الهزيمة الأميركية في أفغانستان

نشر في 11-03-2020
آخر تحديث 11-03-2020 | 00:00
 لوس أنجلس تايمز هل أصبح "السلام في أيامنا" وشيكاً في أفغانستان؟ هذا ما يظنه ترامب! فهو اعتبر الاتفاق الذي وقّعه دبلوماسي أميركي مع مسؤول من حركة "طالبان" "مساراً فاعلاً نحو إنهاء الحرب في أفغانستان وإرجاع جنودنا إلى ديارهم". على أمل أن يكون محقاً فعلاً!

لكن من الواضح أن الأميركيين لا يرقصون في الشوارع أمام احتمال انتهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، فمع انتشار فيروس كورونا واستمرار التطورات الدراماتيكية المرافقة للانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الديمقراطي، تَرِد مسألة أفغانستان في أفضل الأحوال كنبأ ثانوي في القنوات الإخبارية وفي عقول الناس، كذلك سئم البلد منذ وقتٍ طويل من عمليات التدخل المسلّحة التي تطول مدّتها بشكلٍ تلقائي، لا نقاط تحوّل في المعارك الحاصلة ولا عمليات حاسمة، بل مجرّد تقارير متفرقة عن عمليات القصف وعدد القتلى.

لكن تستحق خطة السلام تحليلاً معمقاً حتى لو لم يحتفل بها الأميركيون، حتى الآن على الأقل، لن تتحقق رغبتنا الفطرية في المضي قدماً ونسيان تلك التجربة.

بعد مرور 20 سنة تقريباً، لم تحقق الولايات المتحدة أي إنجازات في أفغانستان، حتى أنها تكبّدت هزيمة كبرى في ذلك البلد البعيد من آسيا الوسطى، فكان الاتفاق المبرم في عطلة نهاية الأسبوع الماضي (بدأ يتصدع بشكلٍ شبه فوري) أشبه باعترافٍ بالهزيمة، وكانت رغبة إدارة ترامب بالانسحاب أقوى من مبرر الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان منذ البداية.

رغم سقوط أكثر من 6 آلاف أميركي وإنفاق نحو تريليون دولار، لم تقترب القوات الأميركية يوماً من هزم حركة "طالبان" الأفغانية، وتكشف أرقام الحكومة أيضاً أن اعتداءات العدو خلال تسع سنوات بلغت ذروتها في الربع الأخير من عام 2019.

على صعيد آخر، فشلت البرامج الرامية إلى بناء جيش وشرطة قادرَين على توفير الأمن في أفغانستان، وفشلت أيضاً جهود إنشاء حكومة موحّدة في كابول دعماً للشعب الأفغاني، واليوم يتنافس طرفان متناحران على الرئاسة الأفغانية، وفي ما يخص مبلغ التسعة مليارات دولار التي صرفتها الولايات المتحدة من أموال دافعي الضرائب لتقليص زراعة الأفيون، لم تحقق هذه الجهود شيئاً وفق تقرير مفصّل نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في شهر ديسمبر الماضي، حيث تفيد التقارير بأن أفغانستان اليوم تنتج أكثر من 90% من إمدادات الأفيون في العالم، وأخيراً، لم تنجح جهود كبح الفساد المستفحل بأي شكل، إذ تصنّف منظمة الشفافية الدولية أفغانستان من أكثر الدول فساداً في العالم حتى الآن.

كانت هذه الجهود كلها جزءاً من أهم أهداف السياسات الأميركية، لكنها لم تكن مثمرة، ربما حققت الجهود الأميركية نجاحاً متواضعاً على مستوى تعليم الفتيات، إذ يقصد 3.5 ملايين منهنّ المدارس الأفغانية راهناً، لكنّ الخلل السياسي وانعدام الأمن يُعرّضان ذلك الإنجاز البسيط للخطر أيضاً.

قد يقول البعض إن الولايات المتحدة لم تشهد أي نسخة جديدة من اعتداءات 11 سبتمبر منذ وصول قواتها إلى أفغانستان قبل أكثر من 18 سنة، لكن تفترض هذه الفكرة وجود علاقة سببية معدومة بين هذين العاملَين. لم يطلق مقاتلو "طالبان" حركة جهاد عالمية ضد الولايا+ت المتحدة أصلاً، إذ لم يتغير هدفهم منذ أن قاوم المجاهدون الأفغان الاحتلال السوفياتي خلال الثمانينيات: هم مصمّمون على طرد قوات الاحتلال الأجنبية، وإذا صمد اتفاق السلام الأخير رغم كل شيء وسحب ترامب القوات الأميركية كما وَعَد مراراً، فذلك يعني أن "طالبان" حققت ما حاربت من أجله لفترة طويلة. إنه انتصار واضح لها!

يجب أن تستخلص الولايات المتحدة درساً واضحاً من هذا الصراع الطويل وغير المجدي، ومن تجربتها في حرب العراق أيضاً: تتعلق أنسب مهمة يمكن أن يتولاها الجيش الأميركي بالردع والدفاع. يجب أن تُنقَش هذه العبارة فوق المدخل الرئيس للبنتاغون، أو تُضاف إلى القَسَم الذي يحلفه القائد الأعلى.

ويجب ألا تحاول القوات الأميركية، في أي ظرف من الظروف المستقبلية، إسقاط الأنظمة في أراضٍ بعيدة، حيث تحمل توقعات مبهمة حول قدرتها على إرساء نظام سياسي على طريقتها الخاصة. هذه المقاربة كفيلة بإطلاق "حروب لامتناهية" أخرى.

إذا استوعب كبار المسؤولين في مجال الأمن القومي الأميركي هذا الدرس، فلن تكون الحرب في أفغانستان حينها مجرّد مضيعة للوقت، لكن يتطلب استيعاب هذه الفكرة قدرة تحليلية غير موجودة في واشنطن للأسف!

* أندرو باسيفيتش

* «لوس أنجلوس تايمز»

back to top