محنة المتشددين في إيران بعد انتشار « فيروس كورونا المستجد»

نشر في 24-04-2020
آخر تحديث 24-04-2020 | 00:02
جانب من مسيرات الاحتجاج ضد نظام الحكم في إيران
جانب من مسيرات الاحتجاج ضد نظام الحكم في إيران
من الواضح أن سياسة ترامب أطالت عمر المحافظين في إيران ومكنتهم من التصرف بسياساتهم على النحو المطلوب، وبدلاً من إعادة إيران إلى الوراء كما كان البعض يتصور في واشنطن فإن حملة «الضغوط القصوى» أسفرت عن تغذية الاعتقاد في أوساط الكثيرين في إيران بأن في وسع البلاد تعضيد مصالحها الإقليمية من خلال القيام بخطوات مماثلة للسلوك الأميركي.
بعد ظهور مؤشرات على تراجع حدة انتشار وباء كورونا المستجد في إيران يبدو أن شعبية المرشد الأعلى علي خامنئي أخذت بالازدياد على صعيدي السياسة الداخلية والخارجية.

وقد تسبب ذلك الوباء في مضاعفات حادة في إيران وتجاوز عدد الاصابات به في 13 أبريل 73.303 حالات وعدد الوفيات 4.585، كما طرح في الوقت ذاته التنوع في الحوكمة في ذلك البلد.

في غضون ذلك انتهز وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تلك الأزمة من أجل الدعوة الى دور أوسع للنظام السياسي الإيراني، وفي كلمة له في مناسبة عيد النيروز الذي يمثل بداية السنة الإيرانية قال ظريف إن بلاده في حاجة الى "تغيير عقلي" من أجل مواجهة "العقوبات وفيروس كورونا" كما يتعين عليها "إعادة بناء أسلوبها في الحوكمة"، وشدد وزير الخارجية على أهمية الدعم من الإيرانيين في الخارج.

وعلى العكس من ذلك، وبعد أيام قليلة فقط ألقى خامنئي أول خطاب رئيس له في رأس السنة الإيرانية ويجري ذلك بشكل تقليدي عند مزار الإمام رضا في مدينة مشهد الواقعة في شمال البلاد ولكنه- ولأسباب واضحة- تحدث أمام آلات تصوير تلفزيونية في هذه السنة، ودافع خامنئي في كلمته عن نموذج إيران في الحوكمة الإسلامية كما رفض عرض المساعدة الذي قدمته الولايات المتحدة، ومضى الى حد اتهام الإدارة الأميركية بنشر وباء كورونا المستجد، وشدد المرشد الأعلى على ضرورة أن يتقيد المسؤول الحكومي المثالي بالشريعة الإسلامية.

وتنقسم السياسة في إيران إلى مدرستين: الأولى تدعو إلى مزيد من الانفتاح في النظام السياسي والى سياسة خارجية تقوم على حل النزاعات عن طريق الدبلوماسية في حين تدعو المدرسة الثانية الى تعزيز الحكم الضيق على الصعيد الداخلي وعلى زخم القوة على الصعيد الخارجي، وقد اكتسبت المدرسة الثانية المرتبطة بخامنئي ومعسكر المحافظين في طهران زخماً جديداً عن طريق أسلوب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في التعامل مع إيران ودول العالم الأخرى.

وفي خريف عام 2015 وبعد أشهر من توصل إيران و6 دول عالمية- بما فيها الولايات المتحدة- إلى الاتفاق النووي المعروف حذر خامنئي من "انتهاكات اقتصادية وأمنية" ومن "تغلغل سياسي وثقافي" من جانب قوى أجنبية، واليوم يستخدم الحرس الثوري الإيراني ذريعة "التغلغل" من أجل قمع مزدوجي الجنسية وغيرهم وقطع الطريق على نهج الانفتاح الذي اختطه الرئيس المعتدل حسن روحاني.

سياسة روحاني

وكان الرئيس حسن روحاني قد انتخب في عام 2013 على أساس بيان تركز على تحسين العلاقات الخارجية إضافة إلى حل الأزمة النووية عن طريق العمل الدبلوماسي، ومع بدء العمل بالاتفاق النووي شهد روحاني تحسناً وتعافياً سريعاً في الأنشطة الاقتصادية وارتفع معدل النمو في إيران من المستوى السلبي عند 5.8 في المئة الى نحو 7 في المئة في عام 2016، وخلال عام بعد رفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران هبط معدل التضخم الى رقم أحادي وذلك لأول مرة منذ عقود من الزمن، كما أن الشركات الأجنبية مثل بوينغ ورينو وسيمنس وتوتال والكثير غيرها بدأت بتوقيع اتفاقيات تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات وتبين أيضاً أن الاستثمارات الخارجية المباشرة شرعت بالارتفاع الجلي وازدحمت فنادق طهران بالنزلاء والمستثمرين والسياح من الخارج.

وفي ضوء هذه التطورات تحركت المجموعات المتشددة ضمن الحرس الثوري وغيره من المؤسسات للعمل ضد هذا التقدم ولتقويض الأجندة التي طرحها الرئيس روحاني، وأعقب ذلك موجة من الاعتقالات طالت بشكل خاص الإيرانيين مزدوجي الجنسية والرعايا الأميركيين وبدأت المفاوضات خلال المفاوضات، وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص الذين تم اعتقالهم قد أطلق سراحهم على شكل جزء من عملية التبادل التي تصادفت مع تنفيذ الاتفاق النووي في شهر يناير من عام 2016 فقد أقدمت الجمهورية الإسلامية على إصدار حكم بالسجن لعشر سنوات على سبعة أشخاص آخرين من مزدوجي الجنسية اتهموا بالتغلغل، وكان من بينهم باقر وسياماك وهما من الرعايا الإيرانيين الأميركيين اللذين كانا يدعوان الى الاتفاق النووي ورفع العقوبات المفروضة على إيران.

تقدم الرئيس روحاني

وعلى الرغم من تلك التطورات فقد صمد الرئيس حسن روحاني وحقق تقدماً سياسياً خلال الفترة التي أعقبت الاتفاق النووي كما أن وزير الاستخبارات في حكومته طالب بإنهاء الاعتقالات المرتبطة بالتغلغل، ولكن من دون جدوى، ومضى بعد ذلك، وفي إحدى المناسبات الى القول إن "استخدام تحذير المرشد خامنئي ضد التغلغل من أجل تحقيق غايات سياسية يناقض هدف المرشد ويزيد من صعوبة مواجهة التغلغل".

في غضون ذلك اكتسح السياسيون الإصلاحيون والمعتدلون الانتخابات البرلمانية الإيرانية في عام 2016، وفي عام 2017 حصل الرئيس روحاني على إعادة انتخاب متفوقاً على المرشح المتشدد إبراهيم ريسي وذلك في أعقاب سلسلة من المناظرات الحامية التي فند فيها الحرس الثوري بسبب اختبارات صواريخ بالستية تحمل شعارات استفزازية ضد إسرائيل.

واستمر المتشددون الإيرانيون في تشكيكهم وشجعوا العامة على الخطوة ذاتها، وطوال مفاوضات الاتفاق النووي وبعد انتهائها كان المرشد خامنئي يحذر من الثقة بالتزام الولايات المتحدة، وعشية توقيع ذلك الاتفاق أقر بأنه يمثل تجربة تظهر إمكانية التفاوض مع الغرب حول قضايا أخرى مع الإشارة الى العقوبات الأميركية التي تعرقل التجارة وتظهر سوء نية الإدارة الأميركية نحو إيران بصورة واضحة.

اللافت أن الانقلاب ضد مدرسة الرئيس روحاني لم يصدر عن خصومه السياسيين بل عن الولايات المتحدة، وفي مايو 2018 انسحبت الإدارة الأميركية من الاتفاق النووي مع إيران الذي فاوضت عليه الإدارة السابقة، ووافق عليه مجلس الأمن الدولي.

وقد أسفر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عن تجريد الرئيس روحاني وأنصاره من سلاح التوجه السياسي، كما قوض الدعوة الى الحل الدبلوماسي. وتحول روحاني بعد ذلك الى بطة عرجاء وفاز المحافظون في الانتخابات النيابية، وفي شهر مارس 2019 عين خامنئي منافس الرئيس ريسي رئيساً للقضاة في إيران.

وفي أعقاب ذلك تراجع دور الرئيس روحاني وتصدر ريسي حملة مكافحة الفساد التي عززت قوة المحافظين وتأثيرهم على عملية البحث عن خليفة للمرشد خامنئي الذي بلغ الثمانين من العمر، وبحسب استطلاع للرأي أجرته جامعة ماريلاند أصبح ريسي اليوم الشخصية الأكثر شعبية من روحاني متفوقاً عليه بهامش كبير. وأصبحت الأجواء في إيران أشد قسوة، ولكن لا يبدو أن المتشددين يخشون من أن تفضي الدبلوماسية الى تغيير النظام من الداخل.

دور سياسة ترامب

وأصبح من الواضح أن سياسة ترامب أطالت عمر المحافظين في إيران ومكنتهم من التصرف بسياساتهم على النحو المطلوب، وبدلاً من إعادة إيران الى الوراء كما كان البعض يتصور في واشنطن فإن حملة "الضغوط القصوى" أسفرت عن تغذية الاعتقاد في أوساط الكثيرين في إيران بأن في وسع البلاد تعضيد مصالحها الإقليمية من خلال القيام بخطوات مماثلة للسلوك الأميركي.

وإضافة إلى ذلك فقد ولدت سياسة ترامب معارضة ليس من جانب إيران فحسب بل من شتى دول العالم وذلك نتيجة دفعها الحكومات الى العمل ضد مصالحها، وكان أن استغل المتشددون في إيران هذا التوجه بنجاح.

ومما لا شك فيه أن الكثير من الاستراتيجيين في إيران راقبوا بسرور تخلي ترامب عن القانون الدولي من الاتفاق النووي الى محكمة الجنايات الدولية، وراقبوا كيف قلص ترامب العلاقات العابرة للأطلسي وزيادة تورط السعودية في اليمن وتمزيق مجلس التعاون الخليجي، ويعتبر ترامب بالنسبة الى المتشددين في إيران نعمة دائمة لأنه أفقد الثقة بالولايات المتحدة ليس في إيران فقط، بل في أوساط الأكراد والفئات الأخرى في منطقة الشرق الأوسط.

وفي حقيقة الأمر فإن غاية طهران الرئيسة خلال فترة الضغوط القصوى كانت إظهار عدم التزام الولايات المتحدة بوعودها الى حلفائها، كما أن السنة الأولى من الضغوط شهدت التزاماً من جانب إيران بالاتفاق النووي، وحصلت بذلك على دعم سياسي من معظم دول العالم، وفي شهر مايو من عام 2019 وصلت الأوضاع الى مرحلة خطرة من التصعيد، وقد قررت إدارة ترامب إلغاء العفو عن آخر الدول التي كانت لا تزال تستورد النفط الإيراني، واعتبرت الحرس الثوري منظمة إرهابية. عندها بدأت إيران حملة تصعيد مقابلة وأعقب ذلك حدوث سلسلة هجمات على ناقلات النفط في الخليج خلال الصيف الماضي وعلى مصافي النفط السعودية في شهر سبتمبر، وإضافة الى ذلك قلصت إيران بصورة تدريجية تقيدها بالاتفاق النووي وزادت الهجمات بالوكالة في المنطقة.

وثمة حقيقة مؤكدة، وهي أن وباء كورونا ألحق الضرر بشدة بإيران، ولكن لا توجد مؤشرات على أنه- كما كانت الحال مع الضغوط القصوى- سيفضي الى انهيار حكومة طهران.

*سينا توسي

وباء كورونا ألحق الضرر بشدة بإيران ولكن لا توجد مؤشرات على أنه سيفضي إلى انهيار حكومة طهران

ترامب بالنسبة إلى المتشددين في إيران نعمة دائمة لأنه أفقد الثقة بالولايات المتحدة في إيران وفي أوساط الأكراد والفئات الأخرى
back to top