حكّام العالم يزيدون صلاحياتهم في زمن الوباء!

نشر في 27-03-2020
آخر تحديث 27-03-2020 | 00:00
يحظى رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بدعم سبعة إيطاليين من كل عشرة في الوقت الراهن، وهو رقم استثنائي في بلدٍ معروف تاريخياً بعدم ثقته بالسياسيين، أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد وصف المعركة القائمة ضد الفيروس الجديد بـ«الحرب»، وكسب تأييد أغلبية الناس في بلده أيضاً بفضل مقاربته ونبرته الصارمة.
في زمنٍ ينتشر فيه الخوف من الموت، يطبّق الناس تدابير يظنون أنها ستنقذ حياتهم، حتى لو كانت تعني فقدان حريتهم، كانت هذه الإجراءات شائعة في الماضي أيضاً، لكن يجب ألا يخدع الليبراليون والتحرريون والديمقراطيون ومحبو الحرية من جميع الفئات أنفسهم: ستزيد شعبية الحكام في هذه الظروف أيضاً!

في بعض البلدان الأوروبية، بدأت هذه الظاهرة تتحقق في ظل إجماع اجتماعي واضح، أصبحت إيطاليا في حالة من العزل التام، فأغلقت جميع المتاجر والشركات أبوابها، باستثناء الأماكن التي تُعتبر أساسية، وانتشرت حواجز على الطرقات لمنع أي تنقل غير ضروري، وأُقفلت الحدائق العامة والملاعب. سبق أن فرضت الشرطة الإيطالية غرامات على عشرات آلاف الناس بسبب خروجهم من دون مبرر، ومنذ يوم الثلاثاء الماضي، تخضع باريس لإجراءات صارمة مماثلة، لا يمكن أن يخرج أحد من منزله من دون ملء استمارة خاصة، وقد كُلّف 100 ألف ضابط شرطة بإجبار الناس على تطبيق القوانين، في يوم واحد فقط (يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي)، أصدرت الشرطة الفرنسية 4 آلاف غرامة بحق من خرجوا من منازلهم من دون مبرر مقنع.

إنها تدابير قاسية حتماً، لكن بدأ الناس يتقبلونها الآن من باب الضرورة، إذ يحظى رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بدعم سبعة إيطاليين من كل عشرة في الوقت الراهن، وهو رقم استثنائي في بلدٍ معروف تاريخياً بعدم ثقته بالسياسيين، أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد وصف المعركة القائمة ضد الفيروس الجديد بـ"الحرب"، وكسب تأييد أغلبية الناس في بلده أيضاً بفضل مقاربته ونبرته الصارمة.

يستفيد الحكام في بعض البلدان من هذه النزعة ويذهبون أبعد من ذلك، ويوم الجمعة الماضي، أرسلت الحكومة المجرية مشروع قانون إلى البرلمان لمنح رئيس الحكومة فيكتور أوربان صلاحيات "دكتاتورية" بسبب إعلان "حالة طوارئ"، وبعبارة أخرى سيتمكن أوربان من تجاهل القوانين التي لا تعجبه من دون استشارة المشرّعين وستُعلَّق الانتخابات والاستفتاءات الشعبية.

في الظروف الطبيعية، ما كانت المعارضة المجرية لتدعم مسار انتقال السلطة بالشكل الذي يحصل اليوم، لا سيما أن هذه العملية تهدف على ما يبدو إلى إخفاء إخفاقات الحكومة، لكن في هذه المرحلة، من الطبيعي أن يتقبل كل من يعارض الحكومة الوضع القائم، يقول المحلل المجري بيتر كريكو: "لقد تعطلت اليوم جميع أنظمة الإنذار التي كانوا يستعملونها، وفي ظل تنامي المخاوف في كل مكان، لا أحد يريد أن يبدو غير وطني أو أن يؤذي صحة المجريين وسلامتهم عن غير قصد، بل يريد الجميع أن يصدّقوا حسن نوايا الوطن والدولة".

تحصل عملية انتقالية مفاجئة أيضاً في إسرائيل اليوم، حيث أصدر بنيامين نتنياهو (لا يزال رئيس الحكومة رغم خسارته في أحدث انتخابات) مرسوماً طارئاً يسمح له بتأجيل انطلاق محاكمته الجنائية ويمنع البرلمان الإسرائيلي المُنتَخب حديثاً من الانعقاد، علماً أن المعارضة باتت تشكّل الأغلبية فيه، كذلك منح نتنياهو نفسه صلاحيات جديدة وهائلة من دون أن يراقب أحد أداءه، أما المؤسسات والمناورات التي كانت تُستعمل في العادة لتعقب الإرهابيين، فستصبح الآن أدوات لمراقبة مدى التزام الناس بالحجر المنزلي ولتعقب نشاطات المواطنين العاديين وتحركاتهم وقياس حرارتهم وتقييم وضعهم الصحي، لكن لن يوافق جزء من الشعب الإسرائيلي مطلقاً على تضخيم دور الأجهزة الأمنية أو حملة القمع التي يطلقها نتنياهو خدمةً لمصالحه الخاصة: سبق أن وصفت النسخة الإنكليزية من صحيفة "هآرتس" هذه الخطوات بعبارة "انقلاب الكورونا"، لكن طالما يشعر الإسرائيليون بالرعب، سيوافق الجزء الآخر من الشعب على كل ما يحصل.

على الأميركيين من جهتهم أن يستعدوا لردة فعل مماثلة من جانب المواطنين، يحمل النظام الفدرالي الأميركي درجة من الامتيازات: تختلف صلاحيات فرض الحجر المنزلي من ولاية إلى أخرى، ويكون المسؤولون عن فرض القانون عناصر من شرطة الولاية، لا من الأجهزة الأمنية الفدرالية، لكن سبق أن أثبت الرئيس الأميركي أنه يفضّل السياسة الاستعراضية على التدابير الملموسة، وإغلاق الحدود على إنتاج كميات ضخمة من الأقنعة وحُزَم الاختبارات.

يحمل ترامب تاريخاً حافلاً بهذا النوع من المواقف، فقد أثبتت فضيحة أوكرانيا أنه لا يحترم حكم القانون بما يكفي، وكشف تحقيق مولر أنه لا يهتم كثيراً باستقلالية وزارة العدل، فقد سبق أن أساء ترامب استخدام صلاحيات الحكومة لأسباب سياسية، وهو يتكل على شريحة صاخبة من المناصرين الذين يصفقون له رغم تصرفاته هذه، وخلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة، من المتوقع أن يستغل هذه الأزمة لزيادة نفوذه، كما فعل أوربان في المجر ونتنياهو في إسرائيل، ولا شك أن قناة "فوكس نيوز" ستدعمه في كل ما يفعله، حتى أنه سيحظى بدعم أعداد كبيرة من الأميركيين.

ذكرت صحيفة "بوليتيكو" أن وزارة العدل الأميركية سبق أن طلبت من الكونغرس أن يمنحها الصلاحيات اللازمة لاعتقال الأميركيين من دون محاكمة، مع أن هذه الصلاحيات ليست ضرورية بأي شكل، لذا يُفترض أن يستعد المشرّعون الذين يرفضون هذه التدابير راهناً ومستقبلاً لمواجهة تهمة بتهديد حياة الناخبين.

في عالمٍ بديل يحكمه رئيس مختلف، كان خبراء الصحة في الولايات المتحدة سيحصلون على خيارات أفضل وطرقٍ أكثر فاعلية للتعامل مع مخاوف الرأي العام ومراقبة صحة الناس عبر استعمال التكنولوجيا ومن دون تعليق حكم القانون، إذ تستخدم كوريا الجنوبية، وهي ديمقراطية مزدهرة وقوية، تطبيقات الهواتف لتعقب المصابين بفيروس كورونا والخاضعين للحجر الصحي، لكنها لم تشعر بضرورة تعليق عمل البرلمان، وبرأي سيما سغاير من مؤسسة "سورغو" (منظمة تشجّع على استخدام البيانات والعلوم السلوكية في قطاع الصحة العامة)، يمكن الاستفادة من التكنولوجيا بطرقٍ أخرى، عبر مراقبة حجم تفشي فيروس "كوفيد-19" مثلاً كي تتركز تدابير الإقفال والحجر الصحي في أحياء أو بلدات محددة، وبالتالي تجنب الإقفال التام الذي فرضته جميع الولايات الأميركية، ولا بد من استعمال تقنيات التعقب أيضاً بشفافية، مما يعني إعطاء المواطنين الحق بالخروج من هذا النظام بعد اختفاء الوباء.

في بولندا مثلاً، لا تزال الحكومة بعيدة كل البعد عن تطبيق هذا النوع المتطور من التكتيكات وتُستعمل هناك الأساليب القديمة حتى الآن، إذ تتصل الشرطة المحلية في المقاطعات الريفية بالناس بشكلٍ متكرر للتأكد من وجود جميع أفراد العائلات داخل منازلهم: أصبح الحجر المنزلي طوال 14 يوماً تدبيراً إلزامياً لكل من عاد من الخارج، فهم يتصرفون مع الناس بكل تهذيب ولا شك أنهم يقومون بواجباتهم لحماية المواطنين، لكن لا أحد يعرف ما إذا كانت السلطات في مختلف البلدان مستعدة لإعادة الصلاحيات الجديدة التي اكتسبتها خلال هذه الأزمة بعد انتهاء الوباء.

• آن أبلبوم*

خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة من المتوقع أن يستغل ترامب أزمة «كورونا» لزيادة نفوذه

في بولندا تتصل الشرطة المحلية في المقاطعات الريفية بالناس بشكلٍ متكرر للتأكد من وجود جميع أفراد العائلات داخل منازلهم
back to top