وباء صُـنِـع في الصين

نشر في 25-03-2020
آخر تحديث 25-03-2020 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت انتشر مرض فيروس كورونا المستجد في أكثر من 100 دولة، جالبا معه اضطرابات اجتماعية وأضرارا اقتصادية، والمرض والموت، ويرجع هذا إلى حقيقة مفادها أن السلطات في الصين، حيث نشأ المرض، حجبت في البداية المعلومات حوله، ومع ذلك تتصرف الصين الآن كما لو كان قرارها بعدم تقييد الصادرات من المكونات الصيدلانية الفعّالة والإمدادات الطبية كان عملا سخيا قائما على المبادئ ويستحق امتنان العالَم.

عندما تبين أول دليل سريري على ظهور فيروس جديد قاتل في ووهان، تقاعست السلطات الصينية عن تحذير عامة الناس لأسابيع، وعمدت إلى مضايقة وتوبيخ واحتجاز أولئك الذين أطلقوا التحذيرات، لم يكن هذا النهج مفاجئاً، فالصين لها تاريخ طويل في ذلك، فقد غطى قادتها على متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (SARS)، لأكثر من شهر بعد ظهوره عام 2002، واحتجزوا الطبيب الذي أطلق التحذير في محبس عسكري 45 يوما، وفي نهاية المطاف، أثرت متلازمة «سارس» على أكثر من 8000 شخص في 26 دولة.

وكما كانت الحال مع «سارس»، لم يتمكن قادة الصين من الإبقاء على الأمر طي الكتمان فترة طويلة، فبمجرد اكتشاف حالات الإصابة بكورونا 2019 في تايلند وكوريا الجنوبية، وربطها بمدينة ووهان الصينية، لم يكن لدى قادة الصين أي اختيار سوى الاعتراف بالوباء.

بعد مرور نحو أسبوعين على رفض شي جين بينغ توصيات العلماء بإعلان حالة الطوارئ، أعلنت الحكومة فرض تدابير احتواء شديدة القسوة، بما في ذلك وضع الملايين من الناس تحت الاحتجاز الكامل، ولكن كان الأوان فات؛ إذ كان آلاف الصينيين أصيبوا بالمرض بالفعل، وانتشر الفيروس بسرعة على المستوى الدولي، وقال مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين إن تستر الصين الأولي «ربما تسبب في تأخير استجابة المجتمع العالمي شهرين»، مما أدى إلى تفاقم تفشي المرض على مستوى العالَم.

فضلاً عن حالة الطوارئ الصحية العالمية المتصاعدة، التي قتلت الآلاف بالفعل، تسبب الوباء في تعطيل حركة التجارة والسفر الطبيعية، وأجبر العديد من المدارس على إغلاق أبوابها، وقَـضَّ مضاجع النظام المالي الدولي، وأغرق أسواق الأسهم العالمية، ومع انخفاض أسعار النفط، يبدو الركود العالمي وشيكا.

لم يكن أي من هذا ليحدث لو استجابت الصين بسرعة للأدلة على ظهور الفيروس الجديد القاتل بتحذير عامة الناس وتنفيذ تدابير الاحتواء، وفي واقع الأمر أظهرت تايوان وفيتنام الفارق الذي يمكن أن تحدثه الاستجابة الاستباقية.

عملت تايون، التي استفادت من تجربتها مع سارس، على تدشين تدابير وقائية، بما في ذلك عمليات التفتيش على الرحلات الجوية، قبل حتى أن يعترف قادة الصين بتفشي المرض. على نحو مماثل، سارعت فيتنام إلى إيقاف الرحلات الجوية القادمة من الصين وأغلقت كل المدارس، وقد أدركت كل من الاستجابتين الحاجة إلى الشفافية، بما في ذلك التحديثات حول أعداد الإصابات ومواقع العدوى والنصائح العامة حول الوقاية، وبفضل السياسات التي انتهجتها تايوان وفيتنام لم يتجاوز إجمالي الحالات لديهما 50 حالة.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يفكر فيها قادة الصين في استخدام هيمنتهم في مجال الإمدادات الطبية العالمية والمكونات الصيدلانية الفعّالة كسلاح، ففي العام المنصرم، اقترح الاقتصادي الصيني البارز لي داو كوي تقليص صادرات الصين من المكونات الصيدلانية الفعّالة إلى الولايات المتحدة كإجراء مضاد في الحرب التجارية، وقال لي داو كوي: «بمجرد تقليص الصادرات، ستتوقف الأنظمة الطبية في بعض الدول المتقدمة عن العمل».

هذه ليست مبالغة، فقد وجدت دراسة أجرتها وزارة التجارة الأميركية أن 97 في المئة من كل المضادات الحيوية المبيعة في الولايات المتحدة تأتي من الصين، وفي العام الفائت لاحظ غاري كوهن، كبير المستشارين الاقتصاديين السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب: «إذا كنت أنت الصين، وكنت تريد تدميرنا حقا، فما عليك إلا أن تتوقف عن إرسال المضادات الحيوية إلينا».

إذا لم يكن شبح إقدام الصين على استغلال نفوذها في مجال المستحضرات الصيدلانية والأدوية كافيا لحمل العالَم على إعادة النظر في قرارات الاستعانة بمصادر خارجية لخفض التكاليف، فلابد أن يكون تعطل سلاسل الإمداد العالمية بِـفِعل فيروس كورونا 2019 كافيا لحمله على ذلك، الواقع أن الصين لم يكن أمامها أي اختيار غير التراجع في إنتاج وتصدير المكونات الصيدلانية الفعّالة منذ تفشي المرض، وهو التطور الذي أدى إلى تقييد العرض العالمي ودَفَع أسعار الأدوية الحيوية إلى الارتفاع.

أفضى هذا بالفعل إلى إجبار الهند، المورد الرئيس للعقاقير غير المحدودة الـمِلكية، إلى تقييد صادراتها من بعض الأدوية الشائعة الاستخدام، وإذا لم تَـعُد مصانع الأدوية في الصين إلى العمل بكامل طاقتها قريبا، فمن المحتمل أن يحدث نقص حاد في الأدوية على مستوى العالَم.

الواقع أن وباء فيروس كورونا 2019 سلط الضوء على التكاليف المترتبة على استبدادية شي جين بينغ المتزايدة، ولابد أن يعمل كنداء إيقاظ للقادة السياسيين وقادة الأعمال الذين قبلوا بظل الصين الكثيف الملقى على سلاسل الإمداد العالمية لفترة أطول مما ينبغي، ومن خلال تخفيف قبضة الصين على شبكات الإمداد العالمية فقط يصبح من الممكن الإبقاء على العالَم في مأمن من الأمراض السياسية التي تعصف بالصين.

* براهما تشيلاني أستاذ الدراسات الاستراتيجية بمركز بحوث السياسات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top