نحو صفقة نووية جديدة مع إيران

نشر في 18-02-2020
آخر تحديث 18-02-2020 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت عندما أعلنت إيران في يناير أنها "ستخفض" التزاماتها بموجب اتفاق عام 2015 الذي يحد من أنشطتها النووية، لم تكن هذه استجابة لاغتيال الولايات المتحدة زعيم قوة القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني قبل بضعة أيام، لكن كلا الخطوتين تعكسان المواجهة المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة منذ صيف عام 2019. في الواقع، يجب أن يؤخذ هذا السياق في الاعتبار عند بذل أي جهد يهدف للحفاظ على مضمون صفقة 2015 (المعروفة رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة).

مع هذه المرحلة "الخامسة والأخيرة" من خفض التزاماته بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، أعلن النظام الإيراني أنه لم يعد يشعر بالالتزام بالحدود القصوى المتفق عليها في إطار الصفقة فيما يتعلق بأجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم. في الوقت ذاته، قالت إيران إن هذه الخطوة، إلى جانب تخفيضات الالتزام المرحلية السابقة، قابلة للتراجع عنها، وأن السلطات لن تقيد عمليات تفتيش المنشآت النووية في البلاد من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لكن الحكومات الأوروبية تقول إن الخطوة الأخيرة لإيران تشكل انتهاكا خطيرا للصفقة، وبعد تحذير إيران عقب جولتها السابقة من خفض الالتزامات في نوفمبر 2019، أطلقت مجموعة "E3"- ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة- الآن آلية تسوية المنازعات المتعلقة بخطة العمل الشاملة المشتركة (DRM)، والتي صُممت للتعامل مع الانتهاكات المحتملة للاتفاق.

بموجب آلية تسوية المنازعات، تُتاح للدول المتبقية الموقعة على الاتفاقية في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة في 2018- مجموعة E3 وروسيا والصين وإيران- مهلة مدتها 30 يوما على الأقل لحل النزاع فيما بينها، وفي حال فشل هذه الدول في الاتفاق على حل موضوعي أو تمديد هذا الموعد النهائي، يجوز لأي من الموقعين إحالة النزاع إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. سيكون أمام هذه الهيئة شهر للتصويت على قرار بتمديد تعليق العقوبات الدولية ضد إيران، التي أصبحت سارية عندما دخلت خطة العمل الشاملة المشتركة حيز التنفيذ في عام 2016. وفي حال عدم التوصل إلى مثل هذا القرار، تعود "العقوبات القديمة" تلقائيا إلى وضعها السابق. ولأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستستخدم بالتأكيد حق النقض (الفيتو) لمنع مثل هذا القرار، فإن رفع أي نزاع إلى مجلس الأمن سيكون بمثابة حكم بالإعدام على خطة العمل الشاملة المشتركة.

يجب ألا يحدث ذلك بالضرورة إذا استخدمت مجموعة E3 وروسيا والصين وإيران والاتحاد الأوروبي (الذي يعمل بمثابة كاتب عدل بالنسبة إلى الاتفاقية) آلية تسوية المنازعات لتحقيق الغرض المقصود منها. وفي الواقع، لا يريد أي من هذه الأطراف أن يدفن خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن من غير الواضح إذا ما كان من الممكن إنقاذ الصفقة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر؛ ومن المؤكد أنها لن تصمد في حالة فوز ترامب بولاية ثانية. هذا الاقتناع هو الأساس الذي يستند إليه الإجماع الذي بدأ يظهر ببطء، ليس فقط بين الموقعين الأوروبيين على الاتفاقية، على ضرورة النظر في ترتيب لما بعد خطة العمل الشاملة المشتركة. وعلى الرغم من أن رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون دعا إلى ما سماه "صفقة ترامب" مع إيران، فإن قادة مجموعة E3 تحدثوا بشكل مشترك عن الحاجة إلى تحديد "إطار طويل الأجل بشأن برنامج إيران النووي".

على عكس ما قد يبدو بدهيا، فمن الممكن أن توفر الديناميات الإقليمية الحالية فرصة لإجراء محادثات بناءة حول مثل هذا الإطار، حيث أظهر التصعيد الاستراتيجي الذي بدأ منذ الصيف الماضي، وخاصة هجمات إيران في سبتمبر على منشآت النفط السعودية واغتيال سليماني في يناير، مدى اقتراب المنطقة من مواجهة عسكرية (ربما لا يمكن السيطرة عليها). ونتيجة لذلك، دعت دول الخليج، التي سبق أن شجعت ترامب على اتخاذ موقف متشدد ضد إيران، صراحة إلى وقف التصعيد. بالإضافة إلى ذلك، بدأت أطراف مختلفة لم تكن سابقا على وفاق في إجراء مفاوضات، أو على الأقل أبدت استعدادها للقيام بذلك: الإمارات العربية المتحدة مع إيران، والسعوديون مع قطر والحوثيين في اليمن، والسعوديون مع الإيرانيين (من خلال أطراف ثالثة). أثناء قمة مجموعة السبع في بياريتز في أغسطس الماضي، بدا أن حتى ترامب والنظام الإيراني على استعداد لتحقيق شكل من أشكال التواصل الدبلوماسي، وعلى الرغم من أن المتشددين في طهران وواشنطن منعوا إحراز مزيد من التقدم، فإن ما يسمى المسار السويسري أدى فيما بعد إلى إجراء عمليات لتبادل الأسرى بين إيران والولايات المتحدة، مما يدل على أنه من الممكن التوصل إلى تفاهمات ثنائية أساسية بين ترامب وإيران بمساعدة من الأصدقاء أو الشركاء. علاوة على ذلك، شكر ترمب إيران "على إجراء مفاوضات عادلة"، ووصف ذلك بأنه "مقدمة لما يمكن تحقيقه".

على الحكومات الأوروبية أن تواصل محاولة تيسير المحادثات الجادة والمباشرة بين الولايات المتحدة وإيران. وفي الوقت ذاته، ينبغي لها أن تستخدم آلية تسوية المنازعات لمناقشة إجراءات الحد من التصعيد الفوري واستكشاف أطر وضع اتفاق لمتابعة خطة العمل الشاملة المشتركة، أو إيجاد بديل في حالة انهيار الصفقة الحالية.

يجب أن تتناول مثل هذه المناقشات كيفية تحقيق الاقتراح الفرنسي، الذي أيده ترامب في بادئ الأمر، بتوفير حد ائتماني أوروبي للمساعدة في تخفيف ضائقة إيران الاقتصادية، وكذلك كيفية التغلب على معارضة الولايات المتحدة للفكرة في الوقت الحالي، كما يمكن لإيران أن تدعم هذه الخطوة من خلال إعادة إدراج بعض التزاماتها التي خفضتها مؤخرا.

يمكن أن تركز المحادثات البعيدة المدى على الجداول الزمنية والأحكام المتعلقة بالقيود الطوعية المستقبلية على أنشطة إيران النووية بمجرد انتهاء صلاحية "شروط انقضاء" خطة العمل الشاملة المشتركة. في النهاية، يجب أن تكون الولايات المتحدة جزءا من أي اتفاق جديد، وستحتاج إيران إلى ضمانات بعدم إلغاء هذا الاتفاق من جانب الإدارة الأميركية القادمة. ومن شأن تأمين موافقة الكونغرس- التي لم تسع إليها إدارة أوباما في خطة العمل الشاملة المشتركة- أن يعزز مثل هذا الاتفاق، وهذا يتطلب معالجة المخاوف الرئيسة للمشرعين الأميركيين، مثل طول مدة التزامات إيران، والتي أشار المسؤولون الإيرانيون إلى أنهم على استعداد لمناقشتها في حال تحقق بعض الشروط الأخرى، ولا سيما "الهدنة الاقتصادية".

في ضوء ما سبق، يجب أن تظل أي صفقة مستقبلية مع إيران في إطار اتفاقية للحد من التسلح غير مثقلة بمسائل خلافية أخرى. فمن الأفضل معالجة القضايا المتعلقة بالسيادة والأمن والسلامة، مثل استخدام وكلاء متطرفين وتسليحهم أو انتشار الصواريخ أو سلامة المجاري المائية، في سياق إقليمي.

نظرا لاهتمام معظم الجهات الفاعلة الإقليمية مؤخرا بتخفيف التوترات، فقد يكون الوقت الآن مناسبا لتجاوز المحادثات الثنائية وبدء مؤتمر إقليمي حول بناء الثقة والأمن والتعاون، ومن شأن مثل هذه العملية أن تُكمِّل المفاوضات النووية المتجددة، وربما المطولة، بين إيران والقوى الدولية الكبرى.

* فولكر بيرتس رئيس ومدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top