وداع رجل نبيل

نشر في 25-02-2020
آخر تحديث 25-02-2020 | 00:40
 ماجد بدر جمال الدين عندما أصدر عام 1952 كتاب «ماذا نريد من حكومة الكويت»، لم يكن يعقــــوب يوسف الحمــــد يكتب خواطر طالب كويتي في كلية التجارة بجامعة الملك فؤاد بالقاهرة، بل كان يعلن عن نهج حياة، التزم به ولم ينحرف عنه رغم كل أضواء وطبول الثورات والثوار وتياراتهم الصاخبة آنذاك، وطوّره ومارسه دون أن ينحرف به، رغم كل إغراءات المناصب والمكاسب مع بواكير النهضة الحديثة لبلاده، منهج حياة يقوم على موضوعية الفكر، وجرأة الطرح، ووطنية الهدف.

لغيري أن يكتب بإعجاب عن الشركات التنموية التي ساهم في تأسيسها، وتولى قيادتها، ولغيري أن يكتب بتقدير عن المواقع العامة التي خدم بلاده من خلالها، متمسكاً بقواعد نهجه الثلاث. أما أنا فسأكتب عن يعقوب يوسف الحمد الذي شرفت بمعاصرته والعمل بجانبه في غرفة تجارة وصناعة الكويت، وعلى مدى ربع قرن أو أقل شهوراً، لم يتأخر خلالها عن موعد، ولم يتغيب عن اجتماع، ولم يعتذر عن تكليف إلا مضطراً.

أقبـل على العمل جريء القلب، واثق الخطى، واضح القصد، مستقيم الطريق، لا يضمر ما لا يعلن، ولا يعلن ما لا يقصد، فعاش حياة كثيرة الدروب، عميقة التجارب، واسعة المسيرة، عاطرة السيرة، مثل سربه من جيل الرواد، الذي اتكأت عليه نهضة الوطن.

كان «أبو بشار» صادقاً مع الجميع؛ لأنه صادق مع نفسه، وكان رأيه صريحاً وشفافاً، يقوله بحزم، ثم لا يكرر قوله أبداً، ولا يساجل المعلقين عليه، فهو حاسم بلا تهور، حازم بلا تكبر، عازم بلا تردد. ما خاف يوماً من التفرد برأي ولا من مخالفة الأكثرية، حتى لو سار وحيداً وأوحشت الطريق. فقد كان صاحب همّة بقدر ما كان صاحب حجة، وما زادته الأيام إلا حكمة، وما زادته نوائبها بالغة القسوة إلا صبراً.

يا صديقي ــــ وأستميحك عذراً في أن أدّعي ولو لمرة واحدة هذا الشرف ــــ أنا لا أرثيك، فقد غادرتنا منذ سنوات، حين آثرت العزلة لتعيش مع الكثير من نفسك.

أنا أذكرك كما عرفتك لتأنس نفسي بذكريات مسيرة نادرة. وأنا أذكرك لأقول لك كم أنا فخور بأني عاصرتك، وتعلمت منك بقدر ما استطعت أن ألتزم به... وما أقلّه، وما أغلاه.

قبل سبعين سنة أو تكاد، سألت سؤالك.

واليوم اسمح لي أنا أن أسألك: هل تلقيت جواباً؟

وداعـاً... أيها الرجل النبيل.

back to top