نهاية أوهام إيران لتكريس حروب الوكلاء

نشر في 14-02-2020
آخر تحديث 14-02-2020 | 00:00
مهاجمة السفارة الأميركية في بغداد
مهاجمة السفارة الأميركية في بغداد
بعد أن تأكد دور إيران في مهاجمة وقتل الجنود الأميركيين عمدت الولايات المتحدة إلى استعراض الوسائل الممكنة للرد ثم قررت اتخاذ خطوات حذرة خشية حدوث تصعيد مع إيران.
عندما اغتالت الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني في مطار بغداد كان ثمة هدف آخر يرافقه، وهو أبو مهدي المهندس رئيس ما يعرف باسم كتائب حزب الله العراق، إضافة إلى مجموعة من كبار القادة العسكريين. وقبل أيام فقط أقدمت تلك الكتائب على مهاجمة قاعدة في مدينة كركوك وقتلت متعاقداً أميركياً، وشاركت في حصار السفارة الأميركية في بغداد بعد أيام قليلة فقط.

كان اغتيال الجنرال سليماني، بكل تأكيد، التصرف الأشد أهمية من جانب إدارة الرئيس ترامب. لأن ذلك لم يتوقف عند معاقبة إيران بسبب تغذيتها لحروب الوكالة في المنطقة، بل إن إدارة ترامب وبعد السماح لإيران بالإفلات من العقاب عقوداً طويلة أوضحت بجلاء أن واشنطن لن تسمح للنظام الإيراني بالاستمرار في الاختباء وراء ميليشياته.

وفي عام 2008 مثلاً كتب محلل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية يدعى جون برينان مقالة في حوليات الأكاديمية الأميركية للعلوم السياسية والاجتماعية حدد فيها رؤيته لطريقة عدم الرد على خطوات حروب الوكالة التي تمارسها طهران في الشرق الأوسط قائلاً:

«إن إيران وهي تدعم تلك المجموعات تعمل على تعزيز قدرة الميليشيات على تنفيذ عمليات إرهابية، وليس من الواضح ما الدور الذي تقوم به حكومة طهران فيما يتعلق بالقرارات العملياتية التي تقوم بها تلك المجموعات».

والأكثر من ذلك، يضيف برينان: في حين يتم وصف الكثير من نشطاء تلك المجموعات بالإرهابيين، فإن معظم الهجمات التي تقوم بها المجموعات الشيعية هي شبه عسكرية في طبيعتها وموجهة ضد أهداف عسكرية إما إسرائيلية على طول الحدود اللبنانية، أو ضد قوات التحالف في العراق.

مهاجمة المصالح الأميركية

لم يكن برينان الوحيد في اتهامه لإيران بالتخطيط لمهاجمة المصالح الأميركية، فقد كان هناك الكثير من المسؤولين الأميركيين الذين شاركوه رأيه في هذا الشأن، لكن من دون اتخاذ موقف حاسم. ونتيجة لذلك، استمر عمل الجنرال سليماني من دون رادع كقائد للنخبة العسكرية في إيران في الفترة ما بين عامي 1998 و2020.

ووردت هجمات الجنرال سليماني في دراسة أميركية بعنوان «دور الجيش الأميركي في حرب العراق». وبعد نهاية المرحلة الأولى من حرب العراق في عام 2003 تسللت قوات الجنرال سليماني إلى العراق وقتلت القادة السابقين في عهد صدام حسين، كما أسست قواعد آمنة لعمليات المستقبل.

وبعد أن تأكد دور إيران في مهاجمة وقتل الجنود الأميركيين عمدت الولايات المتحدة إلى استعراض الوسائل الممكنة للرد ثم قررت اتخاذ خطوات حذرة خشية حدوث تصعيد مع إيران.

وفي حقيقة الأمر، وعندما خططت إسرائيل لاستهداف الجنرال سليماني عام 2008 طلبت إدارة الرئيس بوش منها التريث وعدم المضي قدماً، وتقول وزارة الدفاع الأميركية، إن ما لا يقل عن 603 وفيات لمواطنين أميركيين في العراق كانت نتيجة لهجمات من جانب ميليشيات تابعة لإيران.

سحب القوات الأميركية

وبمجرد وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض عام 2009 بدأ على الفور تنفيذ خططه الرامية إلى سحب القسم الأكبر من القوات الأميركية من العراق بحلول عام 2011 لكن نظراً إلى عدم تمكن الولايات المتحدة من إيجاد حل لمشكلة الميليشيات المدعومة من إيران قبل انسحاب القوات الأميركية فقد عجّل ذلك في ظهور تنظيم داعش في العراق.

وبحلول عام 2014 شرعت إدارة أوباما بتغيير في سياستها واعتبرت المجموعات المدعومة من إيران شريكة لها في محاربة تنظيم داعش – وعندما عجز الجيش العراقي عن القضاء على ذلك التنظيم تقدمت الميليشيات الشيعية وأنجزت تلك المهمة، لكن كان لذلك ثمنه، إذ اضطر العراق إلى التخلي عن أمنه لمقاتلين مؤيدين لإيران وظهر الجنرال سليماني في بعض مخيمات أولئك المقاتلين وهو يدعوهم إلى مواصلة القتال.

ومن بين أبرز المجموعات، التي عملت على سد الفجوة الأمنية في العراق، كانت هناك كتائب حزب الله التي استهدفت قاعدة أميركية وسفارة الولايات المتحدة في بغداد، وكان رئيسها أبو مهدي المهندس الذي اشتهر بالتخطيط لقتل الجنود الأميركيين خلال الحرب العراقية.

وكانت المجموعة الأخرى التي شاركت في القتال ضد الأميركيين وهي مدعومة من إيران هي عصائب أهل الحق التي انضمت في وقت لاحق إلى المعركة ضد تنظيم داعش، ونفذت أكثر من 6000 هجوم على القوات الأميركية.

وقام الجيش الأميركي بسجن رئيس تلك المجموعة قيس الخزعلي بين عامي 2007 و2009 واعترف للمحققين بأن إيران خططت للتغلغل في أوساط المجتمع العراقي كله.

واعتمد قرار الولايات المتحدة حول عدم معاداة هذه المجموعات الموالية لإيران في جزء منه على مساهمتها في قضايا الأمن العراقي ومعارضتها لتنظيم داعش إضافة إلى سعي واشنطن لإرضاء طهران في الفترة التي سبقت التوصل إلى اتفاق إيران النووي في الفترة ما بين عامي 2013 و2015.

وبعد التوصل إلى ذلك الاتفاق، لم تعد تلك المجموعات تشكل خطراً على السيادة العراقية، كما جرت محاولات لاعتبار تلك المجموعات تنظيمات مستقلة ليست تابعة لطهران، وكان ذلك وهماً لأن العراق خضع لسيطرة إيران بعد الانسحاب الأميركي عام 2011 وخطة العمل المشتركة عام 2015 – وفاقم سوء الصورة حصول إيران على مبلغ يصل الى 150 مليار دولار من الأموال المجمدة التي أفرجت عنها إدارة الرئيس أوباما بموجب الاتفاق مع طهران.

وتحت قيادة وتوجيهات الجنرال سليماني عملت الميليشيات الإيرانية بشكل جيد خارج العراق، وفي سورية، على سبيل المثال، أقدمت حركة «النجباء» العراقية وفيلق «الفاطميون» من الشيعة الأفغان ولواء «الزينبيون» من المقاتلين الشيعة الباكستانيين وغيرهم على قتل الآلاف من السنة من أجل الدفاع عن الرئيس السوري والمصالح الإيرانية في سورية.

موقف إدارة أوباما

وفي حين اختارت إدارة الرئيس أوباما وصف البعض من الميليشيات بالمنظمات الإرهابية، فقد اختارت عدم التصعيد إلى أبعد من ذلك، ومن جديد كان الرئيس الأميركي يخشى أن يتعرض الاتفاق النووي مع إيران للخطر، كما أن إدارة الرئيس ترامب حذت حذوه، وبعد أن أسهمت تلك المجموعات في دحر تنظيم داعش وجه ترامب نظره إلى الجهة الأخرى.

وأظهرت الولايات المتحدة تناقضاً مماثلاً إزاء حرب الوكالة الإيرانية في اليمن، وكانت ميليشيا الحوثي المعروفة باسم «أنصار الله» عرفت عن نفسها طوال سنوات على أنها مجموعة مستقلة لاعلاقة لها بمشروع الجنرال سليماني، وظهرت تلك المجادلة مراراً في مطبوعات مثل فورين بوليسي إضافة إلى قاعات الكونغرس الأميركي.

وأحبطت تلك المواقف جهود السعودية ودولة الإمارات لطرد الإيرانيين من اليمن، لكن مع مرور الوقت أصبحت العلاقات بين الحوثيين وقوات الجنرال سليماني أكثر وضوحاً إلى حد كبير.

قد يسهل فهم استراتيجية إيران في حروب الوكالة. لأنها تمكن طهران من شنّ حرب ضد الولايات المتحدة وغيرها من دون أن تتهم بها، وهي مهمة أيضاً بالنسبة إلى استراتيجية النظام الهادفة إلى إقامة سيطرة على منطقة في الشرق الأوسط.

وفي حقيقة الأمر، فإن هذه الاستراتيجية من الهيمنة واضحة تماماً. وبالنسبة إلى محاولة النظام السيطرة على رقعة من الأرض فهي تتطلب قوة كبيرة وليس مجرد وكلاء.

معيار حزب الله

يشكل حزب الله في لبنان المعيار الذهبي إذ كان أول مساعد لإيران. واليوم وبعد تصاعده في أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 وكذلك بعد الغزو الإسرائيلي عام 1982 أعلن عن سلسلة من الهجمات ضد المراكز الأميركية والفرنسية في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي. وأسفرت هذه العمليات عن مقتل المئات من الأميركيين مما دفع الرئيس رونالد ريغان إلى سحب القوات الأميركية من لبنان.

وشجعت تلك الخطوة من جانب ريغان حزب الله على توجيه سهامه نحو إسرائيل وهو ما دفعها إلى سحب جنودها من المنطقة الأمنية التي أقامتها في جنوب لبنان عام 2000. وبعد عشرين عاماً يستمر حزب الله في شن حرب ضد إسرائيل.

وكانت إيران عملت على تمويل وتسليح وتدريب حزب الله بحيث يصبح قوة مرهوبة الجانب في الشرق الأوسط. ومع تركيز المجتمع الدولي على عمليات العنف التي يقوم بها حزب الله تبين أن إيران تسيطر على لبنان وأن جيش حزب الله أقوى من الجيش اللبناني كما تحول حزب الله إلى جزء من كل ائتلاف حكومي لبناني منذ عام 2005. وهو يسيطر اليوم على مؤسسات الدولة في ذلك البلد.

وتجدر الإشارة إلى أن نفوذ إيران الواسع مكّن حزب الله من النمو عبر السنين كما أن إنكار الولايات المتحدة لقيادة إيران سمح للنظام بمتابعة استراتيجية مقابلة في العراق وسورية واليمن وغيرها.

وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أعلن بعد اغتيال الجنرال سليماني انطلاق الحرب على أميركا، وقال إن الرد لن يقتصر على عملية واحدة بل سوف يمتد ليفضي إلى إخراج الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط.

*جوناثان شانزير

إنكار الولايات المتحدة لقيادة إيران سمح للنظام بمتابعة استراتيجية مقابلة في العراق وسورية واليمن وغيرها

إيران عملت على تمويل وتسليح وتدريب حزب الله بحيث يصبح قوة مرهوبة الجانب في الشرق الأوسط
back to top