رحلت راسمة «البسمة» وغاب الـ«قمر»

نشر في 24-04-2020
آخر تحديث 24-04-2020 | 00:04
 د. أحمد شعيب أرثيك يا أمي! وهل يستطيع إنسان رثاء جزء منه؟ لست كاتب مقال ولا أديباً تستطيع قريحته أن تسعفه بما تستحقين من الرثاء، لكن لعلي أستعين بما جادت به قريحة الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي لأقول بحق إنه لم يمُتْ لي ميت، بل مات فيّ ميت.

لأكُن صادقاً يا أمي، فأنا هنا لا أرثيك بقدر ما أرثي لحالي من بعدك، بعد غياب الـ"قمر" الهادي من سمائي، لكن عزائي أني أحتفظ بنورك في قلبي، ليظل يشع مالئاً أركان حياتي، رحلتِ يا أمي إلى من هو خير من كل أحد، وأَنعِمْ به من جوار! ونرجو لك الرحمة وأن يتغمدك الله بواسع فضله وعفوه. غادرتِنا يا أمي بعد ٤٣ عاماً من العمل في مستشفى الولادة، بدأتِها في سن الثالثة والعشرين، عام ١٩٧٧، بعد تخرجك من جامعة القاهرة عام ١٩٧٦ وقضائك سنة الامتياز في قصر العيني، كانت البداية في أواخر عهد الشيخ صباح السالم، لتدخلي المبنى الذي ظللتِ في أروقته ولم تغادريه حتى آخر العمر.

كانت أمي قمر زيدان، مسؤولة عن تدريب طلبة معهد التمريض داخل المستشفى وإلقاء المحاضرات فيه، وما زلت أذكر حين كنت طفلاً أنتظرها في الحديقة المقابلة للمعهد، لتعود معي إلى المنزل.

كنت أسمع منها القصص والحكايات عن المواليد كل يوم، وذكرياتها مع مدير مستشفى الولادة السابق د. سعيد العثمان، رحمه الله، ويومياتها مع المديرة السابقة للمستشفى د. منى عبدالصمد، وحبها لها، كما أخبرتني بميلاد أحفاد وزير الصحة السابق د. هلال الساير وحضوره ليلاً للاطمئنان عليهم. أثناء الغزو العراقي عام ١٩٩٠ كانت أمي تذهب إلى المستشفى بمفردها، وكم رفضت الرحيل عن الكويت، إلى أن تم قصف المنزل واضطُرت للرحيل باكية، تتساءل عن الأطفال الخُدّج، وممسكة بالنقود الكويتية الخضراء في يدها وهي تردد أن الكويت ستعود. لم تكن أمي، رحمها الله، تحب التكريم أو الحصول على شهادات تقدير، وتخجل من الصور، ولا تنظر مباشرة إلى الكاميرا أبداً، فمن يعمل لله في المقام الأول، ورداً لجميل وطنه ومساعدة للبشر، لا يهمه كل تلك الأضواء الزائلة، فما عند الله خير وأبقى. لكنها كانت تحب العلاقات الإنسانية، وتعتبرها تكريماً مثالياً، فخلال مشوار طويل، وتدريب متواصل لكوادر وطنية ومسوؤلية عن ٧٠٠ ممرضة، لم تغادر قمر زيدان الكويت إلا إلى الحج أو العمرة، وكانت رحلتها الأخيرة للعلاج آخر عهدها بالكويت، بعد أن دهمها المرض. ومن محاسن الأقدار أن تقابل أمي، في رحلتها تلك، الدكتور محمد العوضي بأرض المطار، وتسأله الدعاء لها، في معركتها مع مرض لا يرحم، ولم يمهلها سوى شهرين.

أم أحمد لم أستطع وداعك، وفرّقت بيننا ظروف الوباء وظروف عملي في الصف الأول، لا أدري هل حرمني الواجب من وداعك أم رحمني من لوعة الفراق؟!

في أمان الله يا أم أحمد، يا من رفعتِ الأذان والإقامة في أُذن كل مولود ولد على يديك، في أمان الله يا حافظة كتاب الله، في حفظ الله يا ريحة الجنة.

back to top