معركة الكورونا

نشر في 02-04-2020
آخر تحديث 02-04-2020 | 00:09
 خليل علي حيدر لم تتلق الحداثة والحياة العصرية والحضارة الصناعية العلمية في الأزمنة الحديثة ضربة قاسية بدائية متوحشة كضربة "فيروس كورونا"، التي "تمر بنا" هذه الأيام، وتحاصر الدنيا بأسرها.

إنها في المفاجأة والقسوة والقوة بمثابة "نكسة حزيران 1967" العربية للحضارة العالمية والتمدن البشري! عواصم العالم المتقدم مشلولة، مدن الدنيا الكبرى تعيش حالة من الرعب الصحي الجماعي الذي كانت المجتمعات البشرية المتحضرة قد ودعته منذ عقود طويلة وربما منذ قرن، العلوم الطبية المتقدمة التي كانت إلى ما قبل أيام تتحدى أصعب الأمراض وتقترح وتجد العلاج لأعقد المشاكل الطبية والأمراض المستعصية، تقف في بُحران الكورونا شبه عاجزة. المئات والآلاف من رجال ونساء مختلف الشعوب تظهر عليهم أعراض الجائحة الوبائية، وتعج المستشفيات بالحالات المرضية وضحايا الكورونا، في حين يتزايد عدد الوفيات وإن بقيت نسبتها منخفضة حتى الآن بالمرضى الأحياء، ولا أحد واثق مما سيحدث بعد شهر أو شهرين.

لم يزعزع الوباء إيمان الكثيرين بإمكانات الطب الحديث، ويفتح المجال حتى للشعوذة في بعض المجتمعات فحسب، بل وضع مستشفيات الدنيا في حالة طوارئ، كما وصل تأثير الوباء المدمر إلى اقتصادات العالم التي تواصل التقلص والانكماش، فكأن "كورونا" حرب عالمية من نوع غير معهود، أو حالة ضاربة من الفوضى العارمة التي ضربت كل ثوابت الحياة الحديثة، وشلت الجداول والمواعيد والمصانع والحقول والمدارس والمؤسسات وكل مظاهر الحياة.

فرض "كورونا" نفسه على الكرة الأرضية بقدرة خارقة لا تكاد تصدق، وصادر تلقائية وتدفق الحياة اليومية، وحبس الناس عبر العالم في "كهوفهم المنزلية" في حين تزعق سيارات الشرطة والإسعاف والمطافئ وعربات الأمن من حولهم، محذرة من يخرج خلال ساعات منع التجوال، ولا تعرض شاشات التلفاز إلا أخبار هذا الفيروس، وجداول المصابين في مختلف الأقطار، وأعداد ضحايا مِنْجله المشهر، وأنباء فتوحاته الجديدة في مختلف دول العالم، وترتسم، على الشاشات كذلك بين حين وآخر وبشكل استعراضي يذكرنا بجيوش الاحتلال، صور الفيروس بكل ميدالياته ونياشينه ولباسه الميداني، والتي تشبه اللغم البحري أو بالوناً أو منطاداً مزركشاً، محتفيا ربما بكل هذه الانتصارات الخارقة على أقوى دول العالم وأشهر المستشفيات.

وهو ليس بحاجة حتى لأن يصرف فلساً واحدا على الإعلان عن نفسه، وتعريف الناس بأفاعليه وبرنامجه المروع، الذي باشر بتنفيذه من الصين إلى إيران وإيطاليا وإسبانيا وأوروبا الغربية، وبالطبع دول العالم العربي، ولم تصمد أمام زحفه العاتي حتى حصون فرنسا أو علوم ألمانيا أو أسلحة وأساطيل الولايات المتحدة وروسيا، في حين بلغ نجاح الفيروس الخارق أن قلب الموازين، وجعل حتى الزيارات وتبادل السلام وقُبل المجاملة والاحتضان من أخطر الممارسات.

محاولات كبار محللي المخططات والمؤامرات، لم تصمد في تفسير مسار الوباء وتطوراته، واقتنع الكل بأن الوقت ليس مناسباً للتفكير في من أطلق هذه الفيروسات، ومن هندس جيناتها كما حاول البعض في البداية، فمن يصاب بسهم كل يقال يحاول إخراجه أولاً، لا أن يتجادل فيمن أطلقه، وبخاصة إذا كانت الصين وأميركا وأوروبا وحتى إسرائيل في مقدمة ضحايا الفيروس، بل كانت أميركا كما نرى اليوم بين أضعف خصومه، تعاني ندرة الأسرّة والأقنعة وأجهزة التنفس والمستشفيات. لفت أنظار الجميع بلا شك، داخل الكويت وخارجها، وبكل فخر وتقدير، نجاح الأجهزة الحكومية والشعبية، والعطاء المخلص للطاقم الطبي ورجال الأمن والإدارة والإعلام، في التصدي لتحديات هجمة الوباء والتعامل مع آثاره البالغة الخطورة... وهي معركة لا تزال مستمرة على عدة جبهات.

وتمنى الكثيرون في الوقت نفسه أن يصبح هذا النجاح بداية عهد جديد وحافزاً للإدارة الحكومية والنشاط البرلماني والاهتمام العام، في التصدي لبقية مشاكل البلاد كالتعليم والفساد والسياسة السكانية، وقضايا لا مجال لذكرها، ونحن نجابة بكل تماسك ونجاح هذا الوباء الرهيب، ولكننا نمر حقاً بظرف قاسٍ نتمنى أن نعبره بسلام، وأن يسترد العالم والطب المبادرة ويطوي صحفة هذا البلاء المدمر.

back to top