ماذا أكتب؟

نشر في 17-03-2020
آخر تحديث 17-03-2020 | 00:27
 د.نجم عبدالكريم الهاجس الدائم الذي یشغل الكاتب قبل أن یجلس وراء مكتبه، هو تزاحم أفكار الموضوعات وتنازعها في ذهنه، لكي یشرع باختیار أكثرها أهمیةً، ثم یتوكل على الله في إحداها.

وأمامي الآن العدید من الموضوعات مثل "كورونا"، وتراجُع أسعار النفط، فضلاً عن قضایا الكویت المزمنة وما یجري في وطني العربي من أحداث وحروب ومؤامراتٍ واعتقالاتٍ وانقلاباتٍ.. إلخ.. إلخ.

ومن حُسن حظّي أن إدارة جریدة الجریدة تحثّني دائماً على التغرید خارج السرب، باعتبار أن الصفحة الأخیرة أشبه ما تكون بمحطة استراحة للقارئ، فلا بدّ من تزویده بالموضوعات الخفیفة.

إذاً لأطرق باباً یُنشّط ذاكرة القارئ حول بریطانیا التي أقیم فيها منذ سنوات، فكثیراً ما نسمع أن بریطانیا هي الإمبراطوریة التي لا تغرب عنها الشمس.. سألتُ نفسي: من أین جاء هذا اللقب؟! وما هي إلا سویعات قلیلة أمضیتها أمام تاریخ هذا البلد حتى تدفقت عليَّ معلومات تملأ مجلدات، ولكنني سأختصرها بهذا المقال القصیر.

***

في القرن التاسع عشر، ظهر لقب الإمبراطوریة التي لا تغیب عنها الشمس یوم حكمتها الملكة فكتوریا، وأُطلق على ذلك العصر كله العصر الفكتوري، ففي زمن هذه الملكة لم تكن الشمس تغیب عن بریطانیا وعن ممتلكاتها ومستعمراتها من باهاما وبورتوریكو وهندوراس غرباً، ومن آیسلندا قرب الدائرة القطبیة الشمالیة وكندا... حتى الدائرة القطبیة الجنوبیة وجزر فوكلاند وهولندا وقارة أسترالیا الشاسعة وجزر نیوزيلاند، ولا یتّسع المجال لذكر مناطق الشرق الأدنى والشرق الأوسط.

إمبراطوریة لم تبلغ شأوها الإمبراطوریات الرومانیة والفارسیة، بل حتى الصینیة في الزمن القدیم، ولا استطاعت الإمبراطوریات الحدیثة بما فيها الاتحاد السوفیاتي قبل سقوطه أن یقارع قوة بریطانیا وسلطانها على حكم أكثر من مئة وعشرین دولة مختلفة اللغات والأدیان والعادات والتقالید.

وهنا ألحّ على خاطري سؤال: كیف تمّ لبریطانیا أن تكون بهذا المستوى من الانتشار؟!

قد یعزى ذلك إلى أنها عاصمة النهضة الصناعیة، وقبل ذلك كانت مركزاً لأقدم الصروح الأكادیمیة، بل هناك الكثیر من الإجابات عن السؤال: ولكن لنتحدث عن شكل الحكم في بریطانیا.

كانت الملكة فكتوریا عندما تولّت الحكم شابة في الثامنة عشرة، وعندما بلغت الثمانین من عمرها ألقت خطبة العرش التي جاء فيها: "لیس فیكم أيها السادة أعضاء مجلس العموم ومجلس اللوردات مَن لم أتعلّم منه شیئاً جعلني أن أكون فخورة بكم... أنتم أساتذتي الحقیقیون في فن الحكم.. وإني لن أنسى لكم ما حبوتموني به من حبٍ وتقدیرٍ جعلني أشعر بمسؤولیتي الأخلاقیة أمام شعبي".

***

والذي یؤكد قیام الملكة فكتوریا بواجباتها، بحرص وعنایة، ما كتبته في مذكراتها عن أزمة عمال الفحم: "أیقنت من الإنصات لشرح اللورد ملبورن أن العیب في نظام التعلیم في بلادي لیس في ندرة المعلم الذي یُحسن توضیح الأمور لتلامیذه، وإنما العیب في أن المدرسین لا یقومون بواجبهم بتوضیح الأشیاء، كما یوضّح لي لورد ملبورن كثیراً من القضایا السیاسیة". كان بودّي أن أعلّق، لكن... "قد أسمعتَ لو نادیت حیاً"!

back to top