تنبؤات طبية روسية... عام 1957

نشر في 06-02-2020
آخر تحديث 06-02-2020 | 00:10
 خليل علي حيدر كان عام 1957 سنة فاصلة في تاريخ تقدم الإنسان، وفي علم الفضاء على وجه الخصوص، إذ كان بداية عصر استكشافات مذهلة عبر الفضاء والكواكب لا يزال مستمراً، وذلك بعد طول تنجيم ومراقبة وأرصاد وتنظير، بل أساطير وخرافات حول الأجسام الفضائية في حجمها ومداراتها وتأثيرها على مصير الأفراد ونتائج الحروب والكوارث وغير ذلك.

يقول كتاب "الحياة في القرن الحادي والعشرين"، الصادر ربما عام 1957، والذي استخلص محتوياته الروسيان "ميخائيل فاسيلييف" و"سيرجي بوستشف"، من تقارير ومقابلات واجتهادات عن توقعات عن العلماء السوفيات أو الروس يومذاك.

يقول الكتاب عن تلك السنة: "يحتل عام 1957 مكانا خاصا في تاريخ البشرية، فقد حدث في ذلك العام حدث من المحتمل أننا لم ندرك نحن الذين عاصرناه أهميته لعظمته، أنه من الممكن مقارنته في أهميته باكتشاف النار وبأول استخدام للحديد وباختراع الآلة البخارية واكتشاف الطاقة الذرية. وأنا أشير بلا شك إلى النصر الذي أحرزه العلم السوفياتي وعلم أصول الصناعة السوفياتية بإطلاق أول أقمار صناعية إلى الفضاء".

وعن مهام تلك الأقمار الصناعية يقولان: "إن الأجرام السماوية التي ابتدعتها الأيدي البشرية قد قذف بها إلى الفضاء، وهذه أمدت العلم بالفعل بنتائج واضحة ملموسة. إن أول معامل للفضاء نقلت إلينا لاسلكيا أسراب الأيونوسفير والأشعة الكونية... إلخ". (ص7).

الأيونوسفير هي الطبقة الثالثة من طبقات الغلاف الجوي، ونحن نعلم حجم "الصدمة" العلمية والسياسية في العالم وفي الولايات المتحدة خاصة، وبالذات على تدريس المواد العلمية وتقوية دراسة الرياضيات والفيزياء التي تركز على ذلك الحدث، كما بدأت بين أميركا وروسيا منذ ذلك الوقت منافسة علمية "صاروخية" لا تزال جارية، انتصرت فضائيا فيها لاحقا أميركا، وإن بات النشاط الفضائي اليوم "معولما" في الكثير من مجالاته ومفتوحا للتعاون الدولي.

وعن الحياة اليومية والمعيشية تساءل الكتاب عما سيلبسه الناس من أقمشة وأحذية وغيرها، في تنبؤ لا يزال شطره الأبرز صحيحاً، وقال: "في استطاعتنا أن نقول ونحن على ثقة إن الناس في القرن الحادي والعشرين سيصنعون ملابسهم وأحذيتهم دون استثناء من المواد الصناعية، وستكون جميع الأشياء التي ستكتنفهم عموما مواد صناعية".

وهذا ما نحن فيه اليوم ومنذ فترة وربما إلى سنوات طويلة.

لقد رافق عصر الفضاء فيما يبدو عصر جديد على الأرض! يقول المؤلفان لقد سُميت عصور من تاريخ البشرية بأسماء المادة الرئيسة المستخدمة في مختلف مراحل مدنيته كالعصر الحجري والعصر البرونزي والعصر الحديدي، "وقد اكتشفت مواد بلاستيكية تعادل المعادن في قوتها، تحتل مكان المعادن في عمليات الإنتاج، ويُستعمل البلاستيك الآن في النحت وسيحل تدريجيا محل الرخام".

ما المعادن التي ستأخذ مكانة متميزة في الاستخدام؟ تنبأ الكتاب بمستقبل زاهر وانتشار واسع في استخدام "الألمنيوم" في مختلف المجالات، الذي عُرف لأول مرة عام 1790 على هيئة مسحوق بلوري أبيض هو "أكسيد التيتانيوم"، يقول الكتاب، ومضت 120 سنة قبل أن يتحقق صنع الغرامات القليلة الأولى منه على هيئة المعدن البراق الفضي، ولم يمض فقط إلا عشرة أعوام منذ بداية إنتاجه الصناعي.

وجاء في كتاب المؤلفين أن الألمنيوم "سيكون معدن المستقبل، وستصنع منه السفن الهوائية والتوربينات الغازية وصواريخ الفضاء ومئات الاستعمالات الأخرى". بل ربما نجح الإنسان في "القرن القادم" كما توقعا في تطوير مواد جديدة معالجة ذريا، مواد ذات طبيعة وخواص لا نستطيع تحديدها اليوم.

ومن الفقرات المدهشة في كتاب العلماء الروس الصادر عام 1957 عن قرننا الحالي، ما تصور حيرة علماء الأحياء والبشرية يومذاك في تفسير الوراثة والجينات، وهي علوم لم تكن معروفة بتفاصيلها الحالية يومذاك، عام 1957. يقول الكتاب إننا نتوقع نتائج باهرة إثر "غزو الكيمياء وعلم الطبيعة ميدان التناسليات". نتائج "مدهشة جدا في عشرات السنين القليلة القادمة". ومن فقرات الكتاب هذه الفقرة التي تبين تقدمنا اليوم منذ عام 1957 وتجسّد العبقرية الإنسانية وقيمة البحث العلمي منذ ذلك التاريخ، قول المؤلف فاسيلييف وزميله ملخصاً التحدي العلمي الكبير أمامهما آنذاك "إن لغز الوراثة هو أكبر لغز أمام علماء الأحياء في الوقت الحاضر، وتتلخص المشكلة في اكتشاف الطريقة التي يتقرر بها، في خلية واحدة مجهرية، التفاصيل التي لا حصر لها لتركيب كل أعضاء الجسم وأنسجته والوظائف التي تقوم بها والخواص المميزة للجسم التام النمو في المستقبل، وكيف أن ذلك الجنين قد تكمن فيه السمات المجتمعية لكل من الأب والأم".

ويتحدث عن الجهد العلمي الجبار الذي بذل حتى وقته فيقول: "إن علماء الأحياء في قرننا الحالي استطاعوا أن يعطونا تفسيرات مفصلة معقولة لقوانين الوراثة العامة، ونحن الآن سائرون سيرا حثيثا في طريقنا إلى التمكن من الكشف نهائيا وبطرق كيماوية عن طبيعة تلك المواد التي تنتقل بها السمات الأبوية إلى الذرية. إن المهمة التي ستواجه علماء الكيمياء الحيوية يمكن أن يقال إنها تتلخص في حل رموز لغة قانون التوافيق الذرية والجزئية التي تتقرر بها، على حد قولنا، الصفات التي تنتقل للنسل طبيعيا وكيماويا. وهي مهمة شاقة حقا ولكن من المحتمل ألا نكون مسرفين في التفاؤل إذا اعتقدنا أنه في خلال خمسين عاما سيكون هذا القانون الأحيائي معروفا كمعادلة رياضية محددة دقيقة". (ص88) وهذا ما وقع ولا يزال على وجه الدقة.

ولكن كيف سيستفيد العلماء من اكتشاف هذه القوانين التي تتحكم بالوراثة؟

يقول الباحثان عن التحكم بالجينات والتخلص من الأمراض الكامنة في الخلايا: "ومن تلك اللحظة سيكون العلم قد سيطر سيطرة تامة على الطبيعة الحية، وسيكون من الممكن عن طريق تنظيم الذرات التي تحتويها الجينات والصبغيات (الكروموزونات) أن تزود النباتات والحيوانات بصفات نافعة كلما تطلب الأمر كذلك، وتنقل هذه بدورها إلى ذريتها وحتى في الوقت الحاضر فإننا قد سرنا شوطا معينا في هذا الاتجاه فيما يختص بأبسط الكائنات الحية، وأعتقد أنه سيكون في وسعنا تصفية أو إن شئت لقلت "إعادة تهذيب" أنواع كثيرة من الجراثيم المسببة للأمراض. إن علماء الأحياء سيجعلونها عديمة الضرر بإحداث تغيير صناعي بها". (ص89).

وينفي الباحثان صفة الأحلام والتمنيات عن توقعاتهما، ويقولان: "ليس في كل هذه التصورات تصور واحد لا أساس له في ضوء ما أحرزناه فعلا من نتائج ناجحة في أيامنا". ويصفان سرعة التقدم العلمي التي تزداد باستمرار كأنها هيار منحدر على سفح جبل"، يقول المنجد "الهَيَار ما ينهار ويسقط"، ومنها كلمة انهيار فيما يبدو!

يضيف الباحثان أن من المحتمل أن يعثر أحدهم عام 2007 على كتابنا هذا، فيقولون إن أحلامنا العلمية وتوقعاتنا كانت بسيطة "ما كان أشد تواضع أحلامهم في تلك الأيام"، ويضيفان: "إن بعضا من الأفكار التي تحدثنا عنها اليوم على الأقل ستتحقق أثناء هذا القرن، وأنا على يقين كذلك، أن كثيرا من قراء هذا الكتاب أولئك الذين هم أصغر سنا مني أمامهم مستقبل عظيم يبدو كأنه وهم من الأوهام وأنهم هم الذين ستقع على عاتقهم مهمة تحقيق كثير من أحلامنا".

ويقول المؤلفان عن الموقف العلمي سنة 1957: "إن أنظار العلماء اليوم مركّزة على نواة الخلية"، ويضيفان "إن الورثة في الكائنات الحية تعتمد على نواة الخلية، وإذا كانت الوراثة تعتمد في أساسها على نواة الخلية، فمن الواضح أننا بتغيير النواة يمكننا تغيير الوراثة أيضا". وهذا ما يحاوله بعض العلماء، يقول الكتاب، منذ تجارب "غيراسيموف" في نهاية القرن التاسع عشر في الحصول على خلايا ذات نويتين وخلايا بلا نواة، حيث زادت الخلايا الأولى في الحجم والحيوية وماتت الخلايا الثانية.

وفي فصل عن التقدم الطبي المتوقع بعنوان "جراجة بلا دماء" تحدث المؤلفان آنذاك عن "حصى تُزال من الكبد دون مبضع الجراح، وحتى دون لمس المريض". ونقلا عن الطبيب المفترض أنه يعيش في هذا الزمن ويتلقى استفساراتنا "في خلال عشرين دقيقة سيطحن كل الحصى في الكبد وسيتخلص الجسم من هذا المسحوق كله في أيام قليلة عن طريق الجهاز الهضمي". ويتحدث الكتاب كذلك وهو في المستشفى الافتراضي عن "مبضع الذبذبات الصوتية للجراحة دون دماء"، والنصل الذي يخدر نهايات الأعصاب ويقتل الجراثيم في الجرح فورا، وعن التخدير الكهربائي، واستخدام الغراء في التئام الجروح، واستخدام خيوط عضوية تضم الجرح الذي سرعان ما يندمل، وتختفي فيما بعد آثاره، وما نسعى إليه هو غراء يصلح لأنسجة الجسم وأطراف الأعصاب وأطراف الأوعية الدموية والجلد والعظام المكسورة".

ويشير الكتاب إلى بعض مقدمات نقل الأعضاء التي جرت على الحيوانات ومنها زراعة كُلية كلب على رقبته، مع نقل الحالب إلى الخارج، وما كان من الكُلية إلا أن أدت مهمتها كاملة في موضعها الجديد وبقي الكلب سليماً".

وفي عام 1956 زرع الجراح "ديميخوف" رأس جرو مكان رأس جرو آخر، "وواصل الحيوان ذو الأربع حياته العادية ما يقرب من أسبوع يرى ويسمع ويشم الروائح، ويبحث عن الطعام ويلعق اللبن، ولكنه مات بعد ذلك". كانت عملية نقل الأعضاء في بدايتها آنذاك، وكانت المشكلة الكبرى والتي لا تزال معروفة عدم تقبل الجسم لأي عضو غريب.

ويقول الكتاب واصفاً الوضع يومذاك إن عملية زرع الأعضاء لم تنجح إلى الآن حتى بين أفراد العائلة نفسها كالأخ والأخت والآباء والأطفال إلا في حالة واحدة وهذا الاستثناء هو حالة معاوضة الكلية من توءم لتوءم".

ومن المواضيع ذات الصلة إمكانية التجميد، التي قال الكتاب إنها ستكون معروفة في القرن الحادي والعشرين للاستفادة من أعضاء جثث الذين ماتوا حديثا، وعلى ذلك فسيكون هناك مخزن يمكِّن من سحب أي عضو أو أي جزء مطلوب من جسم الإنسان".

ورغم أن هذا التوقع لم يتحقق حتى الآن فإن الأطباء الروس لم يفقدوا حتى الآن حماسهم لـ"طب التجميد" كما سنرى!

back to top