في الحرب ضد فيروس كورونا... الصين صديقة أم عدوّة؟

نشر في 03-04-2020
آخر تحديث 03-04-2020 | 00:00
  رئس الصبن شي جين بينغ - رئس الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب
رئس الصبن شي جين بينغ - رئس الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب
يؤكد العلماء دوماً أهمية التعاون في مجال الأبحاث لأنه يحسّن النتائج النهائية بشكل عام، وفي هذا العصر الذي كسر احتكار بلدان معينة للابتكارات العلمية، يعطي التعاون في مسائل عاجلة مثل فيروس كورونا المنافع أكثر مما يتكبد الخسائر.
كي تنجح الولايات المتحدة في هزم فيروس كورونا وتعود إلى وضعها الطبيعي قبل بدء هذا الكابوس، هل يجب أن تعتبر الصين عدوة تستحق أن يتأهب البلد لمواجهتها؟ أم أنها شريكة تستحق تعاون الأميركيين معها للانتصار على الوباء؟ ثمة إجماع عام في واشنطن على اعتبار الصين جزءاً من المشكلة، لكن لا يمكن النجاح في هذه الحرب ضد فيروس كورونا ما لم تصبح الصين جزءاً من الحل.

من الواضح أن المنافسة المحتدمة والمتزايدة بين الولايات المتحدة والصين ستصبح عاملاً حاسماً في علاقة البلدين، إنها نتيجة حتمية للوقائع البنيوية القائمة: مهما حاول أي طرف إخفاء الحقيقة أو إنكارها، من المعروف أن تنامي النفوذ الصيني بهذه السرعة يجازف بتجريد الولايات المتحدة من مكانتها على رأس النظام العالمي، لكن رغم هذا الواقع وفي ظل نشوء تهديدات مشتركة، هل يكون رجال الدولة حكماء بما يكفي لعقد الشراكات اللازمة رغم احتدام المنافسة بينهم؟

اليوم، يجب أن تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لمنع فيروس كورونا من إصابة ملايين المواطنين وقتل مئات الآلاف وسحق المجتمع الأميركي.

لكن يجب أن يدرك الجميع الواقع، سيكون هزم هذا الوباء جزءاً من المصلحة الوطنية طبعاً، لكن لا تستطيع الولايات المتحدة ولا الصين أن تضمنا النجاح من دون تعاون مشترك بينهما، فلا مفر من أن تنعكس براعة البلدين (أو سوء أدائهما) على المنافسة القائمة لقيادة العالم، وبدءاً من النمو الاقتصادي خلال السنة المقبلة، وصولاً إلى ثقة المواطنين بحكوماتهم ومكانة كل بلد في العالم، ستكون النجاحات والإخفاقات في تجاوز هذا الاختبار الصعب الذي يشغل جميع البلدان بالغة الأهمية.

في الحروب الحقيقية، تكون أعداد القتلى مهمة، وفي الأنظمة الاقتصادية، يعطي النمو الحقيقي نتائج أخرى، وعلى مستوى العلاقات مع البلدان، ثمة حاجة مُلحّة إلى وصول المعدات الطبية الضرورية التي يتوق إليها الجميع.

اليوم، تراهن الأسواق المالية على نجاح الصين في معركتها الأولى خلال هذه الحرب الطويلة، فإذا نجحت الصين في استرجاع نموها الاقتصادي القوي الآن، بعد تراجعه بدرجة حادة في الربع الأول من السنة، وإذا راحت الولايات المتحدة تتأرجح بين الركود المطوّل والكساد الفعلي فإن الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة والصين ستتوسّع، وإذا أثبتت أي حكومة مستبدّة كفاءتها في ضمان أهم حقوق الإنسان لمواطنيها، أي الحق بالحياة، مقابل تعثّر حكومة ديمقراطية ولامركزية، فسيحسد الكثيرون الصين على التدابير التي اتخذتها.

كذلك، يجب ألا ينسى أحد المشهد العام، تُروّج الصين لقصة صعودها الحتمي مقابل تراجع الولايات المتحدة، فقد نجح البلد الذي سجّل في بداية القرن ناتجاً محلياً إجمالياً يساوي أقل من ربع الناتج الأميركي في تجاوز الولايات المتحدة الآن وأنشأ اقتصاداً أكبر منها، أما الجيش الذي أُجبِر على التراجع خلال أزمة مضيق تايوان في عام 1996، حين أرسلت الولايات المتحدة حاملتَين إلى تلك المنطقة، فقد نجح في آخر عقدَين في بناء ترسانة من الصواريخ القاتلة التي تستطيع إجبار الولايات المتحدة على تغيير خياراتها اليوم. غداة الأزمة المالية في عام 2008، زادت قوة القيادة الصينية نتيجة نجاحها في استئناف نموها السريع في حين بقيت الولايات المتحدة عالقة في ركودها العلماني، وما لم تجد الولايات المتحدة طريقة فاعلة لتجاوز فيروس كورونا اليوم، فقد تقرر الصين أخذ مجازفات إضافية، منها إجبار تايوان على الخضوع لحكم بكين.

تكون الأبحاث العلمية الرامية إلى استكشاف الأمراض والأدوية القادرة على معالجتها وتطوير بروتوكولات للوقاية عبارة عن مبادرات دولية مفتوحة، ويحرز الطب الحيوي تقدماً بارزاً بفضل الاكتشافات الحاصلة في المختبرات حول العالم، وباتت الأبحاث ترتكز على التعاون الوثيق أيضاً، إذ يحمل أكثر من ثلث المقالات العلمية التي ينشرها الأميركيون اليوم توقيع باحث أجنبي واحد على الأقل، ويحصد الطلاب الصينيون ثلث شهادات الدكتوراه الأميركية.

في خضم الحملة الرامية إلى هزم فيروس كورونا وبناء مؤسسة للوقاية من الأوبئة المشتقة من فيروسات جديدة مستقبلاً، ما المجالات التي تُحتّم على الولايات المتحدة والصين التعامل كشريكتَين حقيقيتَين؟

تبرز ثلاثة مجالات أساسية تستدعي التعاون الحتمي:

يتعلق المجال الأول بالبيانات، بدءاً من القطاعات الجينومية وصولاً إلى الشؤون الوبائية، ففي محاولةٍ لتقييم حقيقة ما نواجهه راهناً وتحديد الاستجابات المناسبة، يتعلق عامل محوري بالشكوك السائدة في جميع المجالات: بما أن الفيروس جديد، من الطبيعي أن نكتشف عنه معلومات جديدة يومياً، تزامناً مع جمع بيانات إضافية وتحليلها، لكن يرتبط عامل آخر بِشَحّ البيانات العالية الجودة حول ما يحصل في مختلف "المختبرات" بعد تفشي الوباء في بلدان متنوعة. تُذكّرنا الحاجة إلى بيانات موثوق بها من كل بلد بأهمية الاتفاق على المقاربات والمعايير الشفافة في منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية.

خلال أي وباء، يسمح تقاسم البيانات السريع في المرحلة الأولى من تفشّيه بفهم سلوك الفيروس، وبما أن الحالات الأولى سُجّلت في مدينة "ووهان" الصينية، أدت البيانات التي جمعها الأطباء الصينيون إلى طرح أول التقديرات العالمية حول قابلية انتقال الفيروس، فظهرت نماذج وبائية شكّلت أساس الاستجابات الحكومية في بلدان كثيرة، وبما أن الصين واجهت أسوأ حصيلة من حالات الوفاة في المرحلة الأولى، تمكنت أيضاً من طرح أول مجموعة بيانات كي يستفيد منها خبراء الصحة العالميون لتقدير معدل الوفيات وابتكار نماذج لتوقع نطاق الوباء ودرجة انتشاره وخطورته، بما يضمن اقتراح سياسات أكثر فاعلية.

يتعلق مجال التعاون الثاني بتدابير التشخيص والصحة العامة، أما المجال الثالث، فيتمحور حول الأبحاث في قطاع الطب الحيوي، ولتحقيق هذا النوع من التعاون، أعلنت كلية الطب في جامعة "هارفارد" حديثاً عقد شراكة جديدة مع جامعة صينية لهزم فيروس "كوفيد-19"، وتشونغ نانشان هو الشريك الصيني الأساسي، وهو الطبيب الذي قاد فريق العمل المسؤول عن مكافحة فيروس كورونا بتكليفٍ من الحكومة الصينية، وفي عام 2003، كان نانشان أول طبيب يرصد فيروس "سارس" أيضاً، ويهدف هذا المشروع المشترك بين جامعة "هارفارد" ومعهد "قوانغتشو" إلى فهم المعطيات البيولوجية الأساسية لفيروس كورونا الجديد وطريقة تفاعله مع المصابين به وتسريع تطوير الأدوات التشخيصية والعلاجات.

يؤكد العلماء دوماً أهمية التعاون في مجال الأبحاث كونه يحسّن النتائج النهائية بشكل عام، وفي هذا العصر الذي كسر احتكار بلدان معينة للابتكارات العلمية، يعطي التعاون في مسائل عاجلة مثل فيروس كورونا المنافع أكثر مما يتكبد الخسائر، وفي حين تسعى الحكومات حول العالم إلى مواجهة الوباء بكل قواها، يجب أن تتذكر أن عمليات جمع البيانات ودمجها وتقاسم المواد الكيماوية الكاشفة ومختلف الأدوات والمعدات تتطلب تواصلاً مكثفاً وعابراً للقارات.

بدل أن يُشَيْطِن كل طرف البلد الآخر إذاً، يجب أن يعترف الأميركيون والصينيون معاً بأن كل بلد يحتاج إلى الآخر لهزم هذا العدو القاتل، إذ ستكون الشراكة، حتى لو بقيت محدودة ومحصورة بقطاعات معينة، ضرورة استراتيجية في هذه الظروف.

لكن هل تستطيع الولايات المتحدة والصين أن تتنافسا بضراوة وتصبحا شريكتَين قويتَين في الوقت نفسه؟ يصعب أن يستوعب أحد هذه الفكرة المتضاربة، لكنّ النجاح في هزم الوباء المريع يتطلب في الحد الأدنى هذا النوع من المقاربات المتناقضة!

• كريستوفر لي

بدل أن يُشَيْطِن كل طرف البلد الآخر يجب أن يعترف الأميركيون والصينيون معاً بأن كل بلد يحتاج إلى الآخر
back to top