«بريكست» لن تفكك الاتحاد الأوروبي!

نشر في 12-02-2020
آخر تحديث 12-02-2020 | 00:00
 ذا كونفرزيشن خطة "بريكست" قد تُغيّر بريطانيا بطريقة جذرية! من المحتمل أن يتحقق استقلال اسكتلندا وتنفصل أيرلندا الشمالية عن بريطانيا، ولا شك أن حكومة بوريس جونسون ستنشغل بالتفاوض حول علاقة البلد المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، تزامناً مع تحقيق منافع الاستقلال الموعودة.

نجح الاتحاد الأوروبي من جهته في تجاوز أزماته، لكنه فشل في ابتكار الأدوات المناسبة لاتخاذ قرار دائم حول أيٍّ منها، وإذا تأججت تلك الأزمات مجدداً، وهو أمر متوقع، أو إذا ظهرت أزمات جديدة، فستتجدد المشاعر المعادية لأوروبا وقد يصبح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي جزءاً من الأجندة السياسية في بعض الدول الأعضاء مجدداً.

في هذه الحالة ستكون أكبر الدول الأعضاء الأكثر ميلاً إلى اختيار هذا السيناريو، حين يشعر المواطنون فيها بأنهم باتوا أقل اتكالاً على الاتحاد الأوروبي للحفاظ على أمنهم الاقتصادي والشخصي. قد تحذو حذوها الدول التي لم تنجح في التعامل مع أزمة اللاجئين أو منطقة اليورو، والبلدان التي تشهد أصلاً جدلاً سياسياً حول الاتحاد الأوروبي، أي فرنسا وقبلها إيطاليا.

في غضون ذلك، لن يتأثر التوجه السياسي العام والنهج اليومي في الاتحاد الأوروبي، لا سلباً ولا إيجاباً. لم تكن بريطانيا عضواً في منطقة اليورو ولا منطقة الشنغن، وبالتالي لا ينتمي هذا البلد إلى الآليات المحورية في الاتحاد الأوروبي. في حقبة سابقة، كانت بريطانيا شريكة في هندسة مبادرات مهمة للاتحاد الأوروبي، على غرار السوق الموحدة، وتوسّع الاتحاد شرقاً، وسياسات الأمن والدفاع، لكن بحلول موعد الاستفتاء حول "بريكست"، أعادت بريطانيا نفسها إلى هامش الاتحاد الأوروبي، ففي الفترة الأخيرة، لم تعد أي دولة عضو أخرى تعتبر بريطانيا أهم شريكة لها في الاتحاد. كانت ألمانيا الأهم بنظر 18 دولة من أصل 27، وفرنسا بنظر ثلاث دول منها.

لا شك أن مجموعة أخرى من الدول الأعضاء ستفتقد بريطانيا أكثر من غيرها، لا سيما البلدان الأقرب إليها من حيث التوجه السياسي العام، على غرار هولندا والدول الإسكندينافية، أو المستعمرات البريطانية السابقة، مثل مالطا وقبرص. لكن من المستبعد أن يتغير الاتحاد الأوروبي بعد "بريكست" بدرجة كبيرة. لقد نظّمت الدول الأعضاء من شمال غرب أوروبا نفسها على شكل تحالف جديد يشبه "الرابطة الهانزية" القديمة لملء الفراغ الذي خلّفته بريطانيا في الشؤون الاقتصادية والمالية.

لكن يخطئ من يظن أن انسحاب بريطانيا سيجعل الاتحاد الأوروبي أكثر تماسكاً، فقد أثبتت أزمات منطقة اليورو والهجرة (لم تكن بريطانيا جزءاً منها) مدى عمق التصدع السياسي (بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب)، ما قد يؤدي إلى انقسام الدول الأعضاء الـ27 المتبقية.

كما حصل في الماضي، سيتوقف النجاح في معالجة هذه الأزمات وصمود الاتحاد الأوروبي على قدرة واستعداد الدول الأعضاء الأساسية (على رأسها ألمانيا وفرنسا) لمنح الأعضاء الآخرين جزءاً من مسؤوليات القيادة لضمان تماسك الاتحاد الأوروبي. خلال الأزمات التي شهدها العقد الماضي، بما في ذلك "بريكست"، لم تكن الحكومات الفرنسية والألمانية مستعدة أو قادرة دوماً على توفير قيادة مماثلة، قد يسمح تغيير التوجهات المحلية والسياسية في باريس وبرلين بكبح هذا الوضع، ولا بد من مراقبة مسار الانتخابات البرلمانية الألمانية في السنة المقبلة والانتخابات الرئاسية الفرنسية المرتقبة في 2022.

على أحد المستويات الأساسية، لن يعود الاتحاد الأوروبي إلى سابق عهده مجدداً بعد "بريكست"، لقد انتفى نهائياً مفهوم "الاتحاد الأكثر تقارباً" والمسار الدائم من التكامل الأوروبي (إنه مفهوم قيّم بنظر عدد كبير من العلماء ومؤيدي ذلك التكامل)، فلا أحد يستطيع إذاً أن يفترض بكل بساطة أن التاريخ قال كلمته الأخيرة حول طريقة تنظيم الدول الأوروبية لعلاقاتها المتبادلة.

*دوغلاس ويبر

back to top