مع إطلاق الأقمار الصناعية إيران تغير قواعد اللعبة

نشر في 08-05-2020
آخر تحديث 08-05-2020 | 00:00
 في 22 أبريل أعلنت إيران نجاحها في وضع «نور» أول قمر صناعي في المدار الفضائي
في 22 أبريل أعلنت إيران نجاحها في وضع «نور» أول قمر صناعي في المدار الفضائي
يمتلك منقذ داغر سجلاً مميزاً من الدراسات الاستقصائية المتعمقة حول الشرق الأوسط، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالصراعات الحالية في كلا من العراق وسورية، حيث قام بالتعاون على نطاق واسع مع العديد من مؤسسات استقصاء الرأي الدولية الرئيسة وقام بنشر تلك الدراسات على نطاق واسع باللغة العربية.

في 22 من أبريل أعلنت إيران نجاحها في وضع أول قمر صناعي (أسمته نور) في المدار الفضائي، وذلك بعد عدد من المحاولات الفاشلة سابقاً، وقد أكدت قيادة الدفاع الفضائي الأميركية (NORAD) هذا النجاح، ورغم الأهمية العملية والعلمية لهذا الإنجاز الإيراني، فإن ما لا يقل أهمية هو قدرة إيران على تصنيع الصاروخ الذي حمل هذا القمر للفضاء والذي يعمل بالوقود السائل والصلب معاً، علاوة على ذلك يشير المدى الواضح للقمر الصناعي إلى أن إيران، من الناحية النظرية أصبحت قادرة الآن على إطلاق صاروخ يمكنه الوصول إلى أهداف في الأراضي الأميركية.

إن نجاح إيران في تطوير مثل هذا النوع من تكنولوجيا الصواريخ الفضائية العابرة للقارات قد غير قواعد اللعبة العسكرية-السياسية مع الولايات المتحدة، وحتى مع وجود العديد من العوامل الأخرى التي تؤدي حاليا دورا في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، فإن إطلاق القمر الصناعي سيكون له انعكاسات خطيرة على مستقبل العلاقات بين البلدين والتي تمر بأسوأ حالاتها.

والسؤال المهم هو: ما هذه الانعكاسات؟ ومن سيكون له القدرة على الاستفادة من هذا الوضع الجديد؟ وردا على عملية الإطلاق، صرح بومبيو أنه على جميع دول العالم إدانة هذا الخرق الإيراني الصريح لقرار مجلس الأمن رقم 2231 والصادر عام 2015 ، والذي ينص على "دعوة إيران لعدم القيام بأي نشاط يؤدي إلى تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية". وعلى الرغم من إعلان إيران وإصرارها أن نشاطها الصاروخي مخصص للأغراض السلمية وأن الإطلاق الحالي يحمل قمرا صناعيا لا رأسا نوويا فإن التكنولوجيا المستخدمة في كلا الحالتين متماثلة، ومع ذلك رفضت الولايات المتحدة هذا الادعاء بشكل قاطع، ويحتمل أن تدعو لجلسة لمجلس الأمن لمناقشة الردود المحتملة.

وبغض النظر عن الجدل القانوني وراء عملية الإطلاق، فإن التطورات الحاصلة ستنقل مستوى الصراع الأميركي- الإيراني لتصعيد جديد وخطير في آن واحد، حيث ساهم القلق بشأن التطورات الصاروخية الإيرانية في تشكيل السياسات والرسائل التي تبثها إدارة ترامب تجاه إيران، وبالعودة إلى مارس عام 2018 عندما لم تكن الصواريخ الإيرانية قد نجحت في بلوغ المديات التي تبلغها الآن، وضعت الإدارة الأميركية على لسان بومبيو وقف أنشطة الصواريخ البالستيكية الإيرانية كأحد الشروط الاثني عشر لرفع العقوبات عن إيران.

هناك سؤال يبدو مهماً الآن، لماذا اختارت إيران تلك اللحظة لعملية الإطلاق، وهل أخطأت في اختيار هذا التوقيت؟ هناك العديد من العوامل التي تؤثر بالفعل على التوترات الأميركية الإيرانية الأخيرة، وبصرف النظر عن استهدف وقتل قاسم سليماني مؤخرا، فإن الآثار المدمرة لتفشى فيروس كورونا على كل من إيران والولايات المتحدة لم تثنهما عن الإدلاء بتصريحات ضد الطرف الآخر أو في حالة الولايات المتحدة، بفرض عقوبات جديدة.

من وجهة النظر الإيرانية، تمثل الانتخابات الأميركية القادمة المفتاح لفهم المسار المستقبلي لهذه التوترات، فإيران كانت تراهن على خسارة ترامب للانتخابات في الانتخابات المقرر عقدها في نوفمبر، وترى أن الديمقراطيين سيكونون أكثر مرونةً في التعامل مع الملف الإيراني، خصوصا بالنظر إلى دور المرشح الرئاسي جو بايدن الذي نجح في الحصول على موافقة الكونغرس على خطة العمل الشاملة المشتركة خلال إدارة أوباما، وإن فكرة امتلاك إيران صواريخ بعيدة المدى لا تهدد إسرائيل والمملكة العربية السعودية- حلفاء الولايات المتحدة منذ فترة طويلة فقط– لكنها تهدد أميركا أيضا خصوصا أن هذه الصواريخ لديها القدرة على حمل رؤوس حربية نووية وهي بمثابة تغيير في اللعبة الاستراتيجية في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران.

وعلى هذا النحو، كان قرار إيران اختبار القدرة على إطلاق الأقمار الصناعية الآن محيراً إلى حد ما، ويبدو أن تحركها هذا قد قدم مبرراً رئيساً لسياسات ترامب إزاء إيران، ورغم أن السياسة الخارجية الأميركية لا تمثل عاملا مهماً للناخب الأميركي- خصوصا في ظل التحديات الاقتصادية الحالية التي تواجهها البلاد- لكن ما حصل يعزز صورة الرئيس الأميركي بين قاعدته الصلبة والمتمثلة بالرئيس القوي الصارم، كما أنها تساعده في رفع مستوى المخاوف بين ناخبيه وهذا عنصر أساسي لربح المعركة الانتخابية من قبل أي سياسي يعتمد على مقومات الفوز ذاتها التي يعتمدها الرئيس ترامب.

يبدو أن عملية الإطلاق أيضا وضعت الولايات المتحدة في وضع أفضل على المسرح الدولي أيضا، حيث إن دول العالم التي كانت داعمة للموقف الإيراني من الاتفاقية النووية، سيصعب عليها اتخاذ الموقف ذاتها بعد كشف إيران قدراتها الصاروخية الجديدة!

ونظرا للكيفية التي قد يؤثر بها إطلاق الصواريخ على السياسة الأمريكية تجاه إيران، فمن غير الواضح ما إذا كانت قوى الدولة الأكثر اعتدالا في إيران، مثل الرئيس ووزارة الخارجية سيرحبان بتوقيت إطلاق الصاروخ، ويبدو أن ذلك يمثل أهمية خاصة، حيث عبرت الإدارة الأميركية الحالية مرار وتكرارا عن استيائها من الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما نظرا لعدم تضمين ذلك الاتفاق موضوع الصواريخ البالستية التي تمثل تهديداً للأمن العالمي والإقليمي.

كما أن حملة الخارجية الإيرانية في الدفاع عن الموقف الإيراني ومهاجمة الموقف الأميركي كانت دوما ترتكز على عنصرين أساسيين هما العنصر القانوني، إذ إن إيران ملتزمة بالقانون الدولي فضلاً عن العنصر الإنساني، أي أن إيران دولة مسالمة ولا تشكل تهديدا للسلام الإقليمي أو الدولي. هذا العنصران المهمان في الدفاع الإيراني يواجهان تحدياً جدياً بسبب تداعيات إطلاق إيران لقمرها الصناعي.

بالنظر إلى كل هذه العوامل، يجب ألا يُنظر إلى عملية إطلاق القمر الصناعي على أنها سياسة تدعمها جميع أجهزة الدولة الإيرانية، بل كانتصار للحرس الثوري الإيراني على تيارات أخرى داخل السلطات الإيرانية، وهو الحدث الأحدث في صراع السلطة الذي دام سنوات ويمكن رؤيته أيضا في النهج الاستباقي الذي اتبعه الحرس الثوري في جهود الإغاثة الخاصة بمواجهة تفشى فيروس كورونا، وعلى عكس العناصر الأكثر اهتماما بالمفاوضات، فإن استراتيجية الحرس الثوري قد رسخت نفسها منذ فترة طويلة حول توظيف التهديدات، وخلق نوع من "سياسة حافة الهاوية النووية"، التي تم استغلالها بنجاح خلال إدارة أوباما حيث دفعت الدول الغربية للجلوس والعمل لإبرام صفقة جيدة مع إيران.

من الواضح أن الصراع على النفوذ والسلطة بين السلطات المدنية في إيران والحرس الثوري الإيراني قد تطور خلال العامين الماضيين، كانت استقالة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في فبراير 2019 إثر دعوة سليماني للأسد لزيارة طهران دون إبلاغه، مؤشرا واضحا لهذا الصدع، كما أدى اغتيال سليماني، زعيم الحرس الثوري الإيراني المؤثر للغاية والذي كان قريبا جدا من المرشد الأعلى خامنئي، إلى زيادة قوة المؤسسات الرسمية الإيرانية المدنية (الرئاسة ووزارة الخارجية ووزارة الأمن القومي وغيرها).

ويمثل تعيين مصطفى كاظمى كرئيس للوزراء في العراق خسارة أخرى للحرس الثوري الإيراني حيث تعتبره تلك المؤسسة من المقربين للولايات المتحدة.

كما عمدت عملية إطلاق القمر الصناعي عن طريق استخدام الصاروخ الباليستي من قبل الحرس الثوري الإيراني إلى استعادة المبادرة من المؤسسات المدنية الرسمية في إيران، ومن المرجح أن يستمر هذا الصراع ليكون سمة بارزة في السياسة الإيرانية في وقت تعمل فيه البلاد على إعادة البناء بعد تفشى فيروس كورونا، ومع ذلك لن ينتهي الصراع قريبا، وقد يكتسب المزيد من الزخم إذا مات المرشد الأعلى القوي.

والآن بعد أن قامت إيران بتغيير الوضع الراهن بشكل كبير، فإن الأمر متروك للولايات المتحدة لتحدد الخطوة التالية، حيث إن طريقة استجابة الولايات المتحدة لإطلاق القمر الصناعي هي من ستحدد اتجاه هذا الفصل الجديد في التوترات بين البلدين.

ونظرا لأن هذا التهديد الجديد قد يكون موضوعا للتقييم الشامل من قبل حكومة الولايات المتحدة، يحب أن يكون هناك إجماع أميركي داخلي على أن إطلاق الصاروخ يمثل خطرا واضحا وقائما على أمن الولايات المتحدة، ويجب على الإدارة الأميركية أيضا أن تنسيق استجابتها لهذا التهديد الخطير مع حلفائها الغربيين وعدم التصرف بطريقة أحادية. في حين أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يتفقوا بالضرورة على نهج بعينه تجاه إيران في الماضي، يجب أن تمثل الإجراءات التي اتخذتها إيران مؤخرا علامة واضحة على وجود تهديد خطير في طي التطور، كما يتطلب الوضع القيام بفتح قنوات اتصال مع دولة إيران مع الاستمرار في الضغط على الحرس الثوري الإيراني. ويمكن أن يمثل دعم القوى المعتدلة داخل دولة إيران البديل الحكيم للمواجهة الحالية مع النظام.

مهما يكن الجواب فإن قواعد لعبة المواجهة الأميركية الإيرانية قد تغيرت، ومثلما سيكون عالم ما بعد كورونا مختلفا عن عالم ما بعد كورونا فإن معطيات العلاقة الأميركية الإيرانية بعد إطلاق القمر نور ستختلف عن معطيات ما قبل هذا الإطلاق، ومن ثم، يجب فهم هذا الاختلاف والاعتراف به.

* منقذ داغر

back to top