هجوم القضاء الألماني على البنك المركزي الأوروبي

نشر في 20-05-2020
آخر تحديث 20-05-2020 | 00:00
اعتبارات موازنة المحفظة المالية تعني أن التيسير الكمي والتخفيف النوعي يؤثران بشكل سلبي على عوائد وأسعار الأصول، وبالتالي على النشاط الاقتصادي الحقيقي والرفاهية الاقتصادية للسكان المحليين والأجانب، وهذه قضايا مشروعة يتعين على البنك المركزي الأوروبي، والبرلمان الأوروبي، والمجلس الأوروبي أخدها بعين الاعتبار.
 بروجيكت سنديكيت اعتمدت المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية مؤخرا قرارا يمكن أن يؤدي إلى انهيار الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي، فقضت المحكمة أنه بعد فترة انتقالية لا تزيد على ثلاثة أشهر، لا ينبغي للبوندسبنك (البنك المركزي الألماني) المشاركة في برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء سندات القطاع العام بهدف تعزيز اقتصادات منطقة اليورو (PSPP)، ما لم يُوضح مجلس البنك المركزي الأوروبي أن أهداف السياسة النقدية المنشودة من برنامج الشراء «لن تكون غير متناسبة مع آثار السياسة الاقتصادية والمالية الناتجة عنها».

يشمل قرار المحكمة الفترة بين أول عمليات برنامج شراء السندات الحكومية في 9 مارس 2015، ومرحلة إعادة الاستثمار التي بدأت في 1 يناير 2019، مما أسفر عن إيقاف العملية فعليا في 8 نوفمبر 2019، عندما بلغت قيمة مشتريات سندات القطاع العام التراكمية حوالي 2.1 مليار يورو (2.3 مليار دولار)، في الواقع تكمن المشكلة الأساسية في الحكم الصادر عن محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي (CJEU) في ديسمبر عام 2018، والذي تضمن عنصرين رئيسين:

أولاً، قضت محكمة العدل الأوروبية بأن برنامج شراء السندات الحكومية لم يتحايل على المادة 123 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي (TFEU) والتي تنص على حظر التمويل النقدي لميزانيات الدول الأعضاء.

ثانيا، خلصت المحكمة إلى أن البرنامج لم ينتهك «مبدأ التناسب»، والذي بموجبه «يجب ألا يتجاوز مضمون وشكل عمل الاتحاد ما هو ضروري لتحقيق أهداف المعاهدات».

لم تُعارض المحكمة الألمانية النقطة الأولى، ولم تتصدَّ للتدابير الحديثة التي تم اتخاذها لمعالجة جائحة «كوفيد- 19»، مثل توسيع برنامج شراء سندات القطاع العام ليشمل برنامج شراء الطوارئ الوبائية بقيمة 750 مليار يورو، أو أحدث عمليات الإقراض المصرفي للبنك المركزي الأوروبي، لكنها تتعارض (بازدراء إلى حد ما) مع استنتاج محكمة العدل الأوروبية حول مبدأ التناسب، من وجهة نظر المحكمة الدستورية الألمانية، فإن قرار محكمة العدل الأوروبية بشأن هذه النقطة تجاوز إلى حد بعيد سلطتها القانونية على النحو المنصوص عليه في معاهدة الاتحاد الأوروبي.

من ناحية أخرى، تطرح المحكمة الدستورية الألمانية تساؤلات صريحة بشأن الاختصاصات القانونية لمحكمة العدل الأوروبية، مُؤكدة احترامها لقرارات محكمة العدل الأوروبية «ما دامت المحكمة تُطبق المبادئ المنهجية المُعترف بها، وما دام القرار الذي تتخذه غير تعسفي من منظور موضوعي»، وهذا يعني، بطبيعة الحال، أن محكمة العدل الأوروبية لم تستوف هذا المعيار الأساسي.

بموجب المواد 5.1 و5.2 و5.4 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، أكدت المحكمة الألمانية معارضتها للبرنامج، إذ يُجادل القضاة أن «محكمة العدل الأوروبية قد خلصت إلى أن قرار مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي بشأن برنامج شراء سندات القطاع العام وتعديلاته اللاحقة لا يزال ضمن نطاق اختصاصات البنك المركزي الأوروبي»، و»من الواضح أن هذا الرأي لا يُراعي أهمية ونطاق مبدأ التناسب... ولا يمكن الدفاع عنه من منظور منهجي لأنه يتجاهل تماما آثار السياسة الاقتصادية الفعلية للبرنامج».

بالنسبة لي، من الجدير بالملاحظة أن المحكمة الألمانية قد ذهبت إلى حد الاعتراض على آثار السياسة الاقتصادية الأوسع نطاقا لبرنامج شراء السندات الحكومية، بما يتجاوز ما يمكن أن يُحققه (وما زال يحققه) فيما يتعلق بالحفاظ على معدل التضخم في منطقة اليورو «أقل ولكن ما يقرب من 2 في المئة». هل قامت المحكمة الألمانية باستدعاء مجموعة من الشهود الخبراء تشمل الكينزيين القدامى والجدد، وأتباع النظرية النقدية، والسُلوكيين، والماركسيين لتقديم أدلة على هذه الآثار المُفترضة؟

إنها ليست دُعابة، فالوضع خطير للغاية، ومن غير المحتمل أن يتمكن مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي من إقناع المحكمة الألمانية بأن «أهداف السياسة النقدية التي يسعى برنامج شراء سندات القطاع العام إلى تحقيقها ليست غير متناسبة مع تأثيرات السياسة الاقتصادية والمالية الناتجة عن البرنامج». بعد كل شيء، من الواضح أن برنامج شراء السندات الحكومية له تأثير كبير على الشروط التي يمكن بموجبها لبعض الدول الأعضاء الوصول إلى أسواق الديون السيادية، وتُعد إيطاليا مثالا واضحا على ذلك، وكذلك اليونان، خصوصا بعد قرار البنك المركزي الأوروبي إدراج الدين العام دون مستوى الاستثمار في برنامج شراء سندات القطاع العام.

بالنظر إلى المستقبل، مع زيادة حجم العجز الحكومي الناتج عن الاستجابة الوبائية، قد تُصبح مشتريات الديون السيادية في إطار برنامج شراء السندات الحكومية مُحركات مهمة لتكاليف الاقتراض السيادية، فضلا عن وصول الدول ذات السيادة إلى الأسواق، فإذا رفضت ألمانيا فجأة المشاركة في برنامج شراء سندات القطاع العام، فقد تُواجه دولة أو أكثر من دول منطقة اليورو خطر انهيار الاتحاد النقدي.

والأسوأ من ذلك أن قرار المحكمة الألمانية لا يتناول فقط العلاقة بين برنامج شراء سندات القطاع العام والديون السيادية. على سبيل المثال، أعرب القضاة أيضا عن مخاوفهم بشأن آثار عمليات شراء أصول البنك المركزي الأوروبي ليس على الميزانيات العمومية للبنوك وأسعار الفائدة فقط، ولكن أيضا على الشركات التي تُعاني الإفلاس، وبالتالي على كل المُدخرين، والمُقرضين، وملاكي العقارات، والمُؤمن عليهم المُحتملين في منطقة اليورو.

نعم، تعني اعتبارات موازنة المحفظة المالية أن التيسير الكمي والتخفيف النوعي يؤثران بشكل سلبي على عوائد وأسعار الأصول، وبالتالي على النشاط الاقتصادي الحقيقي والرفاهية الاقتصادية للسكان المحليين والأجانب، وهذه قضايا مشروعة يتعين على البنك المركزي الأوروبي، والبرلمان الأوروبي، والمجلس الأوروبي أخدها بعين الاعتبار، لكنها ليست من اختصاص المحكمة الدستورية الألمانية.

* كبير الاقتصاديين السابق في شركة «سيتي غروب»، وأستاذ زائر في جامعة كولومبيا.

«ويليم إتش. بويتر*»

في جميع أنحاء العالم أصبح عدد متزايد من الحكومات والناس ينظرون إلى العولمة على أنها مخاطرة صافية
back to top