وباء كورونا يهدد بإحداث كارثة في الهند

نشر في 02-04-2020
آخر تحديث 02-04-2020 | 22:00
من المنتظر أن يتبع مسار كورونا في الهند الخط التصاعدي الذي ظهر في إيطاليا، كما أن الفشل في احتواء الوباء في الهند ينطوي على مضاعفات عالمية.
سيبدأ وباء كورونا الذي أصاب نحو 200 دولة في العالم بنشر الخراب في الهند خلال أيام، فهذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليار و300 مليون نسمة تحتضن أكبر مجموعة من المصابين بأمراض تنفسية في العالم، وذلك بسبب الدرجة العالية من مرض السل والتلوث فيها، وتمثل هذه الأوضاع بيئة مثالية لانتشار الفيروسات التي تهاجم الرئتين.

وكانت الهند أعلنت أول إصابة فيها في 30 يناير، ثم ازداد العدد في الأسابيع التالية بشدة، وبحسب تقارير منظمة الصحة العالمية فإن فيروس كورونا ينتشر في الهند من خلال انتقال محلي لا عن طريق قادمين من الخارج، وفي 21 مارس الماضي فرضت الحكومة إجراءات مشددة للاختبار، ولكن على المسافرين الدوليين ثم فرضت عزلاً صحياً لثلاثة أسابيع بغية إبطاء انتشار الوباء.

ولكن أسلوب الاختبار الضعيف الذي اتبعته الهند جعل من الصعب اكتشاف الإصابة إضافة إلىأ نها "عاصمة مرض السكر وأمراض القلب"، حيث يبلغ عدد المصابين بمرض السكر 50 مليوناً، والمصابين بأمراض قلبية 54 مليوناً"، ثم إن النظام الصحي الخاص في الهند لا يوفر رعاية كافية لكل السكان، وهي تواجه اليوم معركة قاسية ضد وباء كورونا الذي تفوق على الأنظمة الصحية في الدول الأكثر تقدماً في العالم بشكل جلي.

وصفة للكارثة

يتسم وباء كورونا بصفة خاصة من الخطورة في الهند، حيث تعاني البنية التحتية الصحية نقصاً في التمويل والاستعداد لاستقبال المصابين بالوباء، كما أن جغرافية الهند التي تضم جبال هيمالايا تمنع تدفق الرياح عبر البلاد، وتضاعف انتشار الضبخان (خليط من الدخان والضباب يتكون فوق المدن والمناطق الصناعية)، وزيادة معدلات الأمراض التنفسية المزمن في البلاد، وفي عام 2018، على سبيل المثال، كان نحو ثلث الإصابات في أمراض الجهاز التنفسي المزمنة في العالم في الهند التي تعاني أعباء مرض السل (2.8 مليون من أصل 10 ملايين على صعيد عالمي)، ومن المحتمل أن يسهم الوباء في إحداث أزمة إنسانية قاسية، وتشير تقارير ميدانية إلى احتمال تعرض نحو 300 مليون هندي للإصابة بالوباء قبل نهاية شهر يوليو في حال اتباع النماذج الحسابية المعمول بها في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وربما يتعرض 4 ملايين من أصل 5 ملايين إلى إصابة شديدة وتعرض نحو مليون إلى مليوني شخص إلى الوفاة.

وقد انتشر الهلع والفوضى في شتى أنحاء الهند، كما أقدم مواطن أدخل المستشفى في نيو دلهي بعد إصابته بفيروس كورونا على الانتحار، وتعرض رجل آخر لضرب مبرح من المواطنين في ولاية ماهاراشترا الغربية لأنه عطس في مكان عام.

من جهة أخرى أظهر استطلاع للرأي أن الشعب الهندي لا يشعر بأن في وسعه الاعتماد على المؤسسة الطبية في البلاد، وكانت الهند ومنذ استقلالها في عام 1947 فشلت في الاستثمار بصورة كافية في البنية التحتية الصحية وتركت هذه المهمة بشكل فعلي الى المستشفيات الخاصة التي تسيطر اليوم على 74 في المئة من سوق الرعاية الصحية، وتملك نحو 40 في المئة من حجم أسرّة المستشفيات، وتنفق الحكومة الهندية نحو واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية، وهي نسبة تقع ضمن أدنى المعدلات في العالم.

الحصيلة الحتمية

وأسفرت هذه الأوضاع عن حصيلة مؤكدة تمثلت في تفضيل المستشفيات الخاصة للربح على حساب العناية بالمرضى، وينسحب ذلك بوضوح على المرضى الذين لديهم تأمينات صحية، كما أن الأطباء في المستشفيات الحكومية لا يكترثون بالمرضى على الإطلاق.

وقد تجلى هذا التباين من خلال ندرة في الموارد، حيث تفتقر الهند إلى أجهزة الكشف عن وباء كورونا وحماية عمال الرعاية الصحية ومعدات التهوية وأسرّة المستشفيات، وساعد هذا العجز في نشر الإصابات بمرض السل في الهند خلال العقود القليلة الماضية، والذي يفتك بنحو 1400 شخص يومياً، ويمهد السبيل اليوم لانتشار وباء كورونا المدمر في ذلك البلد، ومن بين كل الدول التي تأثرت بشدة بهذا الوباء تعتبر الهند الدولة الأقل استعداداً لمواجهة الانفجار في عدد المصابين.

وعمدت الهند في الحادي والعشرين من مارس الماضي، وبعد أن تعرضت لانتقادات حادة نتيجة ضعف إجراءات الاختبار على الأشخاص الذين يحتمل تعرضهم للإصابة بوباء كورونا، عمدت إلى التوسع في تلك الخطوة بصورة شملت التاريخ المرضي للأشخاص المشتبة في تعرضهم للإصابة إضافة إلى منعهم من مغادرة مراكز الحجر الصحي، ولكن مثل هذه الإجراءات يصعب تطبيقها في دولة يعيش ثلث رعاياها في مدن مكتظة بالسكان.

وأسهمت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في تعميق هذه المشاكل لأنها شجعت التفكير غير العلمي منذ وصولها إلى السلطة في عام 2014، كما أن مودي والوزراء يعاملون المثقفين بازدراء، وقد شكلوا وزارة من أجل تحسين الطب التقليدي في البلاد، مثل اليوغا إضافة إلى تشجيع استخدام روث البقر في منع انتشار الفيروسات، وقد تم اعتقال أحد أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا التابع لرئيس الوزراء مودي بعد إصابة عدد من الأشخاص بمرض في أعقاب حفلة أقامها في شهر مارس الماضي وشجع الحضور فيها على شرب بول بقرة.

موقف رئيس الوزراء

وعلى الرغم من أن مودي لم يؤيد دور بول البقر في الدفاع ضد الفيروسات فإن أسلوبه في التعامل مع أزمة وباء كورونا كان يوحي بهذا التوجه بوضوح، حيث أشار في ملاحظات تلفزيونية في 19 مارس الماضي إلى مقارنة وباء كورونا بالحروب العالمية، وحذر من تفاقم الإصابات بالعدوى في غياب خطوات التباعد الاجتماعي في البلاد، لكن خطابه إلى الأمة لم يتضمن شرحاً لاستراتيجية حكومته إزاء معالجة أزمة وباء كورونا، وعمد بدلاً من ذلك الى دعوة المواطنين في الثاني والعشرين من مارس الماضي إلى تطبيق حظر تجول ذاتي.

وعلى الرغم من أن التباعد الاجتماعي يعتبر ضرورياً من أجل احتواء فيروس كورونا فإنه لم يقدم الكثير إزاء إضعاف سلسلة الانتشار التي سمحت حكومة مودي بحدوثها منذ بداية شهر مارس، وقد عامل بعض الهنود حظر التجول على شكل مناسبة للتجمع الاحتفالي في تجاهل تام للهدف المرجو منه، وانتهى خطاب مودي في 19 مارس الماضي بتوجيه رجاء إلى الهنود لشكر أطبائهم وممرضيهم وترديد الأغاني السائدة على الشرفات في إيطاليا اليوم.

وكان الكثير من عمال الرعاية الصحية عبروا عن طريق "تويتر" عن استيائهم من خطاب مودي، وقالت طبيبة تدعى أفرين أوسمان التي يهتم زوجها بعلاج مرضى وباء كورونا "إنني كطبيبة وزوجة طبيب يعالج مرضى وباء كورونا أقول إننا لا نريد من أحد أن يصفق لنا، ونحن نريد الحصول على المزيد من حقائب اختبار الوباء ومؤسسات حجر صحي أفضل والمزيد من نشر المعرفة"، وقد تحرك مودي وحكومته على إثر ذلك، وأمر بعزل على مستوى البلاد لمدة 21 يوماً في 24 مارس الماضي.

تحرك حكومي حاسم

وقام عدد من الحكومات المحلية بتحرك حاسم، وكان مختلفاً تماماً عن الخطوات البطيئة التي اتخذتها الحكومة المركزية في نيو دلهي وخاصة بالنسبة الى ولاية كيرالا الجنوبية، وفي حين كان رئيس الوزراء مودي يدعو الشعب الهندي الى التصفيق للأطباء من شرفات منازلهم أعلن الوزير الرئيس في كيرالا بيناراي فيجايان حزمة مالية بقيمة 200 مليار روبية، أي نحو 2.6 مليار دولار تشمل إعفاء من القروض ومعدلات فائدة مجانية، وأقام أماكن لتقديم الطعام للفقراء في الولاية بغية مساعدتهم على تخطي هذه الأزمة.

وبحسب بعض التقديرات فإن لدى الهند ما بين 70000 الى 100000 سرير في غرف العناية المشددة في المستشفيات الحكومية والخاصة، ويؤكد خبراء صحة أن أمام الهند حتى العاشر من شهر أبريل الحالي فرصة كي تعمل على تحسين تجهيزات مستشفياتها وتحويل بعض الملاعب الرياضية إلى مراكز للحجر الصحي إضافة الى شراء ما أمكن من أجهزة التهوية، وهي كلها خطوات لم تقدم عليها حكومة مودي حتى الآن، وقد اكتفت بالطلب من المستشفيات الخاصة توفير أسرة للعناية المشددة وإلغاء العمليات الجراحية غير الضرورية، والتأكد من عدم رفض دخول المصابين بفيروس كورونا للعلاج.

من جهة أخرى ينتظر أن يتبع مسار كورونا في الهند الخط التصاعدي الذي ظهر في إيطاليا، كما أن الفشل في احتواء وباء كورونا في الهند ينطوي على مضاعفات عالمية، وفي عام 2015، على سبيل المثال، أكدت السلطات الأميركية أن أحد المرضى الهنود المصاب بمرض السل قد نقل العدوى الى شيكاغو، ومع وجود الهنود في كل أنحاء العالم يمكن تخيل ذلك التأثير على صحة شعوب الأرض.

*إيه بي سي

الهند أعلنت أول إصابة فيها في 30 يناير ثم ازداد العدد في الأسابيع التالية بشدة

خطاب مودي إلى الأمة لم يتضمن شرحاً لاستراتيجية حكومته إزاء معالجة أزمة وباء كورونا

مع وجود الهنود في كل أنحاء العالم يمكن تخيل تأثيرهم على صحة شعوب الأرض

بحسب بعض التقديرات فإن لدى الهند ما بين 70000 إلى 100000 سرير في غرف العناية المشددة
back to top