دهاليز القصور

نشر في 07-04-2020
آخر تحديث 07-04-2020 | 00:19
 د.نجم عبدالكريم صحيح أن الجالس على كرسي الحُكم أشبه ما يكون براكبٍ على ظهر أسد لكي يخيف به الناس، بينما هو أشد الناس رعباً مما تحته. لكن رغم خطورة هذه المعادلة غير المضمونة العواقب – كما ورد لنا في التاريخ – فإن الكثير ممن جلسوا على كرسي الحُكم لم يقرأوا تاريخ مَن سبقوهم، وضربوا عرض الحائط بكل صور ذلك الفتك الدموي الذي سيق إليه عُشاق الجلوس على ذلك الكرسي دون أن يكونوا جديرين بالقيام بواجبهم الأخلاقي والإنساني لمقتضيات جلوسهم عليه، وإنما كرَّسوا جلَّ اهتمامهم باستخدام نفوذهم لإشباع نزعاتهم، ظانين أن الأسد الذي يخيفون به الناس لا يغدو أرنباً بين عشية وضحاها أمام ثورة مَن يضحون بكل شيء من أجل حصولهم على حُريتهم وكرامتهم الإنسانية.

***

• هذا المدخل فرض نفسه، بعد أن اطلعت على الكثير من قصص التآمر للوصول إلى كرسي الحُكم، والتي تدور بين دهاليز القصور على امتداد التاريخ. وقد اخترت اليوم أخفها وطأة لواقعة حدثت في روسيا عام 1774، حينما طلبت القيصرة كاثرين الثانية، التي لم يكن حكمها ثابتاً، من الوسيم أورلوف أن يستخدم سيطرته على تراكانوفا، وهي الوريثة الشرعية لحكم روسيا، بإزاحتها عن طريقها، ليتسنى لها التفرد بالحُكم. وسوف ألخص لقراء "الجريدة" كيف تم ذلك بهذا الحوار القصير الذي دار بين كاثرين وأورلوف، بعد أن أنهى مهمته بنجاح.

***

• ألم يكن يؤثر عليك جمال تلك المرأة؟

- كلا يا مولاتي، لأن جمالها أشبه ما يكون بنور شمعة باهت ولا يقاس بشمس جمالك المبهر.

• أكانت تحبك؟

- لولا ذلك لما تمكنت من إقناعها، بأن نكون معاً على المدمرة التي ستبحر بي وبها فقط وسط البحر.

• كيف وقعت فريسة لخدعتك الساذجة وهي حادة الذكاء؟

- لنقل يا مولاتي إنني أحسنت أداء دوري.

• هل حصلت منها على الوثائق التي تزعم أنها تعطيها الحق في التاج؟

- نعم يا مولاتي... سرقتها منها دون أن تشعر، حيث كانت في نشوةٍ من الغرام.

• كيف استدرجتها؟

- حدَّثتني يوماً أنها تتمنى أن نكون معاً بمفردنا في البحر، فاقترحت عليها أن نبحر على المدمرة فلودومير الراسية بالقرب من القصر... وهكذا كانت النهاية.

• أين هي الآن؟

- محجوزة في غرفة صغيرة بمؤخرة السفينة.

• إذاً اذهب إليها، واطلب منها التنازل، لعدم وجود ما يثبت أحقيتها في التاج.

- مولاتي، ليتك تعفيني، فلا أجسر على مواجهتها بعد ما كان مني.

• هل رق قلبك؟

- كلا، لكنني أعتقد أنها تفضِّل الموت على أن تستجيب لهذا الطلب.

***

• وبينما كانت الأميرة تراكانوفا في الغرفة الصغيرة على المدمرة أدركت أن الماء يرتفع حتى بلغ عنقها فصرخت، حتى وصل إلى فمها، فأنفها... فشهقت شهقتها الأخيرة.

***

• أما الصراع على كرسي الحُكم في عالمنا العربي والإسلامي، فالحديث عنه بلا حرج... فقد تجاوز كل الأعراف الدينية والأخلاقية والإنسانية.

back to top