لون الغد – 2

نشر في 01-04-2020
آخر تحديث 01-04-2020 | 00:05
 طالب الرفاعي رغم أن دول أوروبا، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية، تردد: إن فيروس كورونا لم يبلغ عنفوانه وقمة انتشاره في بلدانها حتى اللحظة، وانهم يتوقعون حدوث ذلك خلال الشهرين المقبلين، فإنه بات من الواضح أن وباء كورونا فعل فعله في طول وعرض كوكب الأرض. فلأول مرة في تاريخ البشرية، تغلق البشرية أبواب بلدانها في وجه بعضها البعض، فأساطيل طيران الدول الصغيرة والكبيرة جاثمة على أراضي المطارات، وما يسير من رحلات قليلة، إنما هي رحلات منظمة؛ إما لأمور تجارية، أو عسكرية، أو لإجلاء مواطني دولة إلى بلدهم الأم، إضافة إلى أن حركة النقل العام: القطارات والباصات، والسيارات الخاصة، كلها توقفت عن العمل وفي مختلف بقاع الأرض، بسبب منع التجول.

نعم، استطاع «كورونا»، وباقتدار واضح، كما لم يسبق أن حدث في تاريخ البشرية، أن يحبس أنفاس وحركة البشر خلف جدران بيوتهم، وأن يُخلي الشوارع، وأن يجعل من حظر التجول أمراً يوحد مدن العالم. وبالنظر إلى غرابة ما يجري على أرض الواقع، وفداحة ما سيترتب عليه، فإنه يفعل فعله الأخطر في عقول ووعي بين البشر؛ الصغير والكبير، ويترسب في قيعان ذاكرتهم، ويتسرَّب بشكل سحري منعكساً على تفكيرهم وسلوكهم. فانشغال محطات الفضاء الإخبارية، وكذا عموم محطات التلفزة، وجميع وسائل التواصل الاجتماعية، على مدار الساعة، بضرورة الحذر والتصدي لجائحة فيروس كورونا، جعل من هلع هذا الوباء الحاضر الأوحد على مائدة الحدث الإنساني، والمؤثر الأوحد على نظرتهم لما يحيط بهم من بشر وحجر.

فبعيداً عن الآثار الكونية المالية المدمّرة التي حدثت وتحدث على مدار الساعة في شتى بقاع الأرض، والتي من المؤكد أنها ستعيد رسم خارطة التعاملات المالية بين الدول، ومسار الاقتصاد العالمي، فإن كثيرا من العادات الاجتماعية التي ورثها الإنسان عبر تاريخ البشرية لآلاف السنين، أضحت تتغيَّر في طرفة عين، وكأنها لم تكن. فما عاد من أحدٍ مستعد للاقتراب منك والسلام عليك يداً بيد، ولك أن تنسى أن يحتضنك صديق لصدره معبراً عن حفاوة لقائك به. هذا الهلع من «كورونا»، انتشر وينتشر بشكل سحري بين عموم بشر كوكب الأرض، انتشر بسرعة هائلة، تفوق سرعة الضوء، حتى وصل إلى درجة تردد زوجة في تقبيل زوجها، ورفض محبوبة بأن يطبع حبيبها قبلة على خدها. بل إن الأمر تعدَّى ذلك، بامتناع طفل لم يتجاوز السابعة من عمره، الجلوس في حضن أمه، لأنه سمع أباه يقول لها ملاطفاً: «ربما أنت مصابة بكورونا».

جائحة وباء كورونا، التي تتزيا بمظهر صحي، هي في القلب من التغيرات الإنسانية الاجتماعية التي قلما تحدث في مسيرة التاريخ البشري. فالإنسان أصبح يخاف من أن تمتد يده كي تحكَّ جفنه، وصار يرتعد خوفاً من الخروج من بيته والذهاب إلى السوق المركزي، وصار يغسل يديه بالماء والصابون، ولمدة تزيد على العشرين ثانية، ليعود ثانية لغسلهما، لأنه ظن أنه لم يُحسن غسل أظافره كما هو مطلوب. وهكذا، أصبح الإنسان يهاب نفسه، ويشك في نفسه، ويتقزز من نفسه، وكم تبدو آثار ذلك كبيرة ومختلفة على المسلك البشري في القادم من الأيام.

كتبت في زاويتي هذه، الأسبوع الماضي، شيئاً من توقعاتي لما يمكن أن يكون عليه شكل العالم بعد انزياح وعبور جائحة كورونا، وإذا صح لي أن أقترب قليلاً من الوضع الثقافي، فإنني أظن أن كورونا سيترك أثراً كبيراً وسلبياً على المشهد الثقافي الإنساني. فبالإضافة إلى امتناع ملايين البشر عن الذهاب إلى صالات المسارح والسينمات، فإن هذه الملايين ستتردد كثيراً قبل الدخول إلى مكتبة عامة مزدحمة بالبشر، فاللاوعي سيبقى يقظاً يدفع بالإنسان بعيداً عن أخيه الإنسان، وهذا بدوره سيؤثر ويضرب تجارة الكتاب في مقتل، سواء في المكتبات أو معارض الكتب.

وللحديث بقية.

back to top