شيخة: الأدب رسالته الصدق والجمال

تهتم بحقوق الإنسان وترى أن الشعر هائمٌ بين الجثث

نشر في 27-01-2020
آخر تحديث 27-01-2020 | 00:04
على الرغم من انتقالها إلى ميونيخ منذ نحو عامين، فإن قلب الأديبة السورية الكردية شهناز شيخة لايزال متعلقاً بوطنها، تتذكر معاناة أبنائه خصوصاً أنها لمست ذلك عن قرب من خلال اشتغالها في مجال حقوق الإنسان وتوثيقها مجازر بحق السوريين مما أثمر ديوانها «اسمه وطني»، قبل أن تطلق ديوانها الثاني «ابنة الجن» عن المحرومين من جنسية بلادهم!
وفي حوار أجرته معها «الجريدة» تتحدث شيخة عن سنوات نشأتها الأولى، وعلاقتها بالقصيدة والقصة، وبحثها عن مزيد من الهدوء لإنجاز روايتها الأولى، لافتة إلى أن كل أدب حقيقي له رسالة مجبولة بالصدق والجمال... وفيما يلي نص الحوار:
• حدثيني عن الأجواء التي نشأتِ فيها وكيف أسهمت في اتجاهك إلى عالم الكتابة الأدبية لاحقاً؟

- نشأتُ في عائلة محبة للعلم والأدب كان والدي مُعلماً وجدّي فقيهاً في أمور الدين وضليعاً في اللغة العربية، رغم أن لغتنا الأم هي اللغة الكردية، وكان غالباً ما يُجري بين أحفاده مسابقات في الشعر كذلك أخوالي الذين كتبوا في عدة مجالات في الأدب. كل هؤلاء شجعوني على قراءة القصص في طفولتي في سنوات عمري التي لم تكن تتجاوز التسع سنوات، ومن ثم بدأت بكتابة أول قصة قصيرة وأول قصيدة ومسرحية للأطفال قمنا بتمثيلها على خشبة المركز الثقافي أنا وزملائي في المدرسة بعد أن دربتنا معلمتنا وسط دهشتها من أنني كتبتُ تلك المسرحية في ذلك العمر الصغير وسرتُ بعدها بخطى واثقة.

صرختي الأولى

• مارستي المحاماة ولا تزالين ناشطة في المجال الحقوقي. إلى أي مدى أفادكِ ذلك على المستوى الأدبي؟

- ربما كانت صرختي الأولى التي مزجت الشعر بحقوق الإنسان قبل أن أنهي المرحلة الثانوية، وقد بدأت بها ديواني الشعري الأول حين كتبت: "لستُ ملاكاً ولستُ أدّعي النبوة، أريد فقط حقّي في أن أكون إنساناً" بعدها بدأت نشاطي الحقوقي الذي قرّبني أكثر من معاناة السوريين في وطني، وبخاصة في هذه الحرب وانعكس ذلك في ديواني الشعري "اسمه وطني" الذي هو توثيق لكل مجزرة حدثت في سورية وكذلك من معاناة الشعب الكردي، حين كنت مع غيري من المحامين نعمل في ملفات عشرات الآلاف من المحرومين من الجنسية رغم أنهم ولدوا وكبروا في سورية، وكنت أفكر كيف عاش هؤلاء كلّ هذه السنوات من دون الاعتراف بهم كبشر وما سبق ذلك من هموم هذا الشعب وانعكس ذلك في ديواني الشعري "ابنة الجن" ومجموعتي القصصية التي هي قيد الطبع "العبور إلى الجنة"، وحين قُصفت قرية صغيرة اسمها "حدّاد" وذهبت لتغطية أوضاع الجرحى الذين نقلوا إلى المشفى بدأتُ بالبكاء وبعدها كتبت قصيدة طويلة بعنوان "حدّاد".

ومن ناحية أخرى فإن انشغالي بحماية حقوق الإنسان أبعدني عن عالم الأدب وطبعاً ليس عن الكتابة، فقد عاتبتني ذات مرة صديقة صحافية على عدم إرسال موادي إلى صفحتها وكان ردّي لها: "الشِّعر يا صديقتي هائمٌ بين الجثث".

قصة ما

• يتنوع إبداعك بين الشعر والقصة... على أي أساس تحددين القالب الأدبي الذي يخرج فيه نصكِ؟

- ما أكتبه يمتزج فيه الشعر مع القصة، فبين سطور كل قصيدة هناك قصة ما، وفي كل قصة هناك لغة شعرية أجد نفسي لاأستطيع الكتابة بغيرها، ولكن في النهاية ما يميز القصيدة عن القصة هو التكثيف والموسيقى.

الآمال المشتركة

• متى انتقلتِ إلى ألمانيا، وماذا أضافت إليكِ الحياة هناك.. هل فتحت أمامكِ آفاقاً جديدة، أم وسعت هوة الحنين إلى الوطن؟!

- منذ نحو عامين انتقلت إلى ميونيخ كل الأشياء هنا ساحرة: الطبيعة والبيوت والهدوء وكذلك الناس من مختلف الجنسيات الذين نلتقي بهم أجد بيننا الكثير من الآلام والآمال المشتركة أتأمل كل ذلك وأقول في نفسي كلنا إخوة ننتمي لأمنا الطبيعة وفي الوقت نفسه وأنا أتأمل الغابات والأشجار الضخمة هنا أتذكر أن الناس والأطفال في وطني مشردون بلا مأوى والذين يسكنون البيوت كان كثير منهم يحرق ملابسه أو كتبه ليتدفَّأ بها في شتاءاتٍ أنهكتها الحرب.

بناء الجسور

• برأيك، ما الذي يجعل من القصيدة الحداثية (قصيدة النثر تحديداً) والتي تكتبينها سيدة الشعر في زمننا الراهن؟

- ربما رغبة الإنسان الأزلية في بناء الجسور بين الثقافات واللجوء إلى الترجمة في بناء هذه الجسور لعب دوراً في نشاة القصيدة الحداثية، فالقارئ بدأ يدرك أن الذي يبقى بعد الترجمة هو الصور والتشبيهات والدهشة، بينما تختفي القوافي والأوزان وفي النهاية لكل أدب حقيقي رسالة مجبولة بالصدق والجمال تصل في أغلبها بقصد أو دون قصد من الشاعر أو الكاتب عموماً.

العاطفة والتاريخ

• قبل سنوات تحدثتِ عن مشروع رواية تعكفين على كتابتها، بعنوان "شانا ملحمة الحب والموت" فهل خرجت إلى النور؟

- هناك بعض الكتاب يكتبون في أجواء صاخبة بالنسبة إليّ أحتاج لكثير من الهدوء لأستطيع الغوض في روايتي مع شخصياتي إلى عوالمهم فالحرب التي استنزفت أرواحنا على مدار ثماني سنوات لم تمنحني ذلك الهدوء الذي استجديه للسفر مع روايتي إلى شواطئها المجبولة بالحزن والعاطفة والتاريخ، وهنا في ألمانيا التحدي مع اللغة الألمانية الصعبة نوعاً ما و"الكورس" التحضري لدراسة الماجستير في الحقوق كما قال الروائي الفرنسي ميلان كونديرا "كل الناس يعتقدون أننا رحلنا لنعيش حياة سهلة ولا يعرفون كم من الصعب أن يبني المرء لنفسه مكاناً صغيراً في عالمٍ غريب"، ورغم ذلك فأنا الآن أقرأ رواية "التحوّل" لكافكا باللغة الألمانية.

مجموعة شعرية

• ماذا عن جديدكِ؟

- لديّ مجموعة شعرية بعنوان "ثمة بكاء منعني عن الندى" جاهزة للطباعة، وكذلك ستصدر قريباً في برلين مجموعتي الشعرية باللغة الكردية.

كتاباتي تمزج الشعر مع القصة وأحتاج الهدوء لإنجاز روايتي الأولى

بعد ترجمة الشعر تبقى الصور والتشبيهات والدهشة وتختفي القوافي والأوزان
back to top