دروس مستقاة من كوريا الجنوبية في محاربة الأوبئة

نشر في 17-04-2020
آخر تحديث 17-04-2020 | 00:00
عندما يتعلق الأمر بكورونا المستجد لجأت كوريا الجنوبية إلى نقل عمليات الرصد الى مستويات جديدة، وعندما يغادر الركاب الطائرات في مطار إنشيون الدولي على مقربة من العاصمة سيئول فإنهم يمرون عبر نقاط تفتيش إلزامية للتأكد من درجة حرارة أجسامهم إضافة إلى تعبئة طلب تشخيص تقدمه وزارة الصحة الكورية الجنوبية، وبمجرد وصولهم إلى الوجهة التي يريدونها يتعين عليهم استخدام ذلك الطلب من أجل الإبلاغ عن أي تطور في حالتهم، يشير الى تعرضهم للإصابة بفيروس كورونا المستجد، ويتم بعد ذلك متابعة من يتبين إصابتهم بالوباء وإبلاغ جيرانهم في اتصالات هاتفية بضرورة توخي الحذر.

وكانت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أكدتا أول إصابة بالوباء خلال يوم واحد بين الدولتين، ولكن عدد الإصابات في الولايات المتحدة بعد ذلك وصل إلى 6 أرقام في حين سجلت كوريا الجنوبية عشرة آلاف حالة إصابة فقط، وشهدت أيضاً تراجعاً في وتيرة العدوى، وتبلغ معدلات الوفاة نتيجة الوباء في كوريا الجنوبية ثلث معدلاتها في الولايات المتحدة، كما أن عدد اختبارات التحقق من الإصابة وصل إلى ثلاثة أمثال نظيره في الولايات المتحدة، ويرجع ذلك في جزء منه إلى الشركات في كوريا الجنوبية التي تنتج أكثر من 350 ألف حقيبة فحص في اليوم وتخطط لرفع الإنتاج الى مليون حقيبة في وقت قريب.

ولكن عمليات الرصد والمتابعة في كوريا الجنوبية هي واحدة من الجوانب الصغيرة الرامية الى محاربة وباء كورونا المستجد كوفيد– 19، وقد أثبتت استجابة كوريا الجنوبية التي اشتملت على مزيج من إجراءات سريعة وخطوات تنسيق مبتكرة مع الحكومة الوطنية فعالية حقيقية في احتواء الوباء، ويمكنها توفير درس للدول الأخرى– وخصوصا الولايات المتحدة– التي تعثرت في هذا الصدد، ولكن نظراً لأن الولايات المتحدة هدرت الكثير من الوقت الثمين في احتواء الفيروس فإنها قد تضطر الى النظر بعناية الى طريقة كوريا الجنوبية في طرح الحلول الفعالة إذا كانت تريد إنقاذ الأرواح وإعادة تشغيل الاقتصاد ومنع انحداره.

أهمية الوقت

الحرص على عنصر الوقت في استجابة كوريا الجنوبية لمحاربة فيروس كورونا المستجد أدى دوراً مهماً في احتوائه، وخلال أقل من أسبوع بعد اكتشاف سيئول لأول إصابة بالفيروس في العشرين من شهر يناير الماضي عقدت السلطات الصحية اجتماعاً مع 20 من رؤساء شركات طبية وصيدلانية من أجل البدء بإنتاج حقائب اختبار، ثم أعقب ذلك الإعلان الحكومي حالة طوارئ في 23 فبراير، وقد تطلب الأمر من إدارة دونالد ترامب الانتظار ثلاثة أسابيع للقيام بالخطوة ذاتها.

وفي نهاية شهر يناير- وبعد تسعة أيام فقط من اكتشاف أول حالة إصابة ايجابية تم تأسيس مراكز كوريا لمراقبة المرض كما أن خدمة الضمان الصحي الوطنية أقامت أحد مراكز الاتصالات الهاتفية من أجل التعاون مع المواطنين وجمع المعلومات المتعلقة بالفيروس، وفي الوقت نفسه قامت وكالة السلامة المهنية الكورية بتوزيع أكثر من 700 ألف كمامة إلى أماكن العمل المعرضة للإصابة، وبعد نحو أسبوعين من أول إصابة مؤكدة وافقت الحكومة على توزيع حقائب اختبار تستطيع تقديم نتائج خلال 6 ساعات وأعقب ذلك قيام الحكومة باختبار أكثر من عشرين ألف شخص يومياً.

وتنسب هذه الاستجابة السريعة إلى الدروس التي تعلمتها كوريا الجنوبية من متلازمة الجهاز التنفسي في الشرق الأوسط التي انتشرت في عام 2015، وخلال ذلك الوباء عانت كوريا الجنوبية انتشارا واسعا له لأن استجابة الحكومة كانت بطيئة وغير فعالة، وقد افتقرت الجماهير يومها الى المعلومات المتعلقة بالفيروس كما افتقرت البلاد الى حقائب اختبار كافية لتغطية أعداد المصابين.

دولة ابتكارات

ترجع استجابة كوريا الجنوبية البناءة إزاء الوباء الجديد الى كونها دولة ابتكارات والى استخدامها لوسائل التقنية الحديثة، وبعد شهر واحد فقط من اكتشاف أول حالة إصابة، على سبيل المثال، طرح المسؤولون فكرة إقامة منشأة للاختبار داخل السيارات وتحقق ذلك في موقف للسيارات في إحدى الجامعات في 23 فبراير الماضي، ويوجد الآن أكثر من 70 منشأة من هذا النوع وأكثر من 600 منشأة اختبار في شتى أنحاء البلاد، وسمحت هذه الطريقة بإجراء اختبارات للآلاف من المواطنين يومياً حتى مع المحافظة على التباعد الاجتماعي لأن عملية اختبار المرضى تتم وهم ينتظرون داخل سياراتهم.

وثمة فكرة أخرى بسيطة لكنها عملية وتعرف بنظام "الموقع المخصص"، حيث تقوم الحكومة فيه بتخصيص بعض المواقع والمنشآت الطبية من أجل معالجة حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد بصورة حصرية في حين تتم معالجة الأمراض الأخرى في مواقع مختلفة، وقد ساعد هذا النظام في إبقاء المصابين بفيروس كورونا بعيداً عن المرضى الآخرين وخفض إمكانية انتشار الوباء.

سياسات وطنية بصورة تامة

كانت استجابة كوريا الجنوبية لمحاربة فيروس كورونا المستجد لافتة بدرجة جلية بسبب مشاركة الحكومة بفعالية فيها، وقد استقطبت الحكومة الشعب والقطاع الخاص من أجل العمل لحل هذه الأزمة، ولم تترك للسلطات المحلية وحدها تلك المهمة، وشرعت السلطات الوطنية في العمل للتعافي من تداعيات الوباء الاقتصادية وذلك عن طريق تقديم حزم مساعدات الى المدن والأقاليم وتأجيل دفعات الضمان الاجتماعي إضافة الى تقديم دفعات نقدية الى عائلات متدنية الدخل.

وتجلت تلك المساهمة بقدر أكبر في توفير الكمامات عن طريق إعلانها في الخامس من شهر مارس أنها ستشتري 80 في المئة من الكمامات التي تنتج محلياً، وأعطت الأولوية في طرح الكمامات الى المستشفيات ثم سمحت للمواطنين بشرائها في أيام محددة وفقاً لسنوات الولادة من أجل منع التزاحم والفوضى، وأفضت سيطرة الحكومة على عملية التوزيع الى تمكين المواطنين من شراء الكمامات من الصيدليات ومكاتب البريد والتعاونيات الزراعية.

تعثر الإجراءات الأميركية

استجابة الولايات المتحدة إزاء محاربة الوباء حفلت بالكثير من التعثر والخلل في مراحلها المبكرة، وأفضت إلى هدر الكثير من الوقت، وكان دونالد ترامب يظن بشكل مبدئي أن فرض حظر على السفر إلى الصين وأوروبا كان كافياً من أجل منع انتشار الفيروس، وقد فاقم من سوء الوضع في الولايات المتحدة أن مراكز مكافحة الأمراض أنتجت حقائب اختبار غير عملية ولم تسمح إدارة الأدوية الفدرالية باستخدامها.

كما أن خطة الإدارة الأميركية الرامية إلى إعادة فتح أبواب الاقتصاد في وقت قريب ستتطلب الاستفادة من دروس كوريا الجنوبية في تحجيم تداعيات الفيروس، كما أن عمليات الرصد والمتابعة الفعالة كان يجب أن تسهم في احتواء انتشار الوباء في وقت مبكر، ولا بد من التذكير بأن على الولايات المتحدة قبل أن تقرر إعادة فتح الاقتصاد بصورة آمنة القيام باختبارات ومعرفة كيفية رصد الاتصالات بطريقة مضمونة.

وتتمثل احدى طرق القيام بذلك في تكليف وتدريب جيش من الفنيين للعمل على رسم خريطة طريق من أجل الخروج من الخندق، ويضاف الى ذلك أن الولايات المتحدة تستطيع اتباع وسيلة كوريا الجنوبية لتحقيق هذه الغاية، وذلك عبر استخدام الهواتف الخلوية لدى السكان، ولكن العقبة هنا تتمثل في حرص الشعب الأميركي على الخصوصية واعتبارها حقاً دستورياً له ما قد يفضي الى رفض الفكرة بصورة تامة وتفضيل الانتظار الى أن يتم التوصل الى لقاح ضد الفيروس.

ولكن فترة الانتظار هذه قد تمتد الى أكثر من عام، ويمكن أن تسفر عن قيود وتبعات مالية ومادية ونفسانية لا يمكن تحديدها في الوقت الراهن، وربما تنطوي التطبيقات الهاتفية في كوريا الجنوبية على حل ممكن، وهي تستخدم بشكل فعلي تقنية "جي بي إس" المعروفة في أوساط الشعب الأميركي، ونظراً لتأخرها في الاختبار والرصد يتعين على الولايات المتحدة القيام بهذه الخطوة غير المريحة ولو بصورة مؤقتة، وبخلاف ذلك فإنها ستغامر بخسارة عشرات الآلاف من الأرواح مع ما يستتبع ذلك من ردود فعل سيئة ليست في مصلحة إدارة ترامب على أي حال.

• فيكتور تشا

معدلات الوفاة نتيجة الوباء في كوريا الجنوبية هي ثلث معدلاتها في الولايات المتحدة
back to top