الترجمة والرواية الكويتية (1-2)

نشر في 05-02-2020
آخر تحديث 05-02-2020 | 00:05
 طالب الرفاعي حين تداولت نخب مجتمعات العالم الفكرية والثقافية تعبير «القرية الكونية- Global Village»، مترادفاً مع تعبير: «العولمة-Globalization» كان لهذين التعبيرين وقع الصاعقة على البعض. فهناك مَن رأى أن العولمة هي شكل جديد من الاستعمار الثقافي، وهناك مَن استبعد كثيراً إمكانية أن يعيش العالم لحظة عولمة ببُعدها الاقتصادي، وانعكاساتها على مختلف مناحي الحياة الفكرية والأدبية والاجتماعية. لكن، الأرض دارت دورتها، وها نحن نعيش ليل نهار، ليس في قرية كونية، بل في «غرفة كونية» وأصغر من ذلك، في «لحظة كونية»، وها هي العولمة تتسرَّب إلى مختلف لحظات عيشنا، خصوصا استخدامات الهاتف الذكي.

قبل عقدين من الزمن، لم يكن سهلاً النفاذ إلى لغة أخرى، ولم يكن بهذا اليُسر تواصل المفكِّر أو الكاتب أو الناشر مع الآخر، لكن في ظرف متحرك ومتجدد باضطراب، ووسط هيمنة كبيرة لوسائل التواصل الاجتماعي، بات أمراً هيناً تواصل الإنسان مع الإنسان، وبات هيناً ترجمة كل جملة وفكرة، سواء ترجمة دقيقة من متخصص، أو ترجمة مشوَّشة عبر محركات البحث على شبكة الإنترنت. ويتجلى هذا المشهد أكثر ما يكون على جنس الرواية، فوجود أي شخص بمكتبة عامة في نيويورك أو لندن أو طوكيو أو موسكو أو دبي أو بيروت أو المغرب، يضع ذلك الشخص أمام مشهد دال للرواية عبر العالم. فمن خلال تطور أدوات الترجمة من وإلى جميع لغات العالم، بات بإمكان أي شخص، وفي أي مكان في العالم، الجلوس قبالة الكمبيوتر وترجمة نصه الخاص، وإرساله عبر الفضاء، ولكل بشر الفضاء. ولكن كم يبدو هذا بعيداً وبعيداً جداً عمَّا تتطلبه العالمية من حضور!

أفهم العالمية بمدلولها الأدبي والثقافي، بوصفها انتقال فكرة أو عمل فكري أو أدبي إلى لغة أخرى، لأسباب كثيرة، من بينها: تميُّز العمل على مستوى جنسه، ومخاطبته للحس الإنساني المشترك في الإنسان أينما كان، وقدرته على العيش لفترة زمنية طويلة بالنظر إلى الطرح الإنساني الحي فيه، وتوفر مترجم متمكِّن ينطق أصلاً بلسان اللغة الأم التي يُراد الترجمة إليها، معايشاً حيواتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى إتقانه تماماً اللغة التي سيُترجم منها. وأخيراً، ترجمة العمل الإبداعي لناشر أدبي معروف، وليس لدكاكين فضاء مفتوحة على الطلب المباشر فقط، دون وجود مكتبة حقيقية وعرض للكتاب في مكان بعينه. وهذا ما بات يُعرف بـ«الناشر الشخصي-Self-publishing»

يؤرخ التاريخ الأدبي في الكويت، بأن رواية «آلام صديق» للكاتب فرحان راشد الفرحان، التي نُشرت عام 1948، كانت هي الرواية الكويتية الأولى، ومنذ ذلك التاريخ ومداد الرواية الكويتية إلى جديد وعبر أكثر من جيل. وإذا كنا نقصد بالعالمية ترجمة الأعمال الروائية الكويتية إلى مختلف لغات العالم، فقد تمَّت ترجمة أعمال روائية كثيرة، ولأكثر من لغة، لروائيين كويتيين، من بينهم: إسماعيل فهد إسماعيل، ليلى العثمان، طالب الرفاعي، ثريا البقصمي، سعود السنعوسي وغيرهم. وليس هناك إثبات أدبي علمي أو دراسة دقيقة بخصوص الروايات الكويتية المترجمة وأسماء المترجمين، والناشرين الأجانب، وتاريخ الترجمة ودور النشر.

إن تفريقاً واضحاً يجب أن يُذكر في مجال الترجمة، وهو أن الانتقال إلى العالمية لا يتم بترجمة محدودة تمَّت لترقية جامعية، واحتلت جزءاً من رف صغير في مكتبة جامعية. لكن الترجمة المُراد بها الانتقال إلى العالمية، هي تلك الترجمة التي ينهض بها مترجم محنَّك، بناءً على طلب من دار نشر أجنبية معروفة، لكتاب لافت في جنسه، وعامر بالقضايا الإنسانية التي يطرحها. وبالتالي يأخذ الكتاب مكانه وحضوره إلى جانب كتب كثيرة مترجمة، ويكون مبذولاً لقراء بذائقة وفكر مختلفين، مقدماً بفنية عالية، وخاصة بيئة وعوالم أبطاله ومصائرهم. فرواية مثل «سيدات القمر» للكاتبة العمانية جوخة الحارثي، التي فازت بجائزة «مان بوكر العالمية- International Booker Prize»، قدمت عوالم سلطنة عُمان الخبيئة، مما جعلها تحتل مكانة الصدارة في أي مكتبة بلندن أو نيويورك، إضافة إلى أن فوز الرواية ومكانة الجائزة أخذت الرواية إلى ترجمات أخرى كثيرة بخلاف الإنكليزية.

back to top