ما قل ودل: على هامش الاستبدال والقرض الحسن

نشر في 23-02-2020
آخر تحديث 23-02-2020 | 00:11
 المستشار شفيق إمام المادة الثانية بين الأصالة والمعاصرة

ما تنص عليه هذه المادة هو أن: "دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"،

وفي تفسير المذكرة التفسيرية للدستور لأحكام هذه المادة تقرر أن هذا النص "وقد قرر أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي التشريع، إنما يحمل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة ما وسعه ذلك، ويدعوه إلى هذا النهج دعوة صريحة واضحة".

وتستطرد المذكرة التفسيرية فتقرر: "ووضع النص بهذه الصيغة توجيه للمشرع وجهة إسلامية أساسية دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكما لها، أو من المستحسن تطوير الأحكام في شأنها تمشيا مع ضرورات التطور الطبيعي على مر الزمن".

ومؤدى هذا النص في ضوء تفسير هذه المذكرة وهو تفسير ملزم، أن الدستور يجمع في هذا النص بين الأصالة والمعاصرة في التشريع، فجعل الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسا للتشريع، ولم يمنعه من استحداث أحكام في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكما لها، أو من المستحسن تطوير الأحكام في شأنها تمشيا مع ضرورات التطور الطبيعي للحياة والزمن، بل يدعوه إلى ذلك الأمر الأخير دعوة صريحة فيما تنص عليه المادة (12) من الدستور من أن "الدولة تصون التراث الإسلامي، وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية".

استحداث أحكام من مصادر أخرى

وإن الدستور بهذا النص يحمل المشرع أيضا أمانة أخرى إلى جانب صون التراث الإسلامي، هي استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكماً لها، أو تطوير أحكامه تمشياً مع تطور للحياة الطبيعي، وهى المعاصرة، بإسهام الدولة في ركب الحضارة الإنسانية وفقاً لأحكام المادة (12) من الدستور فهو نص يرتبط ارتباطا وثيقا بنص المادة (2) من الدستور سالفة الذكر في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، في تناغم بديع وتناسق رائع، ولم يكن ذلك غائبا عن الفقه الإسلامي في تحديده لمصادر الشريعة الإسلامية فاعتبر المصالح المرسلة مصدراً احتياطياً في مصادره العديدة بعد القرآن والسنة والإجماع والقياس.

والتأمين على الحياة هو أحد إفرازات الحضارة الإنسانية، وهناك شركات إسلامية في التأمين تمارس هذا النشاط لقيامه على التكافل الاجتماعي وهو جوهر العقيدة الإسلامية.

لا يجوز قياس نظام الاستبدال على القروض

ونظام الاستبدال لا حكم له في الفقه الإسلامي أصلا، ولا يجوز قياسه على القروض، لأن من شأن ذلك تطبيق أحكام القروض، على نظام لا تعرفه الشريعة الإسلامية أصلا، هو نظام الاستبدال المتفرع من نظام التأمينات الاجتماعية، فكلاهما من مستحدثات الفكر الإنساني، وقد وضعا استجابة لسنّة التطور، وتربطهما بأحكام الشريعة الإسلامية قيامهما على التكافل الاجتماعي، حيث تنص المادة (78) من قانون التأمينات الاجتماعية على أنه "عند وفاة صاحبه... تسوى معاشات المستحقين عن صاحب المعاش على أساس أنه لم يستبدل جزءا من معاشه"، بما يخالف قاعدة شرعية في نظام القروض هي أنه لا تركة إلا بعد سداد الديون، ويستمد من حكم المادة (78) أساسه الشرعي من مصلحة معتبرة شرعا، ذلك أن المصالح المرسلة يعتبرها الفقه الإسلامي مصدرا من مصادر التشريع الإسلامي، حيث يقوم الاستبدال على التكافل الاجتماعي الذي هو جوهر العقيدة الإسلامية.

والمبالغ التي يتقاضاها أصحاب المعاشات والمؤمن عليهم عند استبدال جزء من معاشاتهم المستحقة أو المفترضة عند انتهاء خدمة المؤمن عليه، هي أموال سائر المؤمّن عليهم وأصحاب المعاشات وأموال أصحاب الأعمال، التي يعتبر عائد استثمارها أحد مصادر تمويل نظام التأمينات الاجتماعية، لإبقاء قدرته على الوفاء بالتزاماته نحو الأجيال المتعاقبة، وفي صرف مبالغ الاستبدال سالفة الذكر لنفر محدود هم المستبدلون دون أي عائد استثمار لحرمة الملكية الخاصة التي صانها الدستور في المادتين 18 و11.

فضلا عن حرمة المال العام التي كفلها الدستور في المادة (17)، فيما تتحمله الخزانة العامة من أعباء مالية تدرج سنويا في الميزانية العامة للدولة، كمساهمة سنوية يفرضها قانون التأمينات الاجتماعية للحفاظ على التوازن المالي لنظام التأمينات الاجتماعية، والتي تقتطع من الإنفاق العام على الخدمات العامة لكل المواطنين، والتي يترتب على صرفها باعتبارها قرضا حسنا للمستبدلين، حرمان نظام التأمينات الاجتماعية من عائد استثمارها، وإخلالا بالمساواه بين هؤلاء وبين سائر المواطنين الذين لهم نصيب فيما تضخه الخزانة العامة من هذه الأموال، فضلا عن سداد للعجز الاكتواري عند اختلال المركز المالي للنظام من المال الاحتياطي العام الذي لكل مواطن فيه نصيب.

back to top