«الخليج»: التكنولوجيا والمهارات أساس حل «التركيبة السكانية»

اختلال التوازن سببه زيادة عدد الوافدين مقارنة بالمواطنين

نشر في 30-01-2020
آخر تحديث 30-01-2020 | 00:03
مبنى بنك الخليج
مبنى بنك الخليج
قال تقرير صادر عن بنك الخليج إن المواطنين يشكلون 4 في المئة فقط من القوى العاملة في القطاع الخاص، باستثناء مجموعة العمالة المنزلية الفرعية.

اختلال التركيبة السكانية في الكويت ظل يمثل مشكلة اقتصادية واجتماعية منذ زمن طويل

يتعين النظر في إيجاد حل لهذه المشـكلة، شريطة أن يؤدي إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية وتوفير الوظائف والموارد للمواطنين وتزايد الاحتياجات في ظل نمو الاقتصاد التنافسي

يجب أن يتمحور جوهر الحل حول العمـل على تقليل أعداد العمالة غير الماهرة بين الوافدين من خلال استخدام التكنولوجيا وزيادة مشاركة المواطنين في القطاع الخاص عن طريق سد فجوة المهارات
شـــهد عدد الســـكان في الكويت نمواً بمعدل سنوي 4.2 في المئة منذ عام 2000، وجـــاء ذلـــك مدفوعاً بشـــكل أساســـي بوصـــول الوافدين (غيـــر الكويتيين) بصفـــة مســـتمرة، بمعدل زيادة 4.8 في المئة ســـنوياً، مقارنة بنمـــو عدد المواطنين بنســـبة 2.9 في المئة، وارتفـــع تدفـــق الوافديـــن على مدى الســـنوات إلى أن بلغت نســـبتهم حاليـــاً 70 في المئة مـــن إجمالي عدد ســـكان الكويت، البالـــغ 4.6 ملايين نســـمة (كما في 2018)، مقابـــل 62 في المئة في 2000.

وحسب تقرير صادر عن بنك الخليج، أدى الاختـــلاف الديمغرافـــي والاقتصـــادي بين دول مجلـــس التعاون الخليجـــي والـــدول الناميـــة في آســـيا إلى تشـــجيع حركـــة انتقـــال العمالة مـــن أماكـــن تواجدهـــم الكثيـــف. ويعمـــل لـــدى القطـــاع الخـــاص الكويتي، وســـوق العمالـــة المنزليـــة عـــدد كبير مـــن الوافديـــن، كمـــا أن الوافدين من الـــدول الغربيـــة يعملون بشـــكل كثيف فـــي قطاعات مختلفة مثـــل الضيافة، والخدمـــات الماليـــة، والقطـــاع المصرفـــي. وقـــد يتأثـــر الاقتصـــاد الكويتـــي هيكليـــاً علـــى المـــدى الطويل من جـــراء الاعتمـــاد العشـــوائي علـــى الوافدين، خصوصا مـــن ذوي القيمـــة الأدنـــى من حيـــث المهارة.

وقال التقرير إن المواطنــين يشكلون 4 في المئة فقـــط مـــن القـــوى العاملـــة فـــي القطـــاع الخـــاص (باســـتثناء مجموعـــة العمالـــة المنزليـــة الفرعيـــة). ويعمـــل الكويتيـــون فـــي القطـــاع العـــام بشـــكل أساســـي في مهـــن مثـــل المفتش فـــي الإدارات الحكوميـــة، والجيـــش كعســـكريين، أو عريـــف أو رقيـــب، وأمين ســـر أو كاتب عـــام، ومراســـلين أو مندوبـــي جـــوازات. وعلـــى الجانـــب الآخـــر، يعمل غير الكويتيين في قطاعات مثل الأنشـــطة المنزلية، والإنشـــاءات، وتجارة الجملة، وتجـــارة التجزئـــة، والمهام التي تتطلـــب المهارات المنخفضـــة، ويعمل معظمهم عمـــال نظافـــة، ســـائقين، وكخدم، ومربـــين في قطـــاع العمالـــة المنزلية، أما المهـــن الأخـــرى التـــي يعمـــل فيهـــا أغلبيـــة غيـــر الكويتيـــين فتضـــم عمال الكهربـــاء، وســـائقي المركبـــات، والتمريض.

وفيمـــا يتعلـــق بأعلى المؤهـــلات العلمية، نجـــد أن أكثر مـــن 80 في المئة من غير الكويتيـــين قد تلقوا تعليماً متوســـطاً أو ابتدائياً فقط، مما يتناقض بشـــدة مـــع الكويتيـــين الحاصلـــين في المتوســـط على التعليـــم الثانـــوي أو أعلى. ومعظـــم الوافديـــن في البـــلاد من الذكـــور، ويعملون كعمـــال غير مهرة فـــي الوظائـــف ذات الإنتاجيـــة المنخفضـــة، ويعتبـــر قطاع العمالـــة المنزلية والقطـــاع الخـــاص أكبـــر جهتـــي عمـــل للوافديـــن1. ويعمـــل الجـــزء الآخر معلمـــين وأســـتاذة فـــي قطـــاع التعليـــم، وموظفـــين في القطـــاع الصحي، وأطبـــاء في المستشـــفيات ومـــديرين في مختلف الشـــركات.

وأضاف التقرير: فـــي أعقـــاب الطفـــرة النفطية التي شـــهدها عقد الســـبعينيات مـــن القرن الماضـــي، بـــدأ الانتشـــار الحضري يســـود في معظـــم دول مجلـــس التعاون الخليجـــي، بما فيهـــا الكويت. وأدى حجم القوى العاملـــة الوطنية إلى تقييـــد القـــدرة على التطويـــر المرغوب لبنيتهـــا التحتية، وتقـــديم الخدمات الأخرى اســـتيفاًء للطلب المتزايد، والتوسع في النشاط الاقتصادي. وهكذا، أدى تدفـــق العمالـــة غير الكويتية إلى توفير حلول جيدة وغير مكلفة لســـد النقـــص فـــي العمالة.

كمـــا أدى نقص القوى العاملة، بســـبب انخفاض عدد الســـكان من المواطنـــين، وتنامي الحاجة إلى العمالة، إلى اســـتمرار الاعتماد علـــى الوافدين، في حـــين كانت هناك مغريات لهم تمثلت في ارتفاع مســـتوى المعيشـــة والحصـــول على فرص أفضـــل للدخل، مقارنة ببلدانهم الأصليـــة. وقد تدفق الآســـيويون بشـــكل خـــاص إلى الكويـــت، ويمثل منهم الهنـــود بشـــكل خـــاص 31.45 في المئة من إجمالي الســـكان غيـــر الكويتيين، أما فيمـــا يتعلـــق بالوافدين من الدول العربية، فيشـــكل المصريـــون حصة كبيرة منهم (20.83 في المئة من إجمالي الســـكان غيـــر الكويتيين).

تقييم النماذج

وأشار التقرير إلى أن دول مجلس التعـــاون الخليجي تهـــدف إلى التحول إلـــى الاقتصاد المعرفي، وتحدوهـــا الرغبـــة الأكيـــدة فـــي اســـتقطاب الوافديـــن مـــن ذوي المهارات الرفيعـــة والاحتفـــاظ بهم. كمـــا تعكف المنطقة على وضع سياســـات داعمة للأعمـــال تتعلق بالهجرة، بهدف تعزيز النمـــو الاقتصادي لدولها. ومن بين دول مجلـــس التعاون الخليجي، كشـــفت الســـعودية عن طـــرح نظام الإقامة المميـــزة (تصريـــح الإقامـــة)، والمعروفـــة على المســـتوى الشـــعبي «بالبطاقة الخضـــراء» الســـعودية. ويوفـــر ذلـــك النظام عـــدداً مـــن المزايـــا للوافدين مـــن ذوي الثـــروة والمهـــارات العاليـــة، كمـــا طرحـــت الإمـــارات نظام «البطاقـــة الذهبيـــة» لمنـــح الإقامـــة الدائمـــة أو وضـــع «المســـتثمر الأجنبي» ورواد الأعمال والباحثين، الذين اســـتطاعوا المســـاهمة بشـــكل إيجابي في نجـــاح الاقتصـــاد الإماراتي.

ومن شـــأن إصـــدار تصاريح الإقامـــة من هذا النـــوع الخاص تســـهيل دمـــج رواد الأعمـــال المبدعين، واســـتقطاب المواهب العالمية إلـــى المنطقة.

المشاهدات العالمية

وبإلقـــاء نظـــرة معمقـــة علـــى دول مثل كنـــدا وســـنغافورة، اللتـــين اعتمدتا أيضـــاً بشـــكل كبير علـــى العمالـــة المهاجرة فـــي التنمية، يمكن الاســـتفادة مـــن هذه المشـــاهدة، فمعظـــم الدول المتلقيـــة للمهاجرين تســـتهدف إدخال العمالـــة الأجنبية ذات المهارة العالية، بهدف تعزيز الإنتاجية، بينما تســـاعد العمالـــة غيـــر الماهرة فـــي التغلب على النقـــص. فعلى ســـبيل المثال، خـــلال مراحـــل النمـــو فـــي ســـنغافورة واســـتفادة مواطنيهـــا مـــن التعليم، ارتفعـــت مســـتويات الدخـــل، وأصبـــح المواطنـــون يتحاشـــون الانخراط في مهـــن الياقـــات الزرقـــاء، مثـــل أعمـــال البنـــاء، والأعمـــال الصحيـــة، وعمالة المنـــازل. وبالتالـــي، تحتـــم علـــى الدولـــة الاعتماد علـــى جاراتها الآســـيوية فـــي العمالـــة، وقامت باســـتقدام القوى العاملـــة من الفلبـــين والهند لتولي تلـــك المهام.

وعلـــى الجانـــب الآخـــر، أقدمـــت كنـــدا علـــى تجربـــة اســـتقطاب العمالـــة الماهـــرة، وتبنـــت نظام النقاط لمنـــح تصاريح الإقامة. وينطـــوي هذا النظام علـــى منح أعلـــى النقاط لمن يحملـــون مؤهلات علمية عالية، مع اشـــتراط الخبـــرة العمليـــة والمهـــارات اللغويـــة، ويتم تشـــجيعهم على دخـــول البلاد.

وعلـــى غـــرار كنـــدا، تطبـــق دول متقدمـــة مثـــل المملكـــة المتحـــدة، واليابان، وأســـتراليا نظـــام النقـــاط لاختيـــار العمالة الماهـــرة، ومنحهم الإقامـــة بناء علـــى اشـــتراطات تتضمـــن المؤهـــلات العلمية والخبـــرة العمليـــة والمهنة.

وعلـــى النقيـــض مـــن ذلك، وبصـــدد إعـــادة التوازن للقـــوى العاملـــة، تعتبر عمليـــة التكويـــت من أهـــم التحديات، التـــي عرفتها نظم معلومات ســـوق العمـــل الكويتـــي (...) بأنها تمثـــل دوراً أكبـــر للمواطنـــين في ســـوق العمل بشـــكل عـــام، وفي ســـوق العمـــل بالقطـــاع الخاص، علـــى وجـــه التحديد. ويتـــواءم ذلك مع الخطـــة التنموية الاقتصادية، الراميـــة إلى تحويل الدولة إلـــى مركـــز تجاري ومالـــي إقليمـــي. وهـــذا النوع مـــن الفكـــر الاقتصادي المعرفـــي يتطلب - بطبيعـــة الحال - وجود قوى عاملـــة ذات مهارة رفيعة. ويعتبـــر التعليـــم فـــوق الثانـــوي أحد المؤشـــرات الرئيســـية لتلـــك المهارات المهنيـــة. ويمكـــن أن يمثل ذلـــك، بـــدوره، حافزاً أساســـياً لإنتاجـــية العمالة الكويتيـــة، ممـــا يشـــير إلـــى أن شـــركات القطاع الخـــاص الكويتيـــة يتعين عليهـــا تعزيـــز الاســـتثمار فـــي العاملين بمجالـــي التعلـــم والتطوير.

وينبغـــي أن يهـــدف الحـــل إلـــى تحقيـــق التـــوازن بـــين المصلحـــة الوطنيـــة والاحتياجـــات الاقتصاديـــة، ورغـــم أن الحاجة إلى القـــوى العاملة غيـــر الوطنية يبـــدو أنها ستســـتمر علـــى مـــدى الســـنوات المقبلة، فإنـــه يتعين على الكويـــت معالجة اختـــلال التـــوازن بين أعـــداد الوافدين والمواطنين، مع مراعـــاة الطلب على التوســـع الاقتصـــادي والاحتياجـــات الاجتماعية والاقتصاديـــة. ويمكن أن يـــؤدي الأســـلوب المرتكـــز علـــى المعاييـــر، مـــع التركيـــز على مـــدى الفرص المتاحـــة، إلى المســـاهمة في التنمية الوطنية. ومن شـــأن هذا الأســـلوب أن يعيـــد توجيه الموارد والمهارات بشـــكل اســـتراتيجي، مما يزيد من مشـــاركة المواطنـــين فـــي وجوـــد القـــوى العاملة فـــي القطـــاع الخـــاص، فضلا عن اســـتقطاب المواهـــب الأجنبية، بهـــدف تقليل الاختلال فـــي التوازن.

التوصيات

وأوصى التقرير الشـــركات والمؤسســـات بتطبيـــق التقنيـــات الخاصة بالتشـــغيل الآلـــي لعملياتهـــا، ممـــا قد يـــؤدي إلى تقليـــل التدفق الكبيـــر للعمالة غيـــر الماهرة إلـــى البلاد.

• وكبديـــل لذلك، يمكن للكويت تبني اســـتراتيجية جديدة لســـوق العمل يتحقـــق فيها التوازن بـــين المصالح الوطنيـــة والاقتصادية، ومثال على ذلـــك، تقتـــرح منظمـــة العمل الدوليـــة أن تقوم حكومـــات دول مجلس التعـــاون الخليجـــي بربط رؤيتها الاقتصادية بسياســـات ســـوق العمل، بهـــدف تعزيز جاهزية ســـوق العمل المحلي وزيـــادة الإنتاجية.

• يجب التركيـــز فـــي إصلاحـــات العمالة علـــى القضاء علـــى ظاهرة «تجـــارة الإقامـــة» غير الشـــرعية.

• ينبغـــي علـــى الكويـــت تقليل أعـــداد العمالة غيـــر الماهرة باســـتخدام أحـــدث التقنيـــات، مـــن جهـــة، كمـــا ينبغـــي عليها اســـتقطاب الوافديـــن مـن ذوي المهــارة العالية في سـعيها نحـو التحــول إلى الاقتصاد المعرفي، مـــن جهة أخرى. ويمكـــن للكويت الاســـتفادة من أســـاليب الـــدول الأخرى في اســـتقطاب العمالة الماهـــرة، كما يمكنها استكشـــاف برامج الإقامة وفقـــاً لنظام النقاط (مثل كندا وأســـتراليا ونيوزيلنـــدا) والـــذي تتبنـــاه عـــدة دول لتشـــجيع قـــدوم المواهـــب من العمـــال الأجانب مـــن ذوي المهـــارات المتطـــورة والمتخصصة.

• باســـتقطاب الكويـــت لأعداد لا بأس بها مـــن الوافدين من ذوي المهارة العاليـــة، يمكـــن تحقيق التحســـينات فـــي الإدارة، وبالتالـــي زيادة نمو النـــاتج المحلـــي الإجمالي بعيداً عن قطـــاع النفط. كمـــا أن الاقتصاد سـيســـتفيد من ارتفاع القوة الشـــرائية للوافدين من ذوي المهارة، والذيـــن يتقاضـــون أجوراً يزيـــد من خلالها حجم الصـــرف محلياً.

• إن اســـتقطاب الوافديـــن مـــن ذوي المهـــارة العاليـــة ينبغـــي أن يرتبط بالتمهيـــد لذلـــك بجعـــل الكويـــت «جاهـــزة مهاريا» خلال فتـــرة زمنية مناســـبة. وسـيتطلب ذلك حجماً كبيراً من الاســـتثمار في تدريب الشـــباب علـــى المهارات التـــي ســـتكون مطلوبةً للاقتصـــاد المعرفي.

وجود الوافدين يؤدي إلى تناقص فرص الوظائف المتاحة للمواطنين، ويشكل ضغطاً على البنية التحتية والخدمات العامة
back to top