خاص

قصر العدل... تاريخ شامخ تستحقه الأجيال المقبلة

• الريس لـ الجريدة•: مبررات هدمه واهية... ويجب الحفاظ على المباني التاريخية للكويت
• «إذا كان آيلاً للسقوط فكيف تسمح الدولة بعقد جلسات فيه وتعرّض أرواح المراجعين للخطر؟!»

نشر في 05-03-2020
آخر تحديث 05-03-2020 | 00:02
أكد المهندس صباح الريـس ضرورة الحفاظ على المباني التاريخية لدولة الكويت، ومن ضمنها مبنى قصر العدل، إذ لكل جيل حقه في التاريخ، ولا يجوز حرمان الأجيال المقبلة من رؤية تلك المباني التي شيدت في الماضي وتستحق الاحتفاظ بها.

وقال الريس، لـ "الجريدة"، إن الحضارة الإنسانية تكونت نتيجة تراكم حضارات في فترات مختلفة، مؤكداً أن الكويت كانت ولا تزال من أكثر الدول التي تتغنى بتراثها، غير أنها للأسف أكثر الدول تخريباً لهذا التراث، "فنحن نتغنى بالماضي، ونلوم الأجيال السابقة لتقاعسها في حماية تراثنا، وفي الوقت نفسه نخرّب حاضرنا".

غير متهالك

ورداً على الإدعاءات التي تنادي بهدم مبنى قصر العدل نظراً لتهالكه وقِدمه، أكد الريس أن المبنى غير متهالك، إذ يقصده آلاف المراجعين يومياً، متسائلاً: إذا كان هذا المبنى متهالكاً وآيلاً للسقوط فكيف تسمح الدولة بعقد جلسات محاكمها فيه وتعّرض أرواح آلاف المراجعين للخطر؟!

وعن الادعاء بأن المياه المالحة غمرت سرداب المبنى خلال فترة الاحتلال وأثّرت على أساساتـه، قال إن الاحتلال مضى عليه ثلاثون عاماً ولم تظهر أية أدلة على تأثر المبنى من طفح المياه في سردابه، موضحاً أن الأضرار التي تكبدها المبنى تم تقييمها، ودخلت ضمن التعويضات التي تسلمتها الكويت من مفوضية الأمم المتحدة، وجاءت التعويضات بناء على المطالبات والتقارير الفنية التي قدمتها الكويت وقتذاك، ولم يكن ضمن هذه المطالبات التعويض عن إزالة المبنى.

وذكر أنه تمت معالجة تأثر خرسانة المبنى المسلحة من الكونكريت وحديد التسليح بالسولفيت والكلورايد الذي تحتويه مياه البحر المالحة بعد التحرير، ولم تظهر أية بوادر تدل على تأثيرها على أساسات المبنى، "ولا نعلم مَن أتى بهذه الفرضية بعد ثلاثين عاماً من حدوثها"، مؤكداً أن "جميع سراديب المستشفيات والمرافق العامة غرقت خلال الاحتلال، ولم نسمع اقتراحاً بهدم أي مستشفى من جراء ذلك".

تصميم عالمي للاسكتلندي باسل سبنس

أكد الريس أن قصر العدل رمز تاريخي لدولة الكويت، إذ افتتحه الشيخ جابر الأحمد عام 1986، بعدما اختير لتصميمه المعماري الاسكتلندي السير باسل سبنس من ضمن مجموعة من المعماريين العالميين؛ لتحسين وضع العمارة في الكويت، وإعطائها صبغة عالمية ضمن سياسة الدولة في حقبة ستينيات القرن الماضي لإيقاف زحف العمارة السيئة على الكويت في بداية نهضتها، موضحا أن ذلك كان بناءً على توصية من اللجنة الثلاثية المؤلفة من كبار معماريي العالم في ذلك الوقت، وهم عمر عزام، وليزلي مارتن وفرانكو البيني.

وقال الريس إن اللجنة الثلاثية المذكورة كانت قد أوصت في سبيل عمارة الكويت باختيار المعماري العالمي كانزو تانكا من اليابان لعمارة مطار الكويـــت، وبلجيوزو من إيطاليا للأسواق داخل المدينة، وريما باتيلا من فنلندا لتوسعة قصر السيف عام 1973، وكاندليس وهوزي وود من فرنسا للسكن داخل المدينة، وللمــدارس المعماري الفرد روث من سويسرا، ولأبراج الكويــت المعماري ميلان بورن من الدنمارك، وللبنك المركزي المعماري أرن يوكبسن من الدانمارك، وللمسجد الكبير محمد مكية من العـــراق.

ولفت إلى أن اللجنة أوصت أيضاً باختيار المعماري ميشيل إيكو شارل من فرنسا لعمارة المتحف الوطني، ويورن أوتسون من الدانمارك لمجلس الأمة، ولقصر العـدل السير باسل سبنس من اسكتلندا – المملكة المتحدة، إلى جانب ارثر إريكسون من كنــدا لمجمع الصوابر.

وأوضح أن مبنى قصر العدل، الذي يتكون من سردابين و8 أدوار، كان من أواخر المباني التي صممها السير سبنس، إذ توفي في 19 نوفمبر 1976، وله عدة مؤلفات تتعلق بمدرسته في العمارة.

تكلفة الترميم مبالغ فيها

وبشأن الادعاء بأن تكلفة ترميم المبنى الحالي لقصر العدل أعلى من تكلفة هــدمه وإعادة بنائـــه، قال الريس إن تكلفة الترميم الواردة في تقرير الهدم مبالغ فيها بشكل كبير، ولا يمكن أن تكون بهذا المبلغ بأي حال من الأحوال، موضحا أن مصادر ادعت أن دراسة لوزارة العدل ذكرت أن المبنى يحتاج إلى ترميم وأن عمره الافتراضي سينتهي قريباً.

وتساءل: "مَن الذي قرر أن عمر المبنى الافتراضي سينتهي قريباً؟! ولو كان الأمر بهذا المنطق فلماذا لم يُهدم مبنى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومبنى البلدية اللذان تم افتتاحهما عامَي 1961 و1963 على التوالي، وهما أقدم بربع قرن من مبنى قصر العدل؟ ولماذا لم تُهدم أبراج الكويت التي افتتحت عام 1979، وهي أقدم من قصر العدل بسبعة أعوام؟!

كلام مرسل

وطالب وزارة العدل بنشر الدراسة التي تفيد بأن المبنى متهالك وأن كلفة تجديده أعلى من كلفة بناء آخر جديد؛ "حتى نتمكن كمختصين من دراستها لعلها تفيدنا ونتعلم منها أشياء نجهلها في عالم هندسة البناء التي نزاولها أكثر من نصف قرن"، مؤكداً أن هذا الادعاء كلام مرسل لا يستند إلى أي أساس علمي، والمبنى صالح بكل المقاييس".

وشدد على ضرورة وقف نهج الهــدم الذي تتبنـــاه الدولة؛ "فالهدم حجة الضعيف، ولا يحتاج إلى مهندسين وتخطيط وتنفيذ وإشراف، بل يحتاج لقرار غير صائب في كثير من الأحيان، وأصحاب قرار يفتقرون إلى الوعي الكافي للمحافظة على تراثنا".

وأوضح الريس أن الكويت لم تأخذ بتجربة المدن الأوروبية القديمة التي احتفظت بمبانيها القديمة وطورتها لتصبح من أهم معالمها، فبحلول عام 1960 كانت معظم معالم الكويت القديمة قد أزيلت، مثل قهوة بوناشي والسور الثالث والبهيتة، كما شوهت ساحة الصفاة، وأزيل مجسم الكرة الأرضية في ثانوية الشويخ، إلى جانب الفرجان والبراحات القديمة وسينما الأندلس وبناية أوميغا في مدخل شارع الجديد ومبنى الكويتية ومجمع الصوابر، فضلاً عن إهمال قصر وديوان خزعل وتركهما ليندثرا حتى أصبح إعادة ترميمهما شبه مستحيل، متسائلاً: إلى أين نحن سائرون؟!

وفي وقت أعرب عن شكره لوزارة الأوقاف وبعض الجمعيات الخيرية لتصديها لهدم المساجد الآثرية، دعا المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ووزارة الإعلام والجمعيات الخيرية للقيام بنفس الدور والمحافظة على المباني المهمة والتاريخية، التي لها نفس القيمة التاريخية للمساجد.

الهدم حجة الضعيف ولا يحتاج إلى مهندسين وتخطيط بل لقرار غير صائب

على وزارة العدل نشر دراستها عن تهالك المبنى حتى نستفيد منها كمختصين في علم هندسة البناء

فرضية انتهاء العمر الافتراضي للمبنى قريباً يدحضها بقاء مبنيي المجلس الوطني والبلدية وهما أقدم من «القصر» بربع قرن

لا أدلة على تأثر المبنى بطفح المياه في سردابه إبان فترة الاحتلال وتمت معالجة تأثر خرسانته بعد التحرير
back to top