إيجابيات إيمانويل ماكرون

نشر في 11-05-2020
آخر تحديث 11-05-2020 | 00:00
 ريل كلير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جزء من القيادات الأوروبية القليلة التي يعرفها الأميركيون جيداً، ونظراً إلى إرث فرنسا المعاصرة في الثقافة والسياسة الأميركية فإنها تتمتع بتاريخ عظيم وهي معروفة بالأناقة والرقي.

يتميز ماكرون أيضاً بشخصيته واختلافه وجهوده الرامية إلى تشجيع زملائه الأوروبيين على تجديد التزامهم بالمسائل الأوروبية والعالمية، ويحاول أن يستفيد من الوضع قدر الإمكان، فلم تعد فرنسا قوة عالمية بارزة، وحتى أوروبا خسرت هذه المكانة اليوم، لكن يبقى ماكرون شخصاً جدياً ومثقفاً وفصيح الكلام، وهو يُذكّر الآخرين بأن القيادة السياسية في الديمقراطيات الليبرالية لا تعني بالضرورة الاختيار بين تبسيط المسائل وتجنب المجازفات.

يقود ماكرون فرنسا اليوم في حقبة مختلفة، لكن لا تزال بصمات شارل ديغول وفرانسوا ميتيران حاضرة في عهده حتى الآن، ويحاول ماكرون، على غرار هذين القائدين، أن يعيد فرنسا إلى تاريخها الغابر ويجدد اهتمام الشعب الفرنسي بما كانت عليه فرنسا في الماضي، فهو يظن أن فرنسا تستطيع أن تفرض نفوذها الدولي مجدداً عبر تأجيج الحماسة محلياً وتبادل الوعي مع الحكومات الأوروبية.

لكن ما البديل عن هذا الطرح؟ ربما يحاول ماكرون أن يستفيد من الوضع لكنه يبذل قصارى جهده على جميع المستويات، فهو لم يستسلم، بل يقيم توازناً بين تشاؤم المفكرين وتفاؤل أصحاب الإرادة القوية. إنها مقاربة لافتة!

القيادة ليست مهارة بحد ذاتها كما يظن الأميركيون، بل إنها حالة ذهنية وشكل من قوة الشخصية، وعلى القائد الحقيقي أن يطلق محاولات مستمرة، حتى لو تعارضت مع الثقافة السياسية التي تطغى عليها الشعبوية الأميركية بقيادة ترامب والامتثال الرجعي للحزب الشيوعي بقيادة شي جين بينغ.

في مقابلة جديدة مع صحيفة «فاينناشل تايمز»، يقول ماكرون: «أظن أن الاتحاد الأوروبي مشروع سياسي، وإذا كان مشروعاً سياسياً، يصبح العامل البشري على رأس الأولويات وتؤدي مفاهيم التضامن دوراً مؤثراً في هذا الإطار، ثم ينطلق الاقتصاد من هذه النقطة بالذات، ويجب ألا ننسى أن الاقتصاد علم أخلاقي»، لكن من يستطيع ابتكار هذا النوع من التفكير من بين القادة، فيشدد على الفكرة القائلة إن الاقتصاد علم أخلاقي كما قال آدم سميث يوماً؟

يعطي ماكرون، بصفاته القيادية، «معالم» واضحة لفرنسا وأوروبا، وهو يجدد الاهتمام بهما، لا سيما بين الأميركيين، حيث تستحق فرنسا وأوروبا أن نتذكرهما دوماً، لكن كم أميركي يعرف هوية رؤساء الحكومة المحاصرين في إسبانيا أو إيطاليا، أو القادة المستبدين في المجر أو بولندا؟ وما عدد المهتمين بمعرفة هذه المعلومات؟

بنظر الخبراء في المجال الجيوسياسي، أصبحت أوروبا مجرّد مساحة على خريطة العالم ولا يأتي الأوروبيون من مكان له ذكرى راسخة، والأسوأ من ذلك هو أن هذا الوضع لا يهمّهم كثيراً، لكنّ القادة السياسيين الحقيقيين لا يستطيعون تقبّل الموضوع.

طوال سنوات، كانت ملامح أنجيلا ميركل الجامدة وسياساتها النقدية الصارمة تجسد قلب أوروبا وروحها أو غياب جوهرها، لقد اعتُبرت زعيمة أوروبا الحقيقية أو حتى العالم الغربي كله، فكان هذا الوضع محبطاً جداً.

لكن بعد وصول بوريس جونسون إلى السلطة، تجدد الاهتمام ببريطانيا، ففي السنوات القليلة الماضية، من كان يهتم ببريطانيا بقيادة تيريزا ماي أو ديفيد كاميرون؟

هذه هي منفعة ماكرون! هو يحاول أن يستفيد من الحياة السياسية من دون أن يحصرها بالمصالح الوطنية الضيقة، إنه مسؤول حذق ولامع ومثير للاهتمام، وقد يعطي أداؤه نتائج مبتكرة، ومع القليل من الحظ قد يعتبر عدد إضافي من الشبان السياسة رسالة حقيقية.

قد يوحي هذا الوضع بمحاولة إقناع الناس بحجج ضعيفة، لكن لا بأس بذلك، فالحجج الصعبة لها قيمة خاصة، مع أن أصحاب الخبرة يعتبرون هذا التوجه مجرّد نظرة حالمة وتقليدية عن فرنسا وأوروبا.

* كاثرين بوتز

back to top