«زلزال الفيروس» يضع آمال «الشعبويين» على المحك

انهيار 2008 كان لمصلحتهم... والتحدي البيولوجي عرّى خطابهم

نشر في 10-04-2020
آخر تحديث 10-04-2020 | 00:06
هنديتان تمرّان فوق صورة مرسومة للفيروس على طريق في مدينة شيناي أمس	 (أ ف ب)
هنديتان تمرّان فوق صورة مرسومة للفيروس على طريق في مدينة شيناي أمس (أ ف ب)
مهدت الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة طريق البعض إلى السلطة، ومع تفشي فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض «كوفيد - 19» في العالم منذ أكثر من 3 أشهر، يتبادر إلى الذهن سؤال عما إذا كانت هذه الأزمة الجديدة ستضعف سيطرة هؤلاء على السلطة.

زلزال 2008

وذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء، في تقرير لها حول الوضع الجديد الذي يواجهه عالم اليوم، أن تداعيات الانهيار المالي لعام 2008، أفرزت زلزالا انتخابيا قلب السياسات الحزبية في عالم ما بعد الحرب، وجاءت سلالة جديدة من الشعبويين إلى الحكم وحولت موازين القوى العالمية عن أميركا باتجاه الصين. وربما يكون لأزمة كورونا نفس التأثير.

لكن من السابق لأوانه التكهن بالحكومات التي ستعاني سياسياً من تعاملها مع الفيروس الشرس، إذ يستمر ارتفاع عدد الوفيات، ويظل ربع سكان العالم في حالة إغلاق. ومن غير الواضح معرفة تأثير «كورونا» على رؤساء مثل دونالد ترامب في أميركا أو جايير بولسونارو في البرازيل، أو زعيم المعارضة الإيطالية ماتيو سالفيني.

كذلك ليس من الواضح ما إذا كانت الصين ستنجح أو تفشل في تحويل مرض، يبدو أنه بدأ رحلته من مقاطعة هوبي إلى جميع أنحاء العالم، إلى فرصة جيوسياسية، حيث تنقل فرقا طبية وإمدادات من الأقنعة ومعدات أخرى لتلميع صورتها في دول مثل إيران وإيطاليا.

ولكن ما هو واضح بالفعل هو أنه بالنسبة للقادة الشعبويين الذين يسعون جاهدين من أجل تصوير بلادهم على أنها واقعة تحت الحصار، يثبت فيروس كورونا أنه يمثل تحديا، هذه المرة العدو غير مرئي لا يتناسب بسهولة مع الرواية البسيطة لمناهضة النخبة أو المهاجرين أو العلم والتي أثبتت أنها مثمرة سياسياً من قبل.

السياسة الحقيقية

ويقول الطبيب آهن تشول سو، وهو مرشح سابق لرئاسة كوريا الجنوبية، إن فيروس كورونا لا يخلق فقط «اختبارا داروينيا» يكشف عن أي الأنظمة والمجتمعات أقدر على التأقلم مع الوضع، بل سيزيد عدد المواطنين الذين يؤكدون أهمية دعم القرارات السياسية بالحقيقة.

ويضيف آهن، الذي شكل مجموعة سياسية تفرض تحديا في الانتخابات البرلمانية في 15 أبريل: «سيساعد ذلك في نهاية المطاف على بناء مشهد سياسي لا تتأثر فيه الجماهير بالشعبوية. وهذا سيجعل الشعبويين يخسرون الأرض في نهاية المطاف».

وفي الوقت نفسه، سعى بعض القادة إلى الاستفادة من عدم الارتياح على نطاق واسع الناجمة عن انتشار فيروس كورونا عبر الكرة الأرضية المترابطة بشدة بفضل سرعة الطائرات الحديثة. لقد أجبر الفيروس الشرس، حتى الحكومات التي تفضل العولمة، على وقف حركة السفر وتعطيل سلاسل الإمداد.

بعد رفض شدة الجائحة في البداية، غرد ترامب بأن «هذا هو سبب حاجتنا إلى الحدود!» وأشار إلى فيروس كورونا على أنه «صيني» قبل التراجع عن موقفه.

وفي المجر، ركز رئيس الوزراء فيكتور أوربان في البداية الغضب الشعبي على مجموعة من الطلاب الإيرانيين الذين تم عزلهم، وأظهرت نتيجة فحصهم في وقت لاحق أنها إيجابية. ومع انتشار الفيروس في المجتمع بشكل أوسع نطاقا، تخلى أوربان عن موقفه المناهض للمهاجرين الذي ساعده على الفوز في انتخابات ثالثة على التوالي في عام 2018.

حجج سالفيني لا تلقى صدى

وربط سالفيني، زعيم حزب الرابطة الذي يضرب بجذوره في شمال إيطاليا الأكثر تضررا من كورونا، انتشار المرض بالمهاجرين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا من شمال إفريقيا، لكنه لم يقدم أي دليل يعزز رؤيته.

وقال مسؤول في حزب الرابطة إن حكام الأقاليم في شمال إيطاليا طلبوا في أوائل فبراير فرض الحجر الصحي على كل القادمين من الصين، مشيراً إلى أن هذه الجائحة انفجرت بسبب عدم تصرف حكومة روما بالسرعة الكافية.

وصور سالفيني، وهو وزير داخلية سابق، رئيس الوزراء جوزيبي كونتي على أنه لا يفعل إلا القليل وببطء، بينما يتهمه في الوقت نفسه بفرض قرارات نخبوية دون استشارة البرلمان. غير أن أيا من هذه الحجج لم تكتسب زخما حتى الآن، في بلد يكافح للتعامل مع ما أصبح بسرعة أكبر تفش للمرض في العالم.

وبدلا من ذلك، يحتشد الإيطاليون خلف مؤسساتهم في حالة الطوارئ. وساهمت سياسة كونتي بفرض أكثر حالات الإغلاق صرامة حتى الآن، في تسجيل شعبية حكومته رقما قياسيا وصل إلى دعم 71 في المئة من الإيطاليين لها في مارس.

حزب ميركل يزدهر

يبدو أن هناك ديناميكية مماثلة تتكشف في ألمانيا. تعرضت المستشارة أنجيلا ميركل وحزبها الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحاصر بالمشاكل لأضرار بالغة في الانتخابات، بسبب موجة اللاجئين الذين فروا إلى ألمانيا هربا من الحرب السورية في 2015 - 2016. وهم يشهدون الآن ارتفاع مستوى شعبيتهم على خلفية استجابتهم للوباء. وأظهر استطلاع حديث أن دعم الديمقراطيين المسيحيين قد قفز بخمس نقاط مئوية.

وانضم الحزب تقليديا إلى أقرانه الذين يتوخون الحذر من الناحية المالية مثل الجمهوريين الأميركيين والمحافظين البريطانيين، في التخلي عن الالتزامات الأيديولوجية لخفض عجز الميزانية.

وفي المملكة المتحدة، طغت الضرورة الملحة المحيطة بكوفيد 19 على الجدل حول شروط خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي وكذلك على الحديث عن بداية مغازلة رئيس الوزراء بوريس جونسون، للشعبوية.

وعبر جونسون بشكل واضح عن احترامه لخبراء الطب وعلماء الأوبئة في محاولته الأولية لاتخاذ نهج مدروس لمكافحة المرض، وخلال حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان هؤلاء الخبراء موضع سخرية متعمدة.

وفي حين أن سالفيني يتمتع برفاهية المعارضة ويواجه في أسوأ الأحوال مخاطر التهميش، تعد المخاطر أكبر بالنسبة لترامب وبولسونارو.

back to top