لوتس عبدالكريم تبوح بأسرار وخفايا مَن عرفتهم عن قرب

«عاشوا معي» كتاب يترجم 40 شخصية في عوالم الدبلوماسية والموسيقى والأدب

نشر في 12-02-2020
آخر تحديث 12-02-2020 | 00:01
غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
لم يكن بإمكاني ترك كتاب "عاشوا معي" منذ اللحظة الأولى التي وقعت فيها عيناي على مقدمته والغلاف الأخير منه، شعرت أن هناك شيئاً جديداً يمكن أن يعطيني زاداً أفتقده، وقد كان.

في كل فصل من الكتاب، الصادر حديثاً عن الدار المصرية ــــ اللبنانية بالقاهرة، تناولت الدكتورة لوتس عبدالكريم شريحة من الشخصيات المنتمية إلى فئة الأدباء أو السياسيين أو الموسيقيين وجمعتهم تحت سقف واحد ومن واقع معرفتها بهم ومعايشتهم، إذ جاءت الكتابة ضمن ما يعرف بأدب السيرة الذاتية.

ورغم تخصصها في هذا النوع من الكتابة فإن الأدب العربي مازال يفتقر إلى هذا الجنس من الفنون الأدبية، ربما لأن المجتمع وتقاليده لا يزالان يحدان من أدب الاعتراف والبوح وترجمة الذات وكشف مكنونها وعرض أسرارها خشية أن يشكل ذلك عيباً أو انتقاصاً من صاحب السيرة.

هي تكتب لتمتع نفسها أولاً، ثم يبدأ الجدل حول ما تطرحه من مساهمات، فكتابها أفرغت فيه الذكريات واليوميات والوقائع والاعترافات والحكايا، وبأسلوب اعتمدته في كتبها معتمدة على انعكاس كل ذلك على روحها وشخصيتها، لأنها في سياق من تتناولهم بالكتابة كأنما تكشف عن ذاتها، تخدمها ذاكرة مثقلة بالتفاصيل والحقائق ودخائل النفس، وبذلك تستعيد ما مضى وتعتبره إرثاً لها.

ابتعدت الدكتورة لوتس عبدالكريم، صاحبة ومؤسسة مجلة وصالون الشموع، والمنتمية إلى عائلة اشتغلت بالفنون والآداب والسياسة، عن "أنا" الكاتب لتظهر "الأنا" جلياً وصراحة في المكتوب عنه دون تزييف أو تشويه أو تمويه لسبب بسيط، هو أنها لا تكتب لتقتص من أحد بل تكتب عمن تحب وتقدر.

حاولتْ في كتابها "عاشوا معي" سرد ذكرياتها مع الذين كتبت عنهم، وما هو مشترك بينها وبينهم، وترسم صورة لعوالمهم الظاهرة والباطنة.

لقد نحت في هذا الإصدار نحو أهمية معرفة نفوس الآخرين الذين كتبت عنهم، وكذلك معرفة نفسها من خلالهم، ولم تفصل بين السيرة الذاتية لها والسيرة الغيرية للآخر الذي اختارته رغم أن الأولى أوثق صلة بها من غيرها، لكنها كانت في حالة تذكر مضنية، إضافة إلى المعايشة والمشاهدة، ملتزمة جانب الحقيقة.

شخوصها اختارتهم بعناية وبمعرفة خاصة بهم، ووضعتهم تحت مسمى "حضارة الحرف"، ثم حضارة الموسيقى وحضارة اللون وحضارة الحجر والبشر وحضارة السفر والرحلة وحضارة النور.

ستجد حالة التشابه بينها وبين من تكتب عنه وستتعرف على تاريخها الشخصي من خلال سرد الحكايات عن الذين اختارتهم، فهي تستحضر هؤلاء من واقع المعرفة والعلاقة التي تربطها بهم، ومن هنا جاءت الحكايات غنية بالسرد والتوصيف والفهم.

عندما تقرأ عن السفر إلى ألمانيا ستجد نفسك أمام أسماء تقرأ عنها لكنك بعيد عن سبر أغوارها الداخلية، وهذا ما فعلته عندما أخذتنا الدكتورة لوتس إلى فرانكفورت وعرفتنا على "غوته"، لا كما يكتب عنه، بل كما عايشت روحه وسيرته والمدينة التي سكنت هي فيها، وكان الشاعر غوته حاضرا في تلك الأمكنة التي عشقتها ونشأت بينهما علاقة خاصة.

الكتابة عندها ليس فيها تطويل، فالشخصية الواحدة لا تتعدى ثلاث صفحات تستأنس بالنص والمعلومة والرواية والدخول في عوالم الشخصية، كما هي الحال مع العبقري جمال حمدان، أو المتواضعة ليا نادلر وزوجها بطرس غالي، أو التوقف عند الخديوي إسماعيل، وكيف أمر جمال عبدالناصر بحذفه، وهي تسرد قصة بناء مدينة القاهرة أيّام الخديوي اسماعيل على النمط الأوروبي.

تأخذك إلى عوالم شخصيات قرأنا عنهم، لكننا لم نصل إلى ذواتهم ودواخلهم كما فعلت الدكتورة لوتس عبدالكريم حين كتبت عن يوسف السباعي أو توفيق الحكيم أو محمد عبدالوهاب أو مي زيادة.

نحو أربعين شخصية ضمتهم في كتابها، الذي يحمل أوراقاً مجهولة من حياة من اقتربت منهم في مصر والكويت وبريطانيا واليابان وإيطاليا حيث عاشت أغلب سنوات عمرها بين الملكات والأميرات والساسة والقادة والرؤساء والأدباء.

كتاب "عاشوا معي" يكشف العديد من الخفايا والخبايا والأسرار في حياة شخصيات مؤثرة في حياة د. لوتس، عاشت في صحبتهم سنوات، وهو يكمل الجزء المسكوت عنه أو غير المطروق في حياة أسماء رائدة في الأدب والموسيقى والفنون والدبلوماسية.

هناك جوانب غير معروفة للقارئ وغير متداولة، ومن الصعب أن يجدها المتابع في مكان آخر؛ لأن ما ذكرته في كتابها كانت شاهدة شخصية عليه، فهي تكتب عن شخصيات عرفتها من قرب.

أنتجت عدة مؤلفات بعدما أمضت معظم حياتها خارج مصر، وعاشت في بلدان آسيا وأوروبا، وكانت الحصيلة مذكرات نشرت على فترات متقطعة، كما كتبت دراسة عن شعب اليابان وتقاليده، وقامت بالتدريس في جامعة طوكيو، وأصدرت كتاباً عن الموسيقار محمد عبدالوهاب دونت فيه أحاديثه وندوات صالونه، وعن يوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس ويوسف وهبي.

أما كتابها عن الملكة فريدة فكان عنواًناً لصداقة كبيرة وعميقة حين اختارت الملكة مرسمها وقاعة للفن التشكيلي الذي تبدعه في منزلها، فكانت قاعة الشموع أول قاعة خاصة للفن التشكيلي بمصر، ثم أصدرت كتاباً آخر بعنوان "الملكة فريدة وأنا"، وتتالت الإصدارات إلى يومنا هذا.

المجتمع وتقاليده لا يزالان يحدان من أدب الاعتراف والبوح وترجمة الذات
back to top