اللعب بالخرائط على طريقة ترامب

جغرافية جديدة في المنطقة العربية

نشر في 17-02-2020
آخر تحديث 17-02-2020 | 00:03
اللعب بالخرائط هو العنوان المستخلص من «خطة ترامب»، فالكبار في تاريخ النزاعات يرسمون خطوطهم على الورق باعتبارهم الطرف الأقوى.

هكذا حصل مع «مستر» بيرسي كوكس في اتفاقية «العقير» عام 1922 و«السير» مارك سايكس، وزميله جورج بيكو عام 1916 أثناء الحرب العالمية الأولى، وهكذا حصل مع «المستر» ترامب بوضع خريطة مقترحة «مستقبلاً» للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية... إذا التزم الفلسطينيون الشروط!

تعهد «المستر» ترامب بتوصيل قطع من الضفة وغزة بأنفاق تحت الأرض حتى لا تبقى كجزر منعزلة!

الخطوط في تغيير الجغرافية مهنة المنتصرين والأقوياء، فالكاتب البريطاني جيمس بار، في كتابه «خط في الرمال»، ينقل عن «المستر» سايكس أنه يريد أن يرسم خطاً يبدأ بحرف الـ A (يقصد مدينة عكا) وينتهي بحرف الـ K (نسبة الى كركوك) واصفا اياها بالخط الأسود فوق خريطة صماء» (محمد مجيدي - جريدة المدن).

واليوم ينضم «المستر» ترامب إلى قائمة راسمي الخرائط في المنطقة العربية «لإنهاء صراع» طال أمده وفشل فيه الآخرون...

خروج العرب والمعادلة الجديدة

خطة «مستر» ترامب «لسلام من أجل الازدهار» تقول للفلسطينيين: أمامكم أربع سنوات للتفاوض، فلتستفيدوا من عامل الوقت!

من قرأ الخطة وصل إلى استنتاج يقوم على نصح الفلسطينيين بالدخول في التفاوض والجلوس إلى الطاولة، بعد أن «يتوحد» هذا الجسم الممزق، أي (جماعة حماس وجماعة رام الله) ويضع شروطه للحصول على الأفضل مما هو معروض... فأمامه متسع من الوقت!

خرج العرب من الصراع، وبالأصح تركوا الطرف الفلسطيني وحيدا في العراء، وهي المرة الأولى في تاريخ النزاع، التي يحصل فيها هذا الفراق! قبلها كانوا في مؤتمرات القمة العربية وغيرها يقفون خلف القيادة الفلسطينية ولسان حالهم... «نرضى بما تقبلونه».

اليوم تغيرت المعادلة، الأقوياء من العرب اتجهت بوصلتهم نحو «الغرب»، ولم يعد همهم «القضية»، والمهزومون منهم منشغلون بالحروب والتقاتل.

إذن علام سيتفاوض الفلسطينيون؟!

واضح من «محاور» الخطة أن المسموح بمناقشته لا علاقة له «بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة»، ولا حتى بالقدس الشرقية، بل بأنفاق وطرق ومبادلة أراض صحراوية بمستوطنات!

المزاج العام في الشارع الخليجي يتجه نحو اقتناص الفرصة والدخول في التفاوض، أملاً في تحسين الشروط، هذا المزاج فرضته جملة أحداث وتطورات أوصلت المنطقة إلى حالة انعدام الوزن، و»تصفير» قوة العرب يجعلها خارج إطار موازين القوى التي «انتصرت» فيها اسرائيل، وصارت صاحبة اليد الطولى في المنطقة.

قد يذهب البعض الى ابعد من ذلك مبديا استعداده للتخلي عن «قضية» أنهكته وأتعبته على مدى سبعة عقود، بل استنزفت رصيده المالي، وكانت على حساب مستقبله وتعليمه واستقراره!

جردة الحساب

أصوات ترتفع الآن تطالب بجردة الحساب، بعد أن جرى تدجينها وتأييسها من إيجاد حل دائم للصراع مع إسرائيل.

جردة تبدأ من الأربعينيات، فبعد كل جولة من الحروب والصراعات، هناك «عروض» تقدم للفلسطينيين كبديل عن التفاوض.

في حرب 1948 رفض العرب والفلسطينيون مشروع التقسيم، فجاء بورقيبة وقدم مقترحا آخر انتهى الى «المقبرة»، تبع ذلك مبادرة وليم روجرز أيام جمال عبدالناصر عام 1969، وأيضاً سقطت في رمال سيناء، ثم توالت المبادرات والمشروعات من إيغال آلون إلى كامب ديفيد، بعد زيارة السادات للقدس عام 1977، ولم تتح فرصة الحصول على قطعة أرض!

سقط جدار برلين ومعه الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي، ودخل العرب والإسرائيليون بعد «نكبة الكويت» عام 1990 وغزو صدام حسين في مفاوضات السلام بمدريد إلى أن توقف القطار عند مدينة اوسلو بالنرويج، لتنتهي عملية التفاوض العرجاء ضمن حدود مدينة رام الله عام 1993 وما نتج عنها من تقسيم لمناطق في الضفة الغربية وجعلها مقاطعة بيد إسرائيل.

أكوام من المشاريع

جولة في تاريخ المبادرات وما أكثرها في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي والنتائج التي حصدتها من زاوية «حصر الإرث» تغري أصحاب الدعوة... «لا تضيعوا الفرصة... ادخلوا بالتفاوض... ربما تكون الأخيرة»!

هناك أكوام من تلك المشاريع التي خصت القضية الفلسطينية، والإشارة اليها ترمي إلى كيفية التدرج بالنزول الى القاع، فمن «دولة فلسطينية عربية مستقلة» عام 1947 أكثر من ثلث مساحة فلسطين (12 ألف كلم2)، إلى أوسلو وغزة وأريحا عام 1993 لا تشكل أكثر من 1.5% (370 كم2) من المساحة الإجمالية.

أما التراجع من سياسة المطالبة بكل شيء أو لا شيء، وهو ما رفضه الحبيب بورقيبة ودعا إلى التراجع عنه في أريحا عام 1965 فقد عاد ياسر عرفات للقبول به بعد 46 سنة من عمر النضال، لتنتهي به الحال إلى حصار دام أشهراً داخل قفص حديدي برام الله، لينقل بعدها الى باريس ويفارق الحياة!

أمر آخر للتدرج بالنزول إلى الأسفل، وهو ما حصل من إخلال بموازين القوى أدى الى عدم التوازن كليا بين الفلسطينيين والعرب من جهة وإسرائيل من جهة اخرى... سقط السلاح وتوقفت الحروب!

رسم الحدود الجديدة في خريطة ترامب

تم إلحاق «خريطة ترامب» وتصميمها لإظهار جدوى إعادة رسم الحدود وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 242، كما جاء في النص الاصلي للخطة المكونة من 181 صفحة، وتحتوي على 42844 كلمة، وبجزأين «إطار العمل السياسي»، و«إطار العمل الاقتصادي» وهو الذي استحوذ على الاهتمام الأكبر، وجرى التركيز عليه، إضافة إلى الجوانب الأمنية.

1 - يلبي المتطلبات الأمنية لدولة اسرائيل.

2 - يقدم توسعا كبيرا للفلسطينيين.

3 - يأخذ في الاعتبار مطالبات دولة إسرائيل القانونية والتاريخية الصحيحة.

4 - يتجنب عمليات النقل القسري للسكان العرب أو اليهود.

5 - يعزز التنقل لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين داخل دولتهم.

6 - يوفر حلول نقل عملية لتلبية احتياجات الجيوب الإسرائيلية والفلسطينية الموضحة في الخريطة.

7 - يعزز الجدوى التجارية والاستقلال الاقتصادي لدولة فلسطين.

8 - يوفر توسعا كبيرا محتملا في غزة لتعزيز تطوره ونجاحه.

9 - يسهل دمج دولة فلسطين في الاقتصاد الإقليمي والعالمي.

مشاريع السلام

مشروع التقسيم عام 1947

مشروع التقسيم عام 1947 نص على دولة عربية فلسطينية مستقلة وحكم دولي خاص بالقدس تحت ادارة الامم المتحدة وإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير، على ان تكون السيادة والامن لهم، مع ملاحظة انه لم تكن هناك مستوطنات باستثناء التي بحي الكارلتون في مدينة يافا، فهذه تقرر مصيرها لجنة دولية!

مشروع بورقيبة عام 1965

تضمن قيام دولة عربية فلسطينية مستقلة على أن تعيد إسرائيل للعرب ثلث المساحة التي احتلتها، وتكون القدس تحت ادارة الامم المتحدة، مع حق تقرير المصير وعودة اللاجئين.

مشروع وليم روجرز 1969

حل مشكلة قطاع غزة بمشاركة مصر وإسرائيل والأردن والقدس مدينة موحدة، على أن تنسحب اسرائيل من الأراضي، التي احتلتها بعد حرب 1967 وتسوية عادلة للاجئين.

مشروع الملك حسين 1973

مملكة عربية متحدة مرتبطة بالأردن، والقدس عاصمة لفلسطين، والسيادة للأردن، مع حق تقرير المصير.

معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية 1979

أعطت حكما ذاتيا للسكان، مرتبطة بإسرائيل، والبحث بالقدس مؤجل، والسيادة تتقرر بعد 5 سنوات لتحديد الوضع النهائي للأراضي على أن يجري استفتاء.

مشروع رونالد ريغن 1982

حكم ذاتي كامل للسكان، مرتبطة مع الأردن، والقدس مدينة موحدة، ووقف بناء المستوطنات، والسيادة تحدد بعد 5 سنوات تشمل الضفة الغربية وغزة.

مشروع غزة أريحا (أوسلو) 1993

سلطة حكم ذاتي مع مرحلة انتقالية لفترة خمس سنوات، والقدس والمستوطنات مؤجلتان لمفاوضات الوضع النهائي، والأمن يعود لإسرائيل، كما هو حاصل الآن، وانسحاب عسكري من أريحا وغزة، وقضية اللاجئين مؤجلة.

قمة بيروت 2002

بعد 72 عاما من بدء النزاع العربي- الإسرائيلي بقيام «دولة إسرائيل» وطرد الفلسطينيين من أرضهم وتشريدهم أصبح السلام مع إسرائيل والاعتراف بها مطلبا عربيا، وبالتالي فلسطينيا، ففي مؤتمر القمة العربي، الذي عقد في بيروت عام 2002، نادى الزعماء العرب بالسلام والاعتراف بالدولة الإسرائيلية مقابل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وإقامة «الدولتين».

بورقيبة يقترح على العرب قبول دولة تعيد فيها إسرائيل ثلث المساحة التي احتلتها

أمام الفلسطينيين 4 سنوات... إما التفاوض أو الخسارة!

العرب خرجوا من الصراع وتركوا الفلسطينيين في العراء

التدرج بالنزول إلى الأسفل: من «دولة مستقلة» على مساحة 12 ألف كلم2 إلى «كانتون» مقطع الأوصال على 370 كلم2

الأقوياء يرسمون الخرائط... والضحية واحدة
back to top