ابن الأعور

نشر في 21-02-2020
آخر تحديث 21-02-2020 | 00:07
 فواز يعقوب الكندري الفطرة البشريّة جرّت المجتمعات منذ الجاهليّة الأولى أن تختار الشّهم كي يحلّ مشاكل قومه، وينتصر لحقوقهم، ويحمي أعراضهم، ويسهّل عليهم أمور حياتهم، إن الشّعور بالفوضى أرعبهم، والإحساس بعدم وجود رأس لجسد مجتمعهم سيدمّرهم، فكانوا حين يختارون ممثلهم يختارونه بعناية، ويحرصون أن يكون ذا مروءة، لا يبتزّ قومه، ولا يرضى لهم الهوان والذّل.

تخيّل يا عبدالله (بصوت مطوّع يبي يقنعك) أنّنا في عصر التكنولوجيا السّريعة المجنونة وهذه اختياراتنا لمن يحلّ مشاكلنا، ويعرض لأصحاب القرار همومنا ليرفعها عنّا، نظرة سريعة لكلّ من تصدّر مشهدنا من سياسيّين وإعلاميّين ورياضيّين، قدّمنا أرذلهم وأغباهم وأتفههم، إنّنا غير مدركين أنّ المذاق المرّ الذي نستطعمه هو نتاج اختيارنا لطبّاخ سرق السّكر، واحتفظ بالملح حتّى ينثره على آلامنا.

لست هُنا لأكتب خلاف ما أشعر حتّى لا تصفني بالسّلبي المتشائم، لم يضع الله في يدي قلما راقيا لأتزلّف، ولم يمنحني الله من فضله حين خلق لي مخيّلة عظيمة لأنافق، ربّما كفاح أبي، أطال الله في عمره، جعلني أعيش هانئاً، لكنّي أشعر أن واجبي نقل معاناة رفاقي، أنا هُنا لأكتب عن القروض واحتكار العقار وسرقة الملايين، ولست هنا لأنفخ البلالين، أنا هُنا لأتذمّر من مآسي الطّرق، ولست هنا يا سيّدي لأصفّق.

حين دخل "شريك بن الأعور" على معاوية وكان دميماً، قال له معاوية: إنّك لدميم، والجميل خيرٌ من الدّميم، وإنّك لشريك وما لله من شريك، وإنّ أباك لأعور والصّحيح خيرٌ من الأعور، فكيف سدت قومك؟!

وأنا هنا لأقول: علومكم ما هي غانمة، فكيف سدتم قومكم؟!

back to top