«دمج الشركات النفطية»... مزايا تقاومها تحديات

• ضرورة اتساق المشروع مع استراتيجية 2040 بما لا يناقض التوجه لتقليل الاعتماد على النفط
• نجاحه مرتبط بتوفير فرص وظيفية للعمالة الوطنية ومراجعة جدوى عقود المقاولين

نشر في 20-02-2020
آخر تحديث 20-02-2020 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
مع التأكيد على أن الدمج من حيث المبدأ عملية تحتوي على العديد من المزايا لمرونة ورشاقة القطاع النفطي، بما يمكنه من مواجهة تحديات السوق وتلبية متطلبات المشاريع وخطط التوسع وتنفيذ الاستراتيجيات؛ فإن من المفيد وضع الأمور في نصابها، كي لا يكون الدمج وحده هدفاً، بل ما يفضي إليه من نتائج على المديين المتوسط والطويل.
أحيا المجلس الأعلى للبترول، في اجتماعه الأخير، المشروع القديم للقطاع النفطي منذ عام 2008 تقريباً، متضمناً دمج الشركات النفطية في 4 كيانات رئيسية، في خطة إعادة هيكلة جذرية للقطاع النفطي الكويتي، الذي عانى خلال السنوات الماضية تقلبات وصراعات انعكست سلباً على الأعمال والسياسات.

ومن المتوقع أن يفضي الدمج في نهاية المطاف إلى توحيد الأعمال المتشابهة، مثل دمج شركتي نفط الكويت ونفط الخليج في قطاع الإنتاج، وشركات البترول الوطنية وكيبك والكيماويات البترولية في قطاع التكرير، والشركات العاملة خارج الكويت كالبترول العالمية والاستكشافات البترولية الخارجية (كوفبك) في قطاع الاستكشاف، أما القطاع الرابع فيضم التسويق العالمي في مؤسسة البترول مع شركة ناقلات النفط ضمن قطاع النقل والتسويق.

استراتيجية 2040

ومع التأكيد على أن الدمج من حيث المبدأ عملية تحتوي على العديد من المزايا لمرونة ورشاقة القطاع النفطي، بما يمكنه من مواجهة تحديات السوق وتلبية متطلبات المشاريع وخطط التوسع وتنفيذ الاستراتيجيات؛ فإن من المفيد وضع الأمور في نصابها، كي لا يكون الدمج وحده هدفاً، بل ما يفضي إليه من نتائج على المديين المتوسط والطويل، إذ لا يمكن أن تتم هيكلة القطاع من دون اتساق استراتيجيته عام 2040 مع خطط الدولة المفترضة بتقليل الاعتماد على النفط في الناتج المحلي الإجمالي، فلا يعقل أن تتبنى الدولة مشروعاً مثل «الحرير والجزر» يقلل الاعتماد على النفط في حين تخطط الاستراتيجية السابقة قبل تعديلها لإنفاق نحو 150 مليار دينار على تنمية القطاع النفطي ومشاريعه، لذلك يفترض الاعلان عن التعديلات بما تتضمنه من أهداف جديدة وحجم إنفاق قبل اتمام الهيكلة، كي تكون رؤية الكيانات الجديدة أوضح في التنفيذ.

العمالة والعقود

إن أي دمج لكيانات متشابهة يجب أن يفضي إلى رفع الكفاءة الإنتاجية وقوة الملاءة المالية وتحسين الربح والمرونة العالية في التعامل مع المتغيرات والتقلبات، لاسيما في سوق النفط، وهذه مزايا عامة تصلح لأي نموذج دمج في العالم... لكن في الكويت، ثمة أولويات على شكل تحديات تضاف إلى سابقاتها، مثل أن تكون هيكلة القطاع مفيدة في توفير فرص وظيفية للعمالة الوطنية، فما حدث العام الماضي بشأن عدم قبول القطاع لمهندسي البترول بسبب عدم الاحتياج ثم قبولهم لاحقا كمعالجة وقتية، دون النظر الى معالجة مسألة مهمة مرتبطة تتعلق بمحدودية المشاريع التي ينفذها القطاع النفطي، خصوصا فيما يتعلق بالأثر السلبي لعقود المقاولين على مهنية الشركات وتكاليف التشغيل وفرص العمل للعمالة الوطنية، فيجب أن يكون من مستهدفات الدمج بين الشركات النفطية توفير الفرص للعمالة الوطنية بما يوفر لهم فرص العمل والإشراف والتنفيذ على مشاريع القطاع ومراجعة الفائدة الاقتصادية والمالية لعقود المقاولين.

خفض التكاليف

كذلك يجب أن يستهدف الدمج خفض التكاليف المالية على القطاع النفطي، خصوصاً مواجهة تحدي نمو كلفة الاستخراج، التي تشهد نمواً في السنوات الأخيرة، حتى بلغ خلال السنة المالية 2018/2019 نحو 1.356 دينار للبرميل بنمو بلغ 18 في المئة، مقارنة بكلفة إنتاجه خلال السنة السابقة، مع العلم ان السنوات الاخيرة شهدت ارتفاعات لافتة في تكاليف الاستخراج، مع تقادم بعض الآبار وزيادة المياه فيها وانخفاض ضغطها، وهذه كلها عوامل تشكل عبئاً على المصروفات في حينه، ولا يوجد مشروع دمج في العالم لا يستهدف خفض التكاليف، بما لا ينعكس سلباً على الكفاءة التشغيلية، سواء في الاستخراج أو المشاريع، كأحد محددات النجاح.

حوكمة وبيروقراطية

من المهم جداً أن تنعكس نتائج الدمج على خلق قواعد حوكمة تسيير القطاع النفطي، وتحميه من شخصانية وشللية بعض القيادات فيه، فقد عانى القطاع النفطي، خلال السنوات الأخيرة، سلوكيات فردية انعكست على سلامة اتخاذ القرارات، وبات الولاء لقيادي داخل المؤسسة أهم من كفاءته أو استحقاقه لمنصب معين، بل دخل القطاع النفطي مصدر الثروة الأساسي بالكويت في صراعات لا علاقة لها بنشاطه التشغيلي، وقد تجلى الأمر في معالجة أزمة تعيينات مجالس إدارات الشركات النفطية وحلها بالتسوية والتراضي، دون اعتبار للتقاليد المهنية، مروراً بإضراب عام 2016، حيث كانت مؤسسة البترول جزءاً من المشكلة لا الحل، برفضها حتى التواصل مع النقابات لتلافي تأزم الأوضاع، وصولا الى استقالات لقيادات نفطية لم تستطع العمل في أجواء سلبية، وبالتالي فإن الدمج مطالب بخلق بيئة عمل في القطاع النفطي تُقلل حجم أثر شخصية القيادي على اتخاذ القرار، بوجود قواعد حوكمة تكون أساسا لمهنية المؤسسة على المدى الطويل، فضلا عن خلق قواعد تقلل من البيروقراطية التي تعد مستجدة في القطاع النفطي، الذي تميز تاريخيا بمرونة اتخاذ القرارات فيه.

التكنولوجيا والأبحاث

بما أن سوق النفط العالمي يواجه تحديات وقتية واستراتيجية تتمثل في تنامي أثر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على الاقتصاد العالمي، وتأثر الطلب في الاسواق على النفط، ودخول اميركا كمنافس لدول الخليج في الاسواق الاسيوية، فضلا عن منافسة النفط الصخري لنظيره التقليدي وخطوات «أوبك» في خفض الانتاج وتعميقه للمحافظة على مستويات مقبولة من الاسعار؛ فإنّ تضمُّن دمج الشركات النفطية اهتماما اكبر بالأبحاث والتكنولوجيا سيدعم مرونة القطاع في اتخاذ القرارات التي تواجه تحديات السوق المختلفة، وسيجعل التوسع في المشاريع والمنتجات والأسواق خاضعا لبيانات ومعلومات علمية ودقيقة تقلل من نسبة انحرافها عن الهدف المرسوم.

ومعلوم أن قطاع الابحاث تحديداً في الشركات العالمية، خصوصا النفطية منها، يعد قطاعا اساسيا في اتخاذ القرارات المهمة.

قيد الدراسة

صحيح أن دمج الشركات النفطية لا يزال قيد الدراسة، لكنه دخل مرحلة الجدية باعتماد المجلس الاعلى للبترول للمشروع، وبالتالي بات لازما أن يصب الدمج في مصلحة تفكيك التحديات التي تواجه القطاع النفطي، ليكون نافعا للمؤسسة وشركاتها ومجمل الاقتصاد الكويتي، مع الاخذ بعين الاعتبار ان نشر مشروع الدمج واستراتيجية 2040 المحدثة سيعطي آراء متنوعة من المختصين والخبراء؛ كلها ستكون مفيدة عند اتخاذ القرار النهائي.

يجب أن يستهدف الدمج خفض التكاليف المالية وخصوصاً كلفة الاستخراج

ضرورة خلق قواعد حوكمة بالقطاع النفطي لحمايته من شخصانية وشللية بعض القيادات

تضمُّن الدمج اهتماماً أكبر بالأبحاث والتكنولوجيا سيدعم مرونة القطاع في اتخاذ القرارات
back to top