الجانب المشرق من الأزمة الحكومية في أوكرانيا

نشر في 17-02-2020
آخر تحديث 17-02-2020 | 00:00
أبرزت العاصفة السياسية الأخيرة في أوكرانيا مدى التقدم الاقتصادي للبلاد في السنوات الأخيرة، لكن الحكومة الجديدة ما زالت تواجه طريقًا صعبًا.
 بروجيكت سنديكيت في 15 يناير نشر شخص ما تسجيلاً لاجتماع بين رئيس الوزراء الأوكراني أوليكي هونشاروك وكبار القادة الاقتصاديين، ينتقد فيه هونشاروك معرفة الرئيس فولوديمير زيلينسكي بالاقتصاد، لكن زيلينسكي رفض استقالة رئيس الوزراء. في الواقع، تُشير هذه الأزمة الصغيرة إلى تحسن نوعي في حالة الاقتصاد الأوكراني.

بطبيعة الحال من الغريب أن ينسى الإصلاحيون الأوكرانيون أنهم مُراقبون ويتم تسجيل لقاءاتهم، سواء من جانب أجهزة الأمن الروسية أو من قبل القلة المناهضة للإصلاح، والأكثر إثارة للدهشة هو موضوع تسريب التسجيلات الصوتية.

قبل ثلاث سنوات، في أواخر عام 2016، ناقش رئيس الوزراء الأوكراني ومحافظو البنوك المركزية ووزير المالية كيف يمكنهم الاستيلاء على "بريفات بنك" أكبر بنك في البلاد، والذي تم نهبه من قبل مساهميه (كلفت عملية الاستحواذ أوكرانيا في نهاية المطاف نحو 5 في المئة من حصتها السنوية من الناتج المحلي الإجمالي).

لم يكن تأميم "بريفات بنك" مُهمة سهلة، وإلى جانب المهارات الفنية الكبيرة، تطلب الأمر شجاعة حقيقية: توعد إيهور كولومويسكي، المساهم الرئيس في البنك، صناع السياسة بالانتقام بشكل علني. ولأن "بريفات بنك" يُمثل ما يقرب من نصف نظام الخدمات المصرفية في أوكرانيا، واجه صناع السياسة أيضًا التحدي المتمثل في الحفاظ على استمرارية المدفوعات خلال موسم العطلات المزدحم.

على الرغم من أن الدولة تولت إدارة البنك دون أي صعوبات، فإن العديد من صناع السياسة البارزين المعنيين غادروا البلاد منذ ذلك الحين خوفًا على سلامتهم، وفي العام الماضي، على سبيل المثال، تعرضت فاليريا هونتاريفا، رئيسة البنك الوطني الأوكراني السابقة (NBU)، لحادثة سير في لندن، وتم إحراق منزلها بالقرب من كييف.

على النقيض من ذلك، تم تخصيص النقاش الذي تم تسريبه في 15 يناير لمشكلة عملة الهريفنيا القوية، في تحول ملحوظ، يتم انتقاد البنك الوطني الأوكراني الآن على أساس أن التضخم منخفض للغاية وأن العملة قوية جدًا.

قبل خمس سنوات، فقدت عملة الهريفنيا نصف قيمتها، وكان التضخم السنوي أعلى من 40 في المئة، حيث اعتمد البنك الوطني الأوكراني- تحت قيادة هونتاريفا وخليفتها ياكوف سمولي- إطارا لاستهداف التضخم ووعد بخفض نمو الأسعار السنوي إلى 5 في المئة، وتم تحقيق هذا الهدف في نهاية المطاف في ديسمبر 2019، عندما انخفض معدل التضخم على أساس سنوي إلى 4.1 في المئة.

تطلبت هذه العملية طيلة سنوات نهج سياسة من أجل تخفيض نسبة الفائدة، ففي منتصف يناير كانت معدلات السياسة الرئيسة- الموضوع الرئيس للمناقشة التي تم تسريبها- مرتفعة للغاية، حيث تجاوزت 9 ف ي المئة بالقيمة الحقيقية (المعدلة حسب التضخم)، وقال صناع السياسة إن الأسعار يجب أن تنخفض بمجرد قبول السوق استهداف التضخم من قبل البنك الوطني الأوكراني.

بعد أسبوعين، في 30 يناير خفض البنك الوطني الأوكراني سعر الفائدة الرئيس بنسبة 2.5 نقطة مئوية إلى 11 في المئة، وأعلن هدفه لخفض سعر الفائدة إلى 7 في المئة بحلول نهاية عام 2020. مع تضخم سنوي يبلغ 4-5 في المئة، هذا من شأنه أن يوصل أسعار الفائدة الحقيقية إلى 2-3 في المئة في غضون عام.

تعكس قوة عملة الهريفنيا المُفرطة- التي زادت أكثر من 20 في المئة مقابل اليورو في عام 2019- تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، وبموجب إطار استهداف التضخم فإن سعر صرف عملة أوكرانيا يتسم بالمرونة ويؤدي كل مليار يورو إضافي يأتي من الخارج إلى ارتفاع قيمة العملة المحلية. وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع الواردات وانخفاض الصادرات حتى يُصبح ميزان المدفوعات صفراً، وهذا أمر طبيعي.

يجادل النقاد بأن فوائد التدفقات المالية قصيرة الأجل محدودة، وأنه ينبغي على أوكرانيا بدلاً من ذلك محاولة اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر طويل الأجل، لكن الاستثمار الأجنبي المباشر زاد أيضًا في عام 2019، حيث أظهرت أرقام الربع الثالث نموًا بنسبة 50 في المئة على أساس سنوي، وهذا الارتفاع يعزى جزئياً إلى حالة عدم اليقين السياسي بعد تعيين حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية في يوليو الماضي، لكن بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر للأرباع الثلاثة الأولى من عام 2019 لا تزال تظهر نمواً سنوياً بنسبة مئوية مُكونة من رقمين.

قد تؤدي الهريفنيا القوية إلى إبطاء النمو الاقتصادي، حيث يجد المنتجون المحليون صعوبة أكبر في منافسة المزيد من الواردات بأسعار معقولة، لكن نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في الربعين الثاني والثالث من عام 2019 كان أعلى من 4 في المئة، وهو أعلى معدل منذ أواخر عام 2016 وأعلى بكثير من معدل النمو في الاتحاد الأوروبي وروسيا، الشريكين التجاريين الرئيسين لأوكرانيا. علاوة على ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي، الذي وقع مؤخرًا اتفاقية على مستوى الموظفين طال انتظارها مع أوكرانيا، استمرار هذا الاتجاه في السنوات القادمة.

إضافة إلى ذلك تجعل الهريفنيا القوية من السهل على أوكرانيا سداد ديونها المقومة بالدولار، هذا أمر مهم، لأن اتفاق إعادة هيكلة الديون لعام 2015 في البلاد يستدعي تسديدات أكبر بكثير إذا كان نمو الناتج المحلي الإجمالي أعلى من 3 في المئة، وخصوصا إذا تجاوز 4 في المئة.

ولكن من السابق لأوانه احتفال حكومة أوكرانيا بهذه النجاحات الاقتصادية الكلية، فعلى الرغم من أن السلطات حققت تقدماً كبيراً في الخصخصة وحسّنت حوكمة الشركات والبنوك المملوكة للدولة، فإن أجندة الإصلاح لم تنته بعد، حيث يتقدم برنامج مكافحة الفساد إلى الأمام ببطء أكثر مما كان متوقعًا، ويظل من غير الواضح ما إذا كان يمكن للحكومة أن تنأى بنفسها صراحة عن القلة (الذين يحتفظون بسلطة سياسية كبيرة لأنهم يسيطرون على جميع وسائل الإعلام الرئيسة).

لا يزال إصلاح الأراضي قيد الانتهاء، وقد تم بالفعل تخفيفه، وبالمثل لا تزال صياغة الإصلاحات الضريبية وسوق العمل- التي تعتبر ضرورية لتقليص حجم الاقتصاد غير الرسمي وتعزيز القدرة التنافسية- قيد الإعداد.

أبرزت العاصفة السياسية الأخيرة في أوكرانيا مدى التقدم الاقتصادي للبلاد في السنوات الأخيرة، لكن الحكومة الجديدة ما زالت تواجه طريقًا صعبًا.

* سيرجي غورييف كبير الاقتصاديين السابق في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير ورئيس سابق للمدرسة الاقتصادية الجديدة في موسكو، وأستاذ علوم الاقتصاد في ساينس بو.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top