رياح وأوتاد: والإنسان المسلم أين حقوقه؟

نشر في 09-03-2020
آخر تحديث 09-03-2020 | 00:10
 أحمد يعقوب باقر يسارع بعض دعاة حقوق الإنسان في بلاد المسلمين إلى تبني كل ما تدعو إليه المنظمات الأجنبية لحقوق الإنسان دون النظر لملاءمتها لديننا ومجتمعنا، فمثلاً يقوم بعضهم بتأويل النص الواضح في المذكرة التفسيرية للمادة الثانية من دستور الكويت لكي تتوافق مع تعاليم تلك المنظمات، وطالبوا بإلغاء حصر الجنسية الكويتية بالمسلم، وطالبوا ببناء المعابد الوثنية في بلاد المسلمين، وعملوا على إلغاء ولاية الأب في الزواج، وطالبوا بالمساواة بين الذكر والأنثى في الميراث، وزواج المسلمة بغير المسلم، وعدم تجريم فعل قوم لوط، وإباحة الحريات التي تخالف الشرع والأعراف، واليوم تشهد عدة بلاد عربية وإسلامية صراعات داخلية يسعى فيها الطرف الذي يتبنى ويؤمن بمعايير حقوق الإنسان الغربية إلى فرضها على الغالبية المحافظة المتمسكة بخصوصيتها.

ولطالما آمنتُ شخصياً أن قضايا حقوق الإنسان في معظمها تتعلق بالقوة، أي بما تملكه الجهات الداعية لهذه الحقوق من قوة في سعيها لفرض إرادتها على الجهات الأضعف منها، بمعنى آخر هي وسائل تتبناها بعض المنظمات المدعومة من بعض الدول القوية من أجل تصدير مفاهيمها الأخلاقية والاجتماعية إلى الدول الضعيفة والمتخلفة بشكل انتقائي مع السكوت أو عدم التأثير على جرائم الدول القوية، بالتالي فهي صورة من صور صراع الحضارات، ولكن بأسلوب مغرٍ وناعم ويبدو بمظهر من يسعى إلى نصرة الضعفاء والأقليات.

ولنستعرض بعض الأمثلة حتى يتضح المقصود:

في الهند، وهي كما يقال أكبر دولة ديمقراطية في العالم، تم حرق وهدم مسجد بابري وهو أقدم المساجد في الهند، وبناء معبد هندوسي مكانه، وهذا الفعل لم تحمر له أنوف الدعاة لحقوق الإنسان الذين يدافعون عن بناء المعابد الوثنية في بلاد المسلمين، وها هي الهند اليوم تصدر قانونا يمنع تجنيس المسلمين، وهذا القانون سيحرم ملايين المسلمين الهنود من السكان الأصليين من وطنيتهم لأنهم لم يحملوا الجنسية لعدم استخراجها في السابق، في حين ذهب بعض المسلمين للطعن في قانون حصر الجنسية الكويتية بالمسلمين في المحكمة الدستورية لأن هذا القانون يخالف حقوق الإنسان في نظرهم، أما الحزب الهندي المتطرف الذي يقوم بهذا العمل فيعلم أن منظمات حقوق الإنسان لن تضره أو تؤثر فيه.

والأخطر من ذلك هو الخطاب التحريضي الذي ألقاه ترامب قبل أيام في الهند أيضاً مهاجماً ما أسماه الإرهاب الإسلامي، رغم أن الهند شهدت أعمال عنف من جميع الطوائف، فراح ضحية خطابه غير المسؤول مئات الضحايا من المسلمين وحرقت بيوتهم ولكنه لم يهتم، وكان لسان حاله يقول "أنا ولا يهمني لأني رئيس دولة قوية".

وها هو الاتحاد الأوروبي الذي يتمتع بالقوة يصدر بياناً يؤيد فيه جهود اليونان في منع اللاجئين السوريين من الدخول إليها، وكانت اليونان قد أطلقت النيران الحية على أولئك المساكين الفارين بجلودهم وأرواح أبنائهم. وها هي القوات الروسية تطلق قذائفها على المدنيين في إدلب دون أن يهتز للروس جفن أو ترتعش لهم يد خوفاً من منظمات حقوق الإنسان أو الدول الراعية لها، لأن روسيا دولة قوية جداً لا تأبه لهذه المنظمات.

وها هي الصين تقيم أكبر معسكر اعتقال في التاريخ لتعذيب المسلمين وتحويلهم عن دينهم دون أن تخاف أو تهتم لأنها دولة قوية أيضاً لا تخاف أدعياء حقوق الإنسان، وها هي دولة اليهود الصهاينة تعلن بقانون أنها دولة يهودية، وأن اليهود فقط هم السكان من الدرجة الأولى دون خوف، في حين خاف ربعنا من تطبيق المادة الثانية من دستور الكويت.

وكذلك احتل الصهاينة الأرض والمقدسات، ومنعوا السكان الأصليين من العودة وهدموا منازلهم، وداسوا على حقوق المدنيين الفلسطينيين تلك الحقوق التي كفلتها جميع قوانين وأنظمة حقوق الإنسان في العالم، ولكن لم يكترث الصهاينة لحقوق الإنسان لأنهم ينطلقون من دولة قوية وتدعمها دولة سوبر قوية أيضاً، وها هي فرنسا القوية أيضاً تمنع الفرنسيات المسلمات من ارتداء ما يشأن لأن أزياءهن تخالف العقيدة العلمانية المتوحشة.

ويا ويلك من جماعات حقوق الإنسان لو تزوجت بثانية حسب الشريعة الإسلامية، ولكن بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الحالي قرر أنه سيعلن خطوبته على صديقته التي تعيش معه في مقر الرئاسة البريطانية بعد أن تبين أنها حامل منه، مع أنه متزوج ولديه أطفال وزوجته لا تزال على ذمته، وذلك برضاء تام من جماعات حقوق الإنسان والمرأة.

الخلاصة أن الإسلام بحاجة إلى دولة قوية تحمي أحكامه وشعائره وإلا فسيختفي الكثير منها في الكثير من بلاد المسلمين الضعيفة بحجة حقوق الإنسان التي تضغط على الأنظمة الضعيفة وتغض الطرف عن الجرائم التي تعصف بحقوق المسلمين في العالم، وكأن الإنسان المسلم ليس له حقوق.

back to top