الوباء العالمي بين الصحي والسياسي

نشر في 16-03-2020
آخر تحديث 16-03-2020 | 00:20
 أ.د. غانم النجار بعد إعلان منظمة الصحة العالمية "كورونا/ كوفيد - ١٩" وباءً عالمياً، دخل العالم في حالة من الفوضى في كيفية التعامل مع وباء جديد، قاتل، منتشر بأسرع مما توقّعه المتوقعون، الذين حاولوا التقليل منه، أو الاستهزاء به، أو ترحيله ذهنياً ضمن نظرية المؤامرة. ولو أن ذلك كان أحد السحرة في قرية بمجاهل إفريقيا، لكانت مفهومة، ولكن أن يأتي ذلك من قيادات لدول كبرى فتلك هي المعضلة.

عندما حاضر بيل غيتس، قبل ٤ سنوات، مؤكداً أن العالم الذي ينفق مئات المليارات في السلاح النووي خشية قدراته التدميرية لن يستطيع التعامل مع وباء ميكروبي، وهو أمر حتمي الحدوث- لم يكترث أحد كالعادة. كانت "الكتابات على الجدران" تشير بشكل واضح إلى المآسي البشرية الناتجة عن خلل فاضح في إدارة شؤون العالم، وبالذات من الدول الكبرى، فعندما يزيد عدد اللاجئين على ٦٥ مليوناً في العالم، دون تحرك دولي جاد للحل إنسانياً، نجد التعامل مع تلك الأزمة غير المسبوقة بالتاريخ عن طريق إغلاق الحدود، وزيادة أحزاب الكراهية والأنانينة. وعندما يهدد التغير المناخي البشرية ويتم التعامل معه بكل استهتار بخليط من الغرور والأنانية، لن يجعلنا نستغرب كيفية التعامل مع وباء خطير مثل كوفيد- ١٩، ففي الحالات الثلاث، اللاجئون والتغير المناخي ووباء كورونا، يكون المتضرر هم البشر العاديون. بريطانيا وأميركا برزتا كنموذج واضح لذلك السلوك المتهافت، وهما من يفترض فيهما أن تكونا نموذجاً لسلوك أكثر حصافة؛ ففي أميركا أعلن ترامب أنه لا يتحمل المسؤولية، ومازالت الإجراءات دون المستوى، الأمر الذي أدى إلى قيام الحكومات المحلية في أميركا باتخاذ إجراءاتها الاحترازية، أو بريطانيا التي تشهد تصاعداً في أرقام المصابين والوفيات. وبالمقابل، يأتي المثال الناجح من تايوان كدولة ليست حتى عضواً في الأمم المتحدة والأقرب للصين، ومن الأمور الجيدة أن تكون الكويت ضمن الدول الملتزمة. واقع الأمر أن الإجراءات في أميركا وبريطانيا متأخرة، وصار عليهما أن يتواضعا بعض الشيء، ويستمعا إلى جهة الاختصاص، منظمة الصحة العالمية، التي أعلنت أوروبا مركزاً رئيسياً للوباء، وأن يضعا في اعتبارهما حالة إيطاليا المتدهورة في مواجهة "كورونا/ كوفيد - ١٩".

من المتوقع أن يتأثر المصير السياسي لكل من الرئيس ترامب أو رئيس الوزراء بوريس جونسون، وغيرهما، بكيفية تعاملهما مع كورونا، كونهما قد تعاملا باستهتار مع الوباء، فكل زيادة للمصابين وكل حالة وفاة ستلتهم من رصيدهما السياسي. أتمنى أن يدركا ذلك، ليس لذاتهما ولكن إدراكهما، حماية لوضعهما، سيدفعهما بشكل أكبر لإيجاد إجراءات قد تحمي أرواح البشر فعلياً لا بلاغياً، وإلا فإن "كورونا" سيتحول بشكل سريع إلى وباء سياسي يصعب الفكاك منه.

back to top