والعشرين من شهر أبريل الماضي قال عقيلة صالح عيسى، وهو رئيس مجلس النواب الذي يتخذ من طبرق مقراً له إن وجود مستشارين سياسيين من روسيا في ليبيا ليس سراً، وأنهم قدموا له الدعم الذي كان في حاجة اليه بعد أن فشل المشير حفتر في معركته للسيطرة على طرابلس.

وأضاف رئيس البرلمان أيضاً أن المبادرات السياسية الروسية هدفت الى إطلاق مفاوضات مع حكومة فائز السراج في طرابلس التي تنافس برلمان طبرق، والتي تشكلت بموجب مبادرة من منظمة الأمم المتحدة في شهر ديسمبر من عام 2015.

الانقلاب الصامت

وقد جاء إقرار عقيلة صالح حول دور المستشارين الروس في صياغة خريطة الطريق بعد بيان صدر عن المشير حفتر في 27 أبريل الماضي أكد فيه تسلمه مقاليد القيادة والعمل نيابة عن الجيش لا الحكومة الشرقية، وهكذا أقر صالح بشكل أساسي بحدوث انقلاب «صامت» في شرق ليبيا مع كل ما ينطوي عليه ذلك من مضاعفات حادة.

وبدت خطوة قائد الجيش متجذرة في الصعود الجلي لموقف رئيس برلمان طبرق ومبادراته، ضمن عوامل عديدة أخرى، وكان المشير حفتر فقد بعض الدعم في أعقاب سلسلة من الهزائم في معركة طرابلس، وقد شككت روسيا بصورة كبيرة في عدم قدرة المشير حفتر على حل المشكلة عسكرياً، ولذلك كانت أكثر ميلاً نحو التعامل مع عقيلة صالح وعبد الله الثني وهو رئيس الحكومة المؤقتة في الشرق الليبي وتشجيعهما على التقدم الى الواجهة في الحوار مع حكومة الوفاق الوطني وتهميش دور المشير حفتر بصورة تدريجية واضحة.

وكان من الجلي تماماً أن ذلك السيناريو لم يكن مقبولاً من جانب المشير الذي سارع الى إعلان نفسه حاكماً لليبيا، وفي ضوء مساعدة روسيا لرئيس برلمان طبرق على صياغة مبادرات السلام والتعويل عليها من أجل حل النزاع الليبي لم تتمكن موسكو من دعم محاولات المشير حفتر الرامية الى اغتصاب السلطة والانسحاب من اتفاقية الصخيرات التي أفضت الى تشكيل حكومة الوفاق الوطني.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال في مؤتمر صحافي عقد في الثامن والعشرين من شهر أبريل الماضي «نحن لم نوافق على بيان فائز السراج الذي رفض التحدث مع المشير حفتر، ولا نوافق أيضاً على بيان حفتر حول مستقبل الشعب الليبي لأن الطريقتين لن تفضيا الى تسوية دائمة».

وكانت تلك المرة الأولى التي تعبر موسكو فيها عن عدم موافقتها على تصرفات المشير حفتر بشكل واضح منذ إطلاق الجيش الوطني التابع له عملية ضد طرابلس في شهر أبريل من عام 2019.

دعم موسكو لصالح

وفي الوقت نفسه، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن موسكو تدعم مبادرات عقيلة صالح حول تحقيق السلام في ليبيا، كما أشار الى أنه يعتقد أن تلك المبادرات تعطي زخماً لعملية السلام في ليبيا بخلاف الخطوات التي يقوم المشير حفتر بها.

وقال لافروف إن عقيلة صالح دعا الى حوار وطني «يهدف الى تشكيل حكومة مشتركة تمثل بصورة متساوية ومتوازنة الأقاليم الثلاثة في ليبيا»، وشدد أيضاً على أهمية تحديد الليبيين أنفسهم للأساليب التي تكون مقبولة بصورة متبادلة، مع ملاحظة أن «على اللاعبين الخارجيين دعم تلك الأساليب بكل وسيلة ممكنة».

وأضاف الوزير الروسي «أنا آمل أن تتم الاستفادة من المحاولات السابقة ونحن سنشجع الليبيين على الحوار والسعي الى تسوية سياسية».

يذكر أنه حتى ضمن بعض دوائر الأعمال الروسية صدرت انتقادات لحفتر، وقال ممثل قطاع الطاقة الروسي وقد طلب عدم ذكر اسمه في حديث مع المونيتور «ما أصداء مبادرة حفتر اليائسة بالنسبة الى أسواق الطاقة»؟ إن مليون برميل من النفط الليبي لن تعود في أي وقت قريب الى السوق، ولن يستأنف المشروع المشترك مع غازبروم أنشطته في الجزء الشرقي من ذلك البلد كما أن الوضع غير السليم في ليبيا والذي يرجع الى عام 2014 سوف يسود في الأعوام المقبلة، ولسوء الحظ فإن المشير حفتر هو الذي يقف في الوقت الراهن عقبة في طريق تحقيق حوار بناء.

وهذه هي المرة الثانية التي يقوم فيها المشير حفتر في هذه السنة بإخراج مبادرات السلام الروسية حول ليبيا عن مسارها وهو ما يثير استياء موسكو الى حد كبير، وفي شهر يناير دعت تركيا وروسيا الى عقد اجتماع في موسكو يجمع بين حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني من أجل التوصل الى اتفاقية لوقف النار، لكن ذلك الهدف لم يتحقق.

نكسات حفتر

وفي سياق النكسات المتكررة التي واجهت حملة حفتر للسيطرة على طرابلس ازداد حذر الكرملين إزاء تصرفات المشير ما أسفر عن محاولات روسية من أجل العثور على بديل موثوق للعمل معه في النزاع الليبي. ولا شك أن عقيلة صالح كان ضمن الشخصيات التي تم ترشيحها لتلك الغاية. وعلى أي حال، ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت بعض المنظمات غير الحكومية قد تعاملت معه، أو أن ذلك تم من خلال مستشارين يمثلون وزارة الخارجية الروسية.

دور سيف الإسلام القذافي

في غضون ذلك ترددت أنباء حول قيام منظمات مثل جمعية حماية القيم الوطنية باستطلاع رأي سيف الإسلام القذافي (وهو ابن معمر القذافي) وطرحه كبديل محتمل لخلافة حفتر، وعلى الرغم من فتور علاقاتها مع حفتر ستستمر موسكو في تقديم المساعدات الى الجيش الوطني الليبي لأنه القوة السياسية الوحيدة التي دخلت في شراكة مع روسيا حتى الآن، وعلى الرغم من قول الكرملين إنه يعامل طرفي النزاع الليبي بحياد وتوازن فإن مستوى الاتصالات مع فائز السراج أقل كثيراً من مستواها مع حفتر، ويرجع ذلك الى أن مرتزقة روسيا يعملون مع المشير حفتر.

وتقول موسكو إن أولئك المرتزقة الذين يدعمون الجيش الوطني الليبي لا يمثلون المصالح في ذلك البلد، كما أن موسكو لا تعمل على رعايتهم، ولكن على الرغم من ذلك فإن الصلة بين قادة تلك المجموعات والكرملين واضحة تماماً، ومن هذا المنطلق ستستمر موسكو في محاولات استخدام المرتزقة من أجل الضغط على المشير حفتر، وإذا دعت الضرورة فسيطلب منهم الانسحاب من جبهات القتال لدفعهم الى مزيد من التعاون، وربما يطلب منهم أيضاً العودة الى، العمل من أجل منع فائز السراج وحليفته تركيا من تقوية مراكزهما الى درجة كبيرة وعلى أي حال، لا بد من الاشارة الى أن انتصار حفتر ليس على أجندة موسكو التي تسعى فقط الى منع جبهة الجيش الوطني الليبي من الانهيار وهو ما يساعد الكرملين على تأدية دور الوسيط في النزاع الليبي.

في 27 أبريل الماضي قال عقيلة صالح إن وجود مستشارين سياسيين من روسيا في ليبيا ليس سراً وإنهم قدموا له الدعم الذي كان في حاجته

في سياق النكسات المتكررة التي واجهت حملة حفتر للسيطرة على طرابلس ازداد حذر الكرملين إزاء تصرفاته
back to top